هالة من الجمال تمنحها "الملحفة" لنساء المجتمع الصحراوي المغربي الممتد، حيث يصور الزي التقليدي المرأة الصحراوية كأيقونة لا تقاوم فتنتها، كما تعكس "الملحفة" شخصية المرأة الصحراوية وجمالها والسحر الذي تشيعه حولها الصحراء بدفئها وتقاليدها.
وإذا كانت الهندية تلبس "الساري" الذي ارتبط في مخيلتنا الجمعية بسحر الجمال الهندي وأصالته وتنوعه، فللمرأة الصحراوية زي أيضا.
و"الملحفة" هو الاسم الرديف لهالة الغموض والنعومة التي يتدثر بها الجمال النسائي الصحراوي، وهي لباس يلف حول البدن ويربط عند الكتفين قبل أن يكسو الشعر ويرمى طرفاه من فوق الكتف الأيسر، وهي لباس يميز الصحراوية ويواكب رزانة وثبات حركتها ومشيتها في دلال فطري جبلت عليه.
تلك المشية التي شغفت الشعراء والمتغنين بالجمال الصحراوي، ومن ذلك قول الشاعر الداه ولد محمد عبد الرحيم ولد الطلبة "رأيت كعب من أهوى. وبشيء ما أنا للريح مدين".
والملحفة لا تستر المرأة الصحراوية فقط، في مجتمع نشأ على التقاليد المحافظة بذات الوقت الذي تعد المرأة فيه عزيزة القوم والخيمة، بل تمنحها غنجا وجمالا وحشمة.
وللملحفة ألوانها وزخارفها ونقوشها التي تسمح في كل ثنية من ثناياها للمرأة الصحراوية أن تشعر بأنوثتها، فالملحفة على سترتها تشد الأعين إلى لابستها. إنه طقس جمالي تتقنه فقط النساء الصحراويات. ولقرون عديدة كانت نساء الصحراء يلبسن الملحفة، هؤلاء النسوة اللاتي لا يكتمل جمالهن دون أن يكن مكتنزات الجسم، فوحدها المرأة الممتلئة من تتهادى في المشية وهي تلبس الملحفة ووحدها من تملأ كل ثناياها.
وعن ذلك تقول الكاتبة أوديت بويغودو الشغوفة بالصحراء "تخفي ثنايا القماش المنحوتة البدانة الزائدة فلا يرى من الصحراويات سوى قسمات وجه جميلة، عينين رائعتين تلمعان في ظل أهداب طويلة، مقدمة إكليل من الشعر الحريري حيث علقت، فوق الجبهة، تمائم من فضة، أكف سلسة ومعبرة، تضبط دون توقف التفاف الملحفة حول الوجه".
ورشات صباغة الملحفة
تمارس الصباغة التقليدية للملاحف في غالبيتها العظمى بموريتانيا، تحديدا بنواكشوط العاصمة، وبنسبة أقل في كيهيدي، البلدة الصغيرة الواقعة بجنوبها الشرقي، وتتطور وحدات الصباغة الخاصة بالملحفة في كل من مدينتي العيون والداخلة المغربيتين، وتتم صباغة الملاحف يدويا، وهو النشاط الذي، حتى أواخر القرن العشرين، ظل مقتصراً على المجموعات السوننكية والتوكولورية التي مارستها على طول نهر السنغال، قبل أن تتطور تقنيات الصباغة بالعزل.
ويبلغ عرض الأقمشة القطنية المستعملة في الملحفة بالكاد مترا ونصف المتر، وتجمع قطعتان من القماش بواسطة آلة الخياطة، قبل أن تنمق الملاحف ويخيط مكاني الوجه والقفا فيها لتمييزهما عند الارتداء.
مشاعر الجسد على الملحفة
والملحفة أداة تعبير ليس بأنثويتها فقط وجمال نقوشها وألوانها، وإنما أيضا باللغة التي تنطق بها المرأة الصحراوية عند استعمالها لها، عندما ترمي مثلا طرف الملحفة بشكل متهدل على شعرها، تغطي معظمه وتترك جانبا منه ينزاح عنه بنعومة مؤثرة، رمية اليد وهي تحاول بين الحين والآخر أن تثبت طرفها على شعرها. وطريقة لف المرأة الصحراوية أيضا للملحفة تحيل مباشرة على المنطقة القادمة منها هذه المرأة الصحراوية أو تلك.
