تقف حركة "النهضة" التونسية في قلب العاصفة التي تهزّ المشهد السياسي التونسي، فبعد تعطيل العمل بوثيقة قرطاج وتأكيد الحركة دعمها لبقاء رئيس الحكومة يوسف الشاهد، خرج الأخير ليلقي قنبلة من العيار الثقيل، بتوجيه هجومه نحو حافظ قائد السبسي، نجل الرئيس التونسي ومدير حزب "نداء تونس".
وكانت "النهضة"، على مدى السنوات الأخيرة، تدعم الرئيس الباجي قائد السبسي وابنه على حد سواء، وتحالفت معهما، كل في موقعه، واستبسلت في الدفاع عن تحالفها مع السبسي في الرئاسة، ومع ابنه في "نداء تونس"، وكانت أغلب القرارات تصدر عن توافق وتشاور بينهما، وصل إلى حد إنشاء تنسيقية في البرلمان بين الكتلتين لإنجاح الحزام المساند للحكومة التي يشكّلان أهم عناصرها.
غير أن دعم الشاهد، وإن كان مسألة حكومية، إلا أنه وضع "النهضة" أمام خيار حقيقي وقرارات تتطلّب شجاعة في اتخاذها، فالسبسي الابن مهدد داخل حزبه "نداء تونس"، بعدما تكثّفت المعارضة ضده في الأيام الأخيرة، فباتت "النهضة" أمام خيارين، إما تدق الإسفين الأخير في وضع السبسي الابن السياسي، ما قد يجعلها ناكثة للوعود ومخلّة بالتحالفات، أو تدعمه على مضض وبمواجهة كل هذه الاعتراضات.
يُذكر أن السبسي الابن كان أول من دعا إلى حل التحالف مع "النهضة" بعد انتخابات ألمانيا التي مُني فيها "النداء" بهزيمة مدوية، وبقي منذ ذلك الحين يكرّر أنه لن يتحالف مع "النهضة"، ويؤكد بعد الانتخابات البلدية أنه لن يتفق معها على تقسيم المناصب في أي بلدية، وسيبحث التحالف مع الأحزاب القريبة فكرياً من "نداء تونس"، وهو ما رددته أغلب قيادات حزبه.
وفي كل الحالات تجد "النهضة" نفسها أمام خيارات صعبة للغاية، فدعمها للشاهد سيكون مرتفع الثمن، وهو إن لقي دعماً داخلياً في مجلس الشورى الأخير للحركة، فإنه يلقى أيضاً معارضة حقيقية من قيادات تعتبر أنه رهان باهظ الثمن، وانعكاساته ستكون كبيرة على الحركة. ولكن الحركة لم تشر من قريب أو بعيد إلى خطاب الشاهد الأخير، خصوصاً ما يتعلق ببرنامجه المستقبلي ونواياه جمع العائلة الديمقراطية في أفق 2019، مع أن "النهضة" كانت تردد باستمرار أنها تدعم حكومة جديدة لا يترشح أعضاؤها للانتخابات المقبلة.
وكان رئيس مجلس شورى "النهضة"، عبد الكريم الهاروني، قد أكد في تصريح إذاعي أن حزبه أبلغ الشاهد بضرورة الإعلان عن عدم ترشحه لانتخابات 2019، موضحاً أن الحركة اتصلت به وأعلمته أن شرط بقائه على رأس الحكومة المقبلة هو عدم الترشح للاستحقاقات الانتخابية المقبلة. وأضاف الهاروني أن حزبه طالب الشاهد في السابق بضرورة الإصلاح ومقاومة الفساد ومراجعة التعيينات والوضع في القصبة، لأنها قاطرة الحكومة، وفق قوله.
اقــرأ أيضاً
وبعد الإعلان عن برنامج الشاهد الأخير، تبدو "النهضة" في موقف محرج، فرئيسها راشد الغنوشي كان أول من طالب الشاهد بعدم الترشح للانتخابات، إلا إذا كان الشاهد لا ينوي دخولها فعلياً، ويريد أن يبقى رئيساً لحكومة ما بعد 2019 من بوابة "نداء تونس" بعد أن يعود إليه وربما بتوافق جديد مع "النهضة".
