29 سبتمبر 2017
"الموت لأميركا الموت لإسرائيل"
لم يحظ شعارٌ سياسي بالشهرة والتكرار والسخرية، كما حظي شعار الموت لأميركا والموت لإسرائيل الذي أطلقه آية الله الخميني، قبل نحو أربعة عقود من عمر الثورة الشعبية الإيرانية ضد الشاه التي تحولت على أيدي آيات الله الإيرانيين إلى ثورة إسلامية، بعدما تم القضاء على القوى الديمقراطية واليسارية التي ساهمت مساهمة أساسية في إشعال الثورة ونجاحها.
عرفت منطقتنا في سياق التحولات السياسية والمجتمعية والنهوض القومي والوطني، منذ الخمسينيات من القرن الماضي، شعارات صارت جزءاً من تشكل الوعي السياسي للأجيال اللاحقة، وكان شعار "ارفع رأسك يا أخي، لقد ولىّ زمن الاستعمار"، والذي عرفه الزمن الناصري ربما أكثر تلك الشعارات التصاقاً بالوعي، والأشد إثارة للعواطف الوطنية لدى شعوب المنطقة، وخصوصاً تلك التي كانت ترسخ تحت وطأة الاستعمار في الجزائر وفلسطين واليمن وغيرها. وقد عرفت هزيمة يونيو/حزيران 1967 الشعار الذي لا يزال متداولاً، حتى إن جريدة "السفير" اللبنانية كانت تتوج به صفحتها الأولى، وأعني شعار "ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة"، والذي اقتطف من إحدى خطب الرئيس جمال عبد الناصر بعد الهزيمة. ومع انطلاقة الثورة الفلسطينية في منتصف الستينيات، صار شعارها المحبب إلى نفوس الفلسطينيين، "ثورة حتى النصر"، أيقونة كلامية تبنتها حركات وشعوب، إلى أن بدأ الشعار نفسه عرضة لسخرية مريرة، حتى في أوساط الفلسطينيين أنفسهم.
برع سياسيو منطقتنا، في صراع بلدانهم الطويل مع قوى الاستعمار الخارجي، في صياغة اللغو الذي تلقفته الشعوب التواقة إلى الحرية والاستقلال، وراحت تردده في حراكاتها الاحتجاجية، وهي تسعى إلى حريتها، وكلما تقدم الزمن خطوة إلى الأمام، تراجعت الفكرة المتوخاة الكامنة وراء الشعار، وأصابه الشحوب، على الرغم من محاولات أصحاب الشعارات حقنه بالدماء وتغذيته بالأوهام.
رفعت الشعوب رؤوسها حقاً للكفاح ضد الاستعمار الذي ولّى بشكله القديم، لكن الرؤوس انحنت تحت سياط الأنظمة، وقهرها الشعوب التي يدعوها الشعار إلى رفع رؤوسها، ولم تستطع الأنظمة التي رفعت شعار القوة لاسترداد ما أخذ بها أن تسترد شيئاً مما أخذ، حيث تحولت المطالبة باسترجاع ما سلب واحتل إلى ورقة وحيدة على طاولات المفاوضات، كما أن شعار الثورة المستمرة حتى النصر تلاشى في غيهب الوعي، ليتحول إلى مجرد أغنية وطنية، تنتمي إلى زمن مضى، ماتت أجياله، وبالكاد تألفها الأجيال الجديدة، حتى شعار الانتفاضة الفلسطينية الأولى في الضفة الغربية وقطاع غزة في نهاية الثمانينيات "لا صوت يعلو فوق صوت الانتفاضة" كان كلما انتشر وارتفع صداه في الوسط الشعبي الفلسطيني والعربي كان صوت آخر ينسلّ خفياً في جنباته وتحته وفوقه، ليجعل من التفاوض السري والعلني المحرك الأساسي والمقرر النهائي لصوت الانتفاضة التي كُتم صوتها، بعدما ارتفع صوت "أوسلو" الصاخب.
لم تكترث أميركا، ولم تبال إسرائيل بخبر موتها الذي أطلقته حناجر أتباع آيات الله في إيران والعراق ولبنان، وأخيراً في اليمن، الذي زاد عليه الحوثيون "اللعنة على اليهود"، فقد انطلق شعار يهددها بالموت بإلقائها في البحر، من إذاعة صوت العرب في بدايات المرحلة الناصرية، ولم تكترث.
