"المملكة الإسبانية" في خطر: ضجيج الانفصال يهدد وحدتها

13 أكتوبر 2017
أنصار الانفصال يواصلون تظاهراتهم (أندريا بالدو/Getty)
+ الخط -


لن تبقى إسبانيا كما هي، وفقاً لكل المؤشرات، سواء استطاع الكتالونيون الراغبون بالانفصال تحقيق طموحهم بالاستقلال، أو ذهبت مدريد نحو تلبية رغبة التفاوض مع برشلونة. أشياء كثيرة ظهرت في المجتمع الإسباني الخائف من انفراط العقد الاجتماعي لمملكة إسبانيا وتغير صورتها التي عرفت بها. كما أن الصراع السياسي داخل الإقليم الكتالوني ازداد حدة، مع ردّ "حزب المواطنين" المعارض للانفصال في برشلونة على النزعة الاستقلالية لحاكم الإقليم كارليس بيغديمونت، بأن "أغلبية الكتالونيين يشعرون بأنفسهم كإسبان وكتالان وأوروبيين". ووصفت زعيمة الحزب، إينيس أريماداس، الإنقسام الكتالوني - الكتالوني، بالقول إن "الشعب لا يريد أن ينفرط قلبه من سياسييه المحليين".

وأتت كلماتها على خلفية ترك بيغديمونت الباب موارباً لإعلان الاستقلال في كلمته المطولة مساء الثلاثاء، بعد أن اشتعلت حرب التصريحات منذ استفتاء الانفصال في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول الحالي. وبين "شعب" بيغديمونت و"شعب" أريماداس الكتالاني، وقف الشعب الإسباني رهينة لتأجيل إعلان الاستقلال لأسابيع والدعوة للتفاوض، في ظلّ رفض مدريد والمعارضة في برشلونة لأية صيغة انفصالية.

في مدريد، أعلنت نائبة رئيس وزراء إسبانيا سورايا ساينز دي سانتا ماريا، أن "كارليس بيغديمونت ليس في موقع من يطلب التفاوض، هو لا يدري إلى أين يسير، ولا يعلم أبداً عن الدستور الإسباني". الإعلان من حكومة المركز في مدريد واضح في الرد على إعلان بيغديمونت عن أنه يتبع "إرادة الشعب بحيث تصبح كتالونيا دولة مستقلة" وتجميد توقيع إعلان الاستقلال.

في هذه الحمأة، بدا اليسار الإسباني في قلب الحدث، ومنهم خافي بيريز، الذي رأى في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "المحافظين مارسوا تسطيحاً حول أزمة مطلب الاستقلال". ووصف كل ذلك بأنه "معضلة كبيرة"، ورغم تأييده "حق تقرير المصير وفقاً للقوانين الدولية"، فإن بيريز اعتبر أن "المملكة الإسبانية سائرة نحو انفراط عقدها إن لم يجرِ حل سياسي يوازن بين مصالح الدولة والأقاليم".



المعضلة الأخرى التي اهتم بها يساريون تحدثوا لـ"العربي الجديد"، سواء في الأندلس أو كتالونيا ومدريد، كانت في تأييد "حق تقرير المصير من ناحية" وفي "استفادة المحافظين في إسبانيا من هذه الأزمة بشكل كبير".
في هذا السياق، رأى اليساري أليخاندرو كلاناس، أن "رئيس حكومة المحافظين، ماريانو راخوي، يركز على الخلاف الدستوري وعدم قانونية الاستفتاء، ويتسلح في خطاباته بقرار المحكمة الدستورية، وبصراحة ذلك يجد صداه في الشارع الإسباني العادي".

واعتبر اليسار الإسباني أن "حزب المحافظين الذي أسسه رجال الدكتاتور فرانشيسكو فرانكو بعد انتهاء حكمه، ليس لديه ما يخسره من أصوات في برشلونة، لكن الأمر الواضح أن راخوي يدرك أنه لن يخسر أصواتاً هناك، مع انتشار مشاعر قومية في بقية إسبانيا فيقوى الحزب بخطابه على حساب بقية الأحزاب".

بالنسبة لليسار الكتالوني، فإن "المسألة مرتبطة بإقحام مسألة الاستقلال من خلال تركيز النقد على مركزية مدريد في التعاطي مع شعب الإقليم". واعتبروا أن "مدريد تنتهج سياسة الدكتاتور فرانشيسكو فرانكو ولم تنه كل إرثه، فدستور 1978 الذي شكّل قاسماً مشتركاً ما يزال يحمل نفساً من التحكم الصارم كما في حقبة رجالات فرانكو في الجيش والشرطة والمسؤولية الاقتصادية للأقاليم".

