يُلاحِظ المارُّ من أمام "معلب 8 مايو 1945" في مدينة سطيف شرقَي الجزائر، هذه الأيام، أنّ المكان تحوّل إلى ورشةٍ مفتوحة لفن الرسم؛ إذ تجمّع قرابة ستّين فنّاناً تشكيلياً من ثمانية وعشرين محافظةً جزائرية ضمن فعاليات "المهرجان الوطني لرسم الجداريات"، التي انطلقت أوّل أمس الأربعاء، وتستمرّ حتى الثالث من تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري.
يُقام المهرجان، الذي تُنظّمه "رابطة النشاطات العلمية والثقافية للشباب" بالتنسيق مع "ديوان مؤسّسات الشباب" في سطيف تحت شعار "الوطن للجميع"، ضمن برنامجٍ احتفالي بالذكرى الخامسة والستّين لاندلاع الثورة التحريرية. ويُنتظَر أن تُنجَز خلاله 120 جداريةً، أي بمعدّل جداريّتَين لكلّ مشارك.
وتُختتم الفعاليات بتوزيع جوائز على الفائزين الثلاثة الأوائل، إضافة إلى "جائزة لجنة التحكيم". وبالموازاة مع التظاهرة تُقام مسابقة وطنية في الرسم على الجدران تُخصّص لفنّاني المدينة، بهدف "إتاحة الفرصة للرسّامين ونوادي الفنون التشكيلية لإبراز مواهبهم"، بحسب المنظّمين.
ويقول المنظّمون إن الهدف من التظاهرة هو "جعل الأعمال الفنية وسيلةً للتحسيس بالمواطنة ونشر الروح الرياضية في الملاعب وثقافة السلم والوقاية من الظواهر السلبية في المجتمع"، إضافةً إلى "إنشاء فضاء للتواصل بين الشباب لتبادل الآراء والخبرات".
تتناول الأعمال ثيمتَين أساسيّتين؛ هما: "ثقافة السلم والمواطنة" و"الروح الرياضية"، وهما موضوعان غير بعيدين عن الراهن الجزائري؛ حيثُ يرتبط الأول بالحراك الشعبي ضدّ السلطة المتواصل منذ الثاني والعشرين من شباط/ فبراير الماضي، والذي يُنتظَر أن يشهد زخماً جديداً اليوم تزامناً مع ذكرى الثورة؛ حيثُ شهدت مواقع التواصل الاجتماعي في الأيام الأخيرة دعواتٍ لتنظيم مظاهرات غير مسبوقةٍ، رفضاً لإجراء الانتخابات الرئاسية المقرّرة في الثاني عشر من كانون الأوّل/ ديسمبر المقبل، قبل توفير شروط تضمن نزاهتها، وأوّلها إبعاد جميع رموز منظومة الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة من دوائر القرار.
أمّا الثاني، فيرتبط بظاهرة العنف في الملاعب التي تشهد تصاعداً لافتاً في السنوات الأخيرة؛ حيث يجري تسجيل حوادث شغب بشكل متكرّر خلال مباريات كرة القدم، وكثيراً ما تُؤدّي إلى وقوع قتلىً وجرحىً، دون أن تنجح السلطة، من خلال حلولها الأمنية أو حملاتها التحسيسية، في وضع حدّ للظاهرة.
لعلّ أكثر ما يُلاحَظ في التظاهرة هي المشاركة اللافتة للرسّامات في هذا الشكل الفنّي الذي كان إلى وقتٍ قريب يقتصر على الرسّامين الذكور. يُمكن أن نلاحظ أيضاً ضعف كثير من الأعمال المنجزة على المستوى الفنّي. وإلى جانب ذلك، يبدو أنّنا أمام شكلٍ مختلف من الغرافيتي الذي يُعرف كفنّ متمرّد على السلطة ومناهض لها؛ ففي حالة "المهرجان الوطني لرسم الجداريات"، يبدو وقد تحوّل إلى أداةٍ في يد السلطة نفسها.