ولا تبدو كل الآراء منسجمة داخل "النهضة"، خصوصاً بعد تصاعد الأزمة، إذ بدأ الجميع يبحث عن مخرج للمأزق. واعتبر القيادي في الحركة، النائب عبد اللطيف المكي، أنّ اقتراح البديل الأفضل لرئيس الحكومة الحالي يوسف الشاهد ضمن مشاورات وثيقة قرطاج 2 من شأنه العمل على حل الأزمة وتجاوز التعطيل الحاصل بخصوص النقطة 64 المتعلّقة بالتعديل الحكومي، الذي كان سبباً في تعليق الحوار.
وأكد المكي، في تصريح لوكالة الأنباء الرسمية، أهمية استمرار النقاش والحوار بأفكار جديدة، من بينها إمكانية إضافة نقطة جديدة ضمن بنودها تتعلق بطرح اسم البديل الأفضل لرئيس الحكومة الحالي، لافتاً إلى أنّ إعلان "النهضة" استعدادها الرجوع إلى الحوار في إطار وثيقة قرطاج 2 لا يعني وجود تطوّر في موقفها، وإنّما التأكيد على رغبتها في استمرار الحوار كما أعلنت عن ذلك يوم تعليق المفاوضات في قصر قرطاج. كذلك اعتبر أنّ الأزمة لا تحلّ من باب واحد ولا بدّ من إيجاد عدة مداخل لتجاوزها، مشيراً إلى فكرة تقديم البديل من المسائل التي طرحتها الحركة وتمّ تداولها ضمن اجتماعات قرطاج لكن لم "تأخذ حظّها".
ويتقاطع هذا الرأي مع ما كشفه "العربي الجديد" منذ أيام من أن مخاوف "النهضة" تتعلق بعدم القفز في المجهول وعدم توفر بدائل جدية لدى المطالبين بإبعاد الشاهد. وأصدرت "النهضة" بياناً منذ أيام أكدت خلاله "حرصها على أن يتم استئناف الحوار، على نحو أو آخر، في أقرب الآجال بين مختلف الأطراف السياسية والاجتماعية المشاركة في وثيقة قرطاج 2، بما يطمئن التونسيين حول جدية الإصلاحات المزمع القيام بها ويضمن لها كل شروط النجاح". وفي محاولة للحد من التأثيرات الجانبية لمواقف بعض قيادييها غير المنسجمين مع إدارتها، الذين استغلوا الأزمة لمهاجمة "نداء تونس"، أكدت الحركة "احترامها وتقديرها لكل مكوّنات المشهد الحزبي والسياسي في البلاد"، وأنها "لا تتدخل في الشؤون الداخلية للأحزاب بصورة مباشرة أو غير مباشرة".
وأضافت "النهضة"، في بيان جديد لها مساء السبت، إثر صدور بعض التصريحات لشخصيات قيادية فيها تتعلق بمواقف من منظمات وأحزاب وطنية أو في الحكومة أو في وثيقة قرطاج 2، أن مواقفها الملزمة تعبّر عنها مؤسساتها الرسمية والجهات المخوّلة للحديث باسمها، وما دون ذلك فهي وجهات نظر شخصية لا تلزم إلا أصحابها، موصية "جميع أبناء وبنات الحركة بواجب الالتزام والتقيّد بالمواقف الرسمية للحزب".
وعلى الرغم من أنها تملك الأوراق المهمة في يدها، من خلال موقفها في المشهد السياسي أو في البرلمان، فإن حجم الرهانات يزيد ثقلاً على الحركة، خصوصاً أنها اصبحت معنية ومتورطة أكثر من أي وقت مضى في نتيجة المسار التونسي الذي يراقبه الجميع في الداخل والخارج.
اقــرأ أيضاً
وكانت "النهضة"، على مدى السنوات الأخيرة، تدعم الرئيس الباجي قائد السبسي وابنه على حد سواء، وتحالفت معهما، كل في موقعه، واستبسلت في الدفاع عن تحالفها مع السبسي في الرئاسة، ومع ابنه في "نداء تونس"، وكانت أغلب القرارات تصدر عن توافق وتشاور بينهما، وصل إلى حد إنشاء تنسيقية في البرلمان بين الكتلتين لإنجاح الحزام المساند للحكومة التي يشكّلان أهم عناصرها.
غير أن دعم الشاهد، وإن كان مسألة حكومية، إلا أنه وضع "النهضة" أمام خيار حقيقي وقرارات تتطلّب شجاعة في اتخاذها، فالسبسي الابن مهدد داخل حزبه "نداء تونس"، بعدما تكثّفت المعارضة ضده في الأيام الأخيرة، فباتت "النهضة" أمام خيارين، إما تدق الإسفين الأخير في وضع السبسي الابن السياسي، ما قد يجعلها ناكثة للوعود ومخلّة بالتحالفات، أو تدعمه على مضض وبمواجهة كل هذه الاعتراضات.