الموت لأميركا والموت لإسرائيل يعني الفناء الكامل لهاتين القوتين العظميين دولياً ومحلياً، الفناء بقوة الكلام والهذر المشحون بحركات مسرحية، مستقاة من زمن مضى، يتداخل فيه الشحن الديني بالمذهبي، برغبة دفينة في اكتمال صورة الضحية عبر استنساخها من بالات التاريخ، وتكريسها في وعي قطاعات من الدهماء، واستحضار أساطير الدم في طموح ملتبس، لتحول دور المظلوم إلى أداة متوحشة، تمعس بلا رحمة من يقف في طريق طموحها للهيمنة. لم يكن الشعار سوى كذبة، لا تختلف عن الكذب الذي غرقنا فيه طويلاً. فلا ماتت أميركا ولا إسرائيل ماتت، وشعوبنا تموت تحت وهم الشعار.
برع سياسيو منطقتنا، في صراع بلدانهم الطويل مع قوى الاستعمار الخارجي، في صياغة اللغو الذي تلقفته الشعوب التواقة إلى الحرية والاستقلال، وراحت تردده في حراكاتها الاحتجاجية، وهي تسعى إلى حريتها، وكلما تقدم الزمن خطوة إلى الأمام، تراجعت الفكرة المتوخاة الكامنة وراء الشعار، وأصابه الشحوب، على الرغم من محاولات أصحاب الشعارات حقنه بالدماء وتغذيته بالأوهام.
رفعت الشعوب رؤوسها حقاً للكفاح ضد الاستعمار الذي ولّى بشكله القديم، لكن الرؤوس انحنت تحت سياط الأنظمة، وقهرها الشعوب التي يدعوها الشعار إلى رفع رؤوسها، ولم تستطع الأنظمة التي رفعت شعار القوة لاسترداد ما أخذ بها أن تسترد شيئاً مما أخذ، حيث تحولت المطالبة باسترجاع ما سلب واحتل إلى ورقة وحيدة على طاولات المفاوضات، كما أن شعار الثورة المستمرة حتى النصر تلاشى في غيهب الوعي، ليتحول إلى مجرد أغنية وطنية، تنتمي إلى زمن مضى، ماتت أجياله، وبالكاد تألفها الأجيال الجديدة، حتى شعار الانتفاضة الفلسطينية الأولى في الضفة الغربية وقطاع غزة في نهاية الثمانينيات "لا صوت يعلو فوق صوت الانتفاضة" كان كلما انتشر وارتفع صداه في الوسط الشعبي الفلسطيني والعربي كان صوت آخر ينسلّ خفياً في جنباته وتحته وفوقه، ليجعل من التفاوض السري والعلني المحرك الأساسي والمقرر النهائي لصوت الانتفاضة التي كُتم صوتها، بعدما ارتفع صوت "أوسلو" الصاخب.
لم تكترث أميركا، ولم تبال إسرائيل بخبر موتها الذي أطلقته حناجر أتباع آيات الله في إيران والعراق ولبنان، وأخيراً في اليمن، الذي زاد عليه الحوثيون "اللعنة على اليهود"، فقد انطلق شعار يهددها بالموت بإلقائها في البحر، من إذاعة صوت العرب في بدايات المرحلة الناصرية، ولم تكترث.
الموت لأميركا والموت لإسرائيل يعني الفناء الكامل لهاتين القوتين العظميين دولياً ومحلياً، الفناء بقوة الكلام والهذر المشحون بحركات مسرحية، مستقاة من زمن مضى، يتداخل فيه الشحن الديني بالمذهبي، برغبة دفينة في اكتمال صورة الضحية عبر استنساخها من بالات التاريخ، وتكريسها في وعي قطاعات من الدهماء، واستحضار أساطير الدم في طموح ملتبس، لتحول دور المظلوم إلى أداة متوحشة، تمعس بلا رحمة من يقف في طريق طموحها للهيمنة. لم يكن الشعار سوى كذبة، لا تختلف عن الكذب الذي غرقنا فيه طويلاً. فلا ماتت أميركا ولا إسرائيل ماتت، وشعوبنا تموت تحت وهم الشعار.