"المقدمون" و"الشيوخ" عيون السلطة التي يكرهها المغاربة

08 يونيو 2016
يساعد المقدمون والشيوخ الشرطة (فاضل سنا/ فرانس برس)
+ الخط -

على الرغم من كره كثيرين من المغاربة لهم، إلا أنّ للمقدمين والشيوخ دوراً كبيراً. هم عيون السلطة وأعوانها الذين يؤمّنون لها كمّاً وافراً من المعلومات والدعم. لكنّهم مع ذلك، يعانون من ضعف مخصصاتهم المالية.

المقدمون موظفون صغار يخضعون إلى نظام ولوائح وزارة الداخلية في المغرب، لكنّ لوضعهم خصوصية قد لا توجد في أي بلد آخر. هم "عين" الدولة وأجهزتها الأمنية، ينقلون التفاصيل الصغيرة عما يجري في الأحياء والإدارات والقرى. ويسمّى صاحب هذه الوظيفة "مقدماً" في المدينة و"شيخاً" في القرية.

يلعب "المقدمون" و"الشيوخ" داخل المجتمع المغربي دوراً كبيراً في إطلاع مصالح الدولة وأجهزتها الإدارية وحتى الأمنية على ما يجري، بما يسجلونه من ملاحظات بشأن تصرفات السكان ومخالفاتهم سواء في البناء داخل الأحياء أو في ما يتعلق بأيّ نشاط قد يبدو مريباً، خصوصاً في مجال محاربة الإرهاب.

يشكّل هؤلاء الموظفون الصغار "عيناً" حقيقية لأجهزة الدولة تضبط بها إيقاع الحياة داخل الأحياء في الحواضر والأرياف. يسجّلون ما يشاهدونه من التغييرات والمستجدات التي تخصّ السكّان، وينقلونها بشكل تقارير شبه يومية إلى رؤسائهم، خصوصاً رجال السلطة (القيّاد)، لاتخاذ القرارات أو الاحتياطات اللازمة.

على الرغم من الأعباء والمهام الكثيرة الموكلة إلى "المقدمين" و"الشيوخ" والنظرة "السلبية" أحياناً التي يرى بها المواطن المغربي مزاولي هذه المهن التي تدخل في باب "أعوان السلطة" في المملكة، إلا أنّ أوضاعهم المادية غير مريحة. وكثيراً ما يعلنون تذمرهم مما يتقاضونه من تعويضات، ما دفع الوزارة المعنية إلى النظر في مطالبهم.

يقول أحد المقدمين في حيّ من أحياء العاصمة الرباط، وقد طلب من "العربي الجديد" عدم الكشف عن هويته، إنّ فئة المقدمين تقوم بأعمال ومهام لا تستطيع العديد من الأجهزة القيام بها. يضيف أنّ المقدم هو محور أي "تنمية اجتماعية في المغرب". يتابع أنّ هذه الشريحة من الموظفين يُثار في شأنهم كثيراً من الغموض وسوء الفهم. ويوضح أنّ الكثيرين يهينون المقدم أو الشيخ بنعته بـ"البركاك"، أي النمّام الذي ينقل كل ما يسمعه ويتجسس على المواطنين لصالح "القائد" وهو المسؤول الإداري عن الحيّ وسكانه. وفي المقابل، يؤكد أنّ هذه الصورة خاطئة تماماً، وأنّ المقدم مثله مثل باقي الموظفين لا ينفّذ إلاّ ما يوكل إليه من مهام.




من جهته، يرى مقدم آخر أنّ هذه الفئة من المستخدمين لعبت أدواراً كبيرة وحاسمة في مراقبة تحركات إرهابيين كانوا يخططون لأعمالهم في البلاد. يشير إلى أنّ "فطنة ويقظة هذه العناصر كانت سبباً في تفادي مآس كثيرة". كذلك يؤكد أنّ "هذه المهام الحيوية لم تشفع لهم ليحصلوا على أجور وتعويضات مالية تناسب ما يؤدّونه من أعمال تنفع المدينة والمجتمع. فالتعويضات هزيلة ولم تشملها الزيادات الأخيرة، على الرغم من وعود الوزارة بالعناية بشؤون هذه الفئة من الموظفين".

وبالفعل، فقد أقرّت وزارة الداخلية أخيراً تعويضات إضافية لفائدة الشيوخ والمقدمين، باعتبار هذه الفئة لم تستفد من الزيادة على الأجور في عام 2011. بالتالي، تقررت زيادة 500 درهم مغربي (52 دولاراً أميركياً) شهرياً، تصرف على مرحلتين لفائدة أعوان السلطة.

من جهته، يقول الباحث المغربي سعيد لكحل لـ"العربي الجديد"، إنّ أعوان السلطة من مقدمين وشيوخ يواجهون كثرة الأعباء والمهام الموكلة إليهم بإمكاناتهم البسيطة والمحدودة، فهم دائمو التحرك بين الأزقة، يفضّون المنازعات ويتسلمون شكاوى المواطنين، ويعاينون المخالفات، ويسلمون عدداً مهماً من الوثائق الإدارية إلى المواطنين.

يتابع لكحل أنّ المقدمين والشيوخ هم الحلقة الرئيسية في الإدارة المغربية باختلاف تخصصاتها والقطاعات الحكومية التي تمثلها، بالإضافة إلى المهمة الأصلية التي عُيّنوا على أساسها، وهي أن يكونوا عيوناً وآذاناً للسلطة التي لا يمكنها إنجاز مهامها من دون الاعتماد على هؤلاء".

يضيف: "دُمجت هذه الفئة في خطة محاربة الإرهاب بعدما أظهرت فاعليتها ونجاحها في رصد تحركات العناصر الإرهابية منذ الهجوم على فندق أطلس أسني في مراكش في عام 1994. وما يزيد من فاعلية أعوان السلطة أنّهم على صلة مباشرة بالمواطنين، ومنهم يستقون معلوماتهم عن العناصر المشبوهة".

يتابع لكحل أنّ التعويضات التي يتلقاها أعوان السلطة لا تكاد تغطي مصاريف تحركاتهم، خصوصاً في الوسط القروي إذ تبعد القرى عشرات الكيلومترات عن المركز. يوضح: "المقدمون والشيوخ لا يمكنهم التفرغ لممارسة أعمال وأنشطة أخرى، لأنّ كل أوقاتهم هي في خدمة السلطة وملك لها. كذلك فإنّهم لا يستفيدون من التقاعد ولا من التغطية الصحية، في حين أن وضعيتهم الإدارية غير آمنة ويمكن عزل أيّ عون من دون اللجوء إلى اللوائح الإدارية القانونية أو النظام الأساسي الخاص بالموظفين".