والأصول الموريتانية للمرأة الصحراوية تعرف من خلال الملحفة المتجرجرة، وصولا إلى الأرض في لامبالاة، والمرأة القادمة من الشمال هي تلك التي تحكم الملحفة حول وجهها، بينما المرأة القادمة من الجنوب تتعامل مع الملحفة بيسر، والمرأة التي تلف الملحفة حول الوجه مثبتة طرفيها على صدغيها في ما يسمى بـ"التغنبير" تكون من أمازيغ سيدي إفني باتجاه الصحراء، أما المرأة التي تسمح للثنايا الخلفية لثوبها بظهور كاحليها، فيشتبه من الأساس في كونها صحراوية، وإنما يدرك أنها لجأت حديثا إلى لبس الملحفة.
ومن تعابير الجسد الفياضة بالمحبة والقدرة، رقصة "الكدرة" وهي أداة موسيقية صحراوية من جلد، تبرز فيها المرأة خصلات شعرها وجيدها وذراعيها، ترقص وهي جاثية على ركبتيها، وتجعل أصابعها تعزف على أوتار لا يراها غيرها، يشعر بها فقط الهائم معها في ملكوت الجمال وهي تقف وتبدأ في الرقص وتدور.
تفاصيل لبس الملحفة الصغيرة لا تستدل عليها إلا عين متمرسة، غالبا ما تكون من ذات مجتمع الصحراء، فوحدها من تفرق بين طريقة لبس هذه الملحفة عن تلك ووحدها من تسبر غور نظرة ومشية وتفاعلية الصحراويات، ومن تستنبط أيضا شخصية المرأة التي تلبس الملحفة ومزاجها وحتى نواياها.
وقديما كانت الأم في مجتمع الصحراء تلبس ابنتها العروس، الثوب النسائي الوحيد القادم من موريتانيا، وهو ملحفة النيلة الداكنة والمزخرفة، لكن منذ ظهور الأقمشة المصنعة استبدلت بملحفة سوداء خفيفة، أسفلها أبيض.
اللون الأسود يهدف إلى إخفاء جمال العروس، حماية لها من العين والمؤثرات الخبيثة حسب رأيهم، ولا يسمح لأحد برؤية جمالها الذي صرفت أشهرا في الاعتناء به وتحضيره لليلة العرس غير الزوج. علاوة على ذلك، يظنون في مجتمع الصحراء أن لمحة الحزن التي قد يمنحها السواد كافية كي لا تظهر فرح العروس بزواجها، وتبقي لمسة الحياء الجاذبة والتي تعبر أيضا عن احترامها لأهلها.
لكن قبل أن يسلم هذا الجمال الصحراوي المتشح بالسواد الخفيف للعريس، على هذا الأخير أن يمر بعرف قديم في مجتمع الصحراء وهو البحث عن عروسه.
ففور انتهاء عقد القران، تضع العروس وصديقاتها مخططا محكما للاختفاء عن العريس ويبدأ تنفيذ الخطة من مكان تجهيز العروس بالزينة، فتستخدم النساء عدة أساليب للفرار من العريس، ومن ذلك أنهن يركبن الجمال ويسرن إلى أن يبلغن مخبأ معدا لا يخطر على بال الرجال، ويمضين هناك ما استطعن من وقت حتى يعثر العريس على عروسه، ويحضرها إلى بيتها الزوجي.
هذه اللعبة المعروفة بـ"الترواغ"، المشتقة من المراوغة، لا تبدو درامية إذا ما عرفنا كم الطرائف الذي يمزجه مجتمع الصحراء بها، بحيث يمكن لإحدى السيدات أن تلعب دور الخائنة، فتدل العريس على مكان اختباء العروس، أو تخادعه غيرها وتدله على أماكن مغلوطة، ومن المعيب حسب اللعبة/العادة ألا يعثر العريس على عروسه، فالرجل الذي يفشل في هذه المهمة يعد بارد الشعور وربما أبله، وفي العرف هو لا يستحق عروسه ويصبح أضحوكة وسط أهلها ومعارفه.
وللعروس التي ترفض السير على هذه العادة، كذلك نصيب من صرامة العرف وطرافته، فهو بالأساس يهدف إلى إظهار حياء الزوجة الجديدة وتمنعها على الرجال، لذا عندما ترفضها العروس يدرك أنها "مسلوبة" أي عاشقة.