جرت مياه كثيرة في السنوات الأخيرة تحت جسور الأبحاث الأركيولوجية، والتاريخية بشكل عام، بدأ ذلك حين أخذت دول أفريقية تطالب المستعمِرين السابقين بإعادة قطع أثرية وصلت إلى أكبر متاحف العالم من خلال النهب والسطو، وهي دعوة سرعان ما اتخذت اتجاهات تنظيرية لنشهد مراجعات عميقة ليس فقط بخصوص الآثار وملكيتها، بل أيضاً في كيفية قراءة تاريخ ومعتقدات الشعوب القديمة.
يوم الأحد المقبل، يخصّص متحف اللوفر في باريس برنامجاً في هذا السياق؛ كيف نقرأ الميثولوجيا الفرعونية اليوم بعد ما شهدته الأركيولوجيا والنظريات التاريخية من مراجعات؟ يتضمّن البرنامج فقرتين أساسيّتين؛ في الأولى تقام جولة موجّهة لزوّار الجناح المصري يطلعون فيها على مجموعة من القطع يجري تفسير كيف صارت من مقتنيات المتحف.
يلي ذلك محاضرة تقدّمها الباحثة في علم المصريات؛ مارلين سيلييه بعنوان "الآلهة المصرية والميثولوجيا"، وتشير في تقديمها بأنها تعود إلى موضوع سبق أن قدّمته عشرات المرّات، لكن هذه المحاضرة تختلف عن كل سابقاتها، لأنها تأتي بعد صدور كتاب "المعجم النقدي للميثولوجيا" في 2018.
ترى سيلييه أن الباحث في علم الأساطير بات عليه أن يضع في اعتباره أنه يوجد قبل وما بعد 2018، حيث أن إثارة البلدان المستعمرة السابقة لقضية استرداد آثارها قد دفع بالباحثين إلى قراءات جديدة ينبغي لها أن تعترف بأن للآثار أصحاباً على عكس النظرة السائدة قبل ذلك التاريخ، حيث ظلّ البحث العلمي يتبنى نفس الفرضية التي جعلت من نابليون أو شامبليون يأتي بآثار ويضعها في متاحف باريس، فقد جرى اعتبار أن ملكية القطعة التاريخية تعود لمكتشفها.
من جانب آخر، تشير سيلييه في تقديم ورقتها إلى أن "المعجم النقدي للميثولوجيا" هو أيضاً مشروع مراجعة علم الأساطير لأدواته، ففي السابق كان يستند حصراً إلى مناهج علم التاريخ لتدخل عليه بالتدريج مؤثرات من قبل الدراسات السردية وعلم الإحصاء ناهيك عن دور التكنولوجيا في إحداث تغييرات جذرية على زوايا نظر الباحث للقطعة الأثرية.
قد تقدّم مثل هذه البرامج والمحاضرات تحييناً في علاقة الجمهور بالقطع الأثرية المصرية، لكن هل تغيّر شيئاً في مصيرها؟ قد لا تكون هذه البرامج سوى جزء من منظومة أدوات يعتمدها اللوفر وغيره من المتاحف لتبرير استمرار حيازة آثار بلاد أخرى.