مخاوف اكتساب حزب المحافظين تجاوز الحسابات الانتخابية، فبالنسبة للسياسية المحلية في سان رافايل في جنوب كتالونيا، ماريانا راموس، فإن "الأشهر الماضية أنتجت بالفعل حالة قومية وصلت حد خروج البعض لتحية قوافل الشرطة التي أرسلت إلى كتالونيا".



وتخوّفت راموس من "مكاسب راخوي تحديداً حين يعلن عن تشدده بحجة وحدة إسبانيا ومخاطبة الشارع بمشاعر وطنية واعتقال 14 شخصاً من موظفي الإقليم، فإن قلة في الشارع الإسباني تطرح سؤالاً عن مشروعية إرسال 17 ألفاً من الحرس المدني (بصلاحيات أمنية) لمنع الاستفتاء، فالمقدمات كانت قومية ومن صلب أيديولوجية المحافظين عن دولة النظام والالتزام بالقانون".

في المقابل، انتشر توجس واضح بين مؤيدي الانفصال الكتالونيين والإسبان من تنامي الخطاب القومي، فحتى في صفوف داعمي حكومة الإقليم الائتلافية بزعامة الليبرالي بيغديمونت، مع الاجتماعيين الديمقراطيين، وبدعم أصوات اليسار الراديكالي، ثمة مخاوف من تقدم خطاب راخوي القومي في بقية أنحاء إسبانيا.

في فيونخارولا، في الأندلس، اعتبرت المحامية إليزابيث زافو أن "القضية كلها تدور حول الاقتصاد، فالطرفان (سياسيو مدريد وبرشلونة) يلعبان لعبة عض الأصابع للدخول في تفاوض حول المكاسب والتنازل". وأضافت، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "أزمة النخب السياسية الإسبانية بدأت منذ عام 2012 مع ظهور مطالب الانفصال، ما وضع تلك النخبة في أكبر أزمة شرعية منذ أن بدأت تظهر أيضاً الأزمة الاقتصادية بعيد الانتقال إلى الديمقراطية".



وأشارت إلى أن "عملية الفرز والاصطفاف مقلقة، فنحن لدينا أزمة اقتصادية وسياسية وأمامنا أيضاً خوض استعادة جبل طارق (من الجانب البريطاني)، الذي بات الآن يحدث جدلاً علنياً". واعتبرت أن "الدستور الإسباني يحتاج لمراجعة، إذ لا أحد تجرأ في الماضي على الخوض فيه، خصوصاً لناحية قمع تطلعات الأقاليم لمزيد من الصلاحيات الخاصة باقتصاداتها وقوانينها التي تولّد دائماً أزمات اجتماعية".

ورأت زافو أن "الاحتجاج الكبير على قرار المحكمة الدستورية في عام 2010 بعدم منح إقليم كتالونيا صلاحيات واسعة، جرى التفاوض عليها لسنوات، دفع باليسار والليبراليين في الإقليم إلى التوحد حول خطاب الانفصال". في ذلك الحين، عرقل حكم المحكمة الدستورية تحكّم كتالونيا بمزيد من اقتصادها الخاص وتوسيع الحكم الذاتي في الإطار الدستوري الحالي. ودفع التقاء اليسار والليبراليين في الإقليم إلى بروز حركة شعبية تطالب بالاستقلال منذ تظاهرة يوم الاستقلال في 2012.

بالنسبة إلى ليبيراليي كتالونيا، فإن التقليد لديهم هو عدم مناقشة مسائل الاستقلال، لكن حديثهم عن المشاكل الاقتصادية اعتبرته مدريد أنه "محاولة لإبعاد الأنظار عن مشاكل ناجمة عن سياسات التقشف والفساد في الإقليم". وبالنسبة لليمين الكتالوني، فإن "الاقتصاد يؤدي دوراً حاسماً في الجدل". فإقليم كتالونيا مساهم أساسي في الدخل القومي الصافي لعموم إسبانيا.

الإصرار على نبرة الاستقلال قرأه كثيرون كـ"أوراق تفاوض" لتوسيع حكم الإقليم الذاتي وتحقيق مكاسب دستورية. فالتعديلات الدستورية المطلوبة، لخلق واقع حكم فيدرالي، ترفضها أكبر الأحزاب الإسبانية. وأبدى آخرون خشيتهم من أن تدفع الأسابيع المقبلة نحو تأزم الواقع الإسباني، بما يؤثر على الصناعة والأعمال والشركات الاستثمارية والمصارف والسياحة. أما أوروبا، فأبدت على لسان رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك، عدم تشجعيها مؤيدي نتائج استفتاء الأول من أكتوبر، علماً أن الاتحاد الأوروبي رفض أيضاً دعوة سياسيي الإقليم للدخول كوسيط تفاوض مع مدريد.



المساهمون