يُذكر أن السبسي الابن كان أول من دعا إلى حل التحالف مع "النهضة" بعد انتخابات ألمانيا التي مُني فيها "النداء" بهزيمة مدوية، وبقي منذ ذلك الحين يكرّر أنه لن يتحالف مع "النهضة"، ويؤكد بعد الانتخابات البلدية أنه لن يتفق معها على تقسيم المناصب في أي بلدية، وسيبحث التحالف مع الأحزاب القريبة فكرياً من "نداء تونس"، وهو ما رددته أغلب قيادات حزبه.
وكان رئيس مجلس شورى "النهضة"، عبد الكريم الهاروني، قد أكد في تصريح إذاعي أن حزبه أبلغ الشاهد بضرورة الإعلان عن عدم ترشحه لانتخابات 2019، موضحاً أن الحركة اتصلت به وأعلمته أن شرط بقائه على رأس الحكومة المقبلة هو عدم الترشح للاستحقاقات الانتخابية المقبلة. وأضاف الهاروني أن حزبه طالب الشاهد في السابق بضرورة الإصلاح ومقاومة الفساد ومراجعة التعيينات والوضع في القصبة، لأنها قاطرة الحكومة، وفق قوله.
وبعد الإعلان عن برنامج الشاهد الأخير، تبدو "النهضة" في موقف محرج، فرئيسها راشد الغنوشي كان أول من طالب الشاهد بعدم الترشح للانتخابات، إلا إذا كان الشاهد لا ينوي دخولها فعلياً، ويريد أن يبقى رئيساً لحكومة ما بعد 2019 من بوابة "نداء تونس" بعد أن يعود إليه وربما بتوافق جديد مع "النهضة".
ولا تبدو كل الآراء منسجمة داخل "النهضة"، خصوصاً بعد تصاعد الأزمة، إذ بدأ الجميع يبحث عن مخرج للمأزق. واعتبر القيادي في الحركة، النائب عبد اللطيف المكي، أنّ اقتراح البديل الأفضل لرئيس الحكومة الحالي يوسف الشاهد ضمن مشاورات وثيقة قرطاج 2 من شأنه العمل على حل الأزمة وتجاوز التعطيل الحاصل بخصوص النقطة 64 المتعلّقة بالتعديل الحكومي، الذي كان سبباً في تعليق الحوار.
وأكد المكي، في تصريح لوكالة الأنباء الرسمية، أهمية استمرار النقاش والحوار بأفكار جديدة، من بينها إمكانية إضافة نقطة جديدة ضمن بنودها تتعلق بطرح اسم البديل الأفضل لرئيس الحكومة الحالي، لافتاً إلى أنّ إعلان "النهضة" استعدادها الرجوع إلى الحوار في إطار وثيقة قرطاج 2 لا يعني وجود تطوّر في موقفها، وإنّما التأكيد على رغبتها في استمرار الحوار كما أعلنت عن ذلك يوم تعليق المفاوضات في قصر قرطاج. كذلك اعتبر أنّ الأزمة لا تحلّ من باب واحد ولا بدّ من إيجاد عدة مداخل لتجاوزها، مشيراً إلى فكرة تقديم البديل من المسائل التي طرحتها الحركة وتمّ تداولها ضمن اجتماعات قرطاج لكن لم "تأخذ حظّها".
وأضافت "النهضة"، في بيان جديد لها مساء السبت، إثر صدور بعض التصريحات لشخصيات قيادية فيها تتعلق بمواقف من منظمات وأحزاب وطنية أو في الحكومة أو في وثيقة قرطاج 2، أن مواقفها الملزمة تعبّر عنها مؤسساتها الرسمية والجهات المخوّلة للحديث باسمها، وما دون ذلك فهي وجهات نظر شخصية لا تلزم إلا أصحابها، موصية "جميع أبناء وبنات الحركة بواجب الالتزام والتقيّد بالمواقف الرسمية للحزب".
وعلى الرغم من أنها تملك الأوراق المهمة في يدها، من خلال موقفها في المشهد السياسي أو في البرلمان، فإن حجم الرهانات يزيد ثقلاً على الحركة، خصوصاً أنها اصبحت معنية ومتورطة أكثر من أي وقت مضى في نتيجة المسار التونسي الذي يراقبه الجميع في الداخل والخارج.