وفي افتتاح المؤتمر، قال رئيس "المركز العربي" فرع تونس المهدي مبروك، إنّ "المؤتمر السنوي الثامن لقضايا الديمقراطية والتحول الديمقراطي، بصدد عرض تجارب متنوعة جمعت بينها الإكراهات والضغوطات"، مضيفاً أنّ "ما بين التذكر والنسيان تأتي العدالة الانتقالية في رحلة مضنية وشاقة أملاً في معالجة آثار الاستبداد، ورغم أنه لا توجد محطة واضحة ولكن أغلب التجارب احتضنتها مساحات نفسية ومولها مانحون ومنظمات، وحرص المؤتمر أن ينظر إلى العدالة الانتقالية من زوايا مختلفة".
وأكد أنّ "الأسئلة المتعلقة بالعدالة الانتقالية ستظل متواترة والذاكرة هي تلك التي تقدر على استحضار الماضي بالجرأة الكافية حتى لا يلتهمها الجحود والنكران".
وقال المحلل السياسي والأستاذ بمركز "ويلسون" بواشنطن عبد الفتاح ماضي، إنّ "هذا المؤتمر يتناول قضايا العدالة الانتقالية، والأبحاث غطت عديد القضايا، ولكن هناك منها ما يحتاج إلى مزيد من البحث والدراسة"، متسائلاً "هل يمكن تطبيق العدالة الانتقالية ودفع الجلادين إلى الاعتراف بالانتهاكات؟ وهل يجب أن تمتد العدالة الانتقالية لتشمل العدالة الاجتماعية"؟
وبيّن أنّ "انتهاكات عدة تتم باسم الحرب على الإرهاب وهناك أشكال من القمع تحاكي الطرق الاستعمارية وما تقوم به دولة الاحتلال وتساعدها قوات مسلحة تشترك في هذه الانتهاكات، فكيف يمكن أن تقوم أنظمة العدالة الانتقالية بمعالجة الأمر ومحاسبة المخالفين"؟
من جهتها، أكدت رئيسة "هيئة الحقيقة والكرامة" بتونس سهام بن سدرين، أنّ "تقديم التجربة التونسية ضروري لفهم انتهاكات الماضي، والتجربة التونسية استكملت أشغالها، ولكن من الضروري معرفة كيف أثرت العدالة على المجتمع وعلى المسار الانتقالي".
وأوضحت أنّ "البعض يعتبر أن هناك من هم فوق المحاسبة ولكن الدستور التونسي نظم هذا الأمر وأكد ألا عفو سابقاُ على انتهاكات حقوق الإنسان، وأن الجرائم لا تسقط حتى لو نظر فيها سابقا القضاء"، مشددة على أن "العدالة الانتقالية عملت على تفكيك منظومة الفساد واستمعت الهيئة إلى آلاف الضحايا، وخصصت 61 ألف ساعة استماع ونظمت جلسات علنية لتقديم شهادات الضحايا، ومثل ذلك حدثا فاصلا في تاريخ تونس".
وبيّنت أنّ "الهيئة سعت إلى أن تكون المقاربة شاملة والتعويض المادي للضحايا نص على جبر الضرر"، مؤكدة أنّ "التجربة التونسية منحت للعدالة الاجتماعية حيزاً مهماً، فالضحايا ليسوا فقط أشخاصاً بل مناطق وجهات ودولة"، مشيرة إلى أن "السلطة المركزية عاقبت جهات بأكملها".
وأشارت بن سدرين إلى أنّ الهيئة أحالت 200 قضية و2000 منسوب إليهم الانتهاك، وملفات 3 آلاف ضحية على المحاكم المختصة، كاشفة أنه أودع لدى الهيئة 63 ألف ملف، منها 47 ألف ملف تتعلف بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
وأفادت بأنّ "حملات تشويه وتضليل عديدة طاولت الهيئة، ولم يتجرأ أي كان على مهاجمة القضاء مباشرة بل تعرض القضاء إلى تهديدات من قبل نقابات أمنية"، مضيفة أنّ "الانتهاكات لم تكن من الداخل فقط بل هناك جهات أجنبية مارست انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ومنها فرنسا التي قامت بعد الاستقلال بإغراق تونس في الديون".
وقالت إنّ الهيئة "وجهت مراسلة إلى الرئاسة الفرنسية للمطالبة بالاعتذار وإلغاء الديون غير الشرعية التي كانت الدولة التونسية ضحية لها وسلطت عليها منذ 1956"، مشيرة إلى أن "هناك انتهاكات جسيمة تهم التلوث الخطير للبيئة في قابس ولا بد من جبر الضرر للدولة التونسية".
وفيما أكدت بن سدرين أنّ "المصالحة ممكنة من خلال آلية المصالحة والاعتراف بالفساد وإرجاع الأموال المنهوبة"، كشفت أن "الهيئة تمكنت من إصدار9 قرارات تحكيمية".
ولفتت إلى أن الهيئة واجهت تحديات في الوصول للأرشيف، قائلة إن "هناك جهات رسمية حاولت إخفاء الأرشيف الرئاسي رغم أنه لعب دورا مهما في تفكيك الفساد"، مؤكدة أن النقابات الأمنية "حاولت منع الهيئة من الوصول إلى ملفات البوليس السياسي والوشاية كانت العنصر الذي اعتمد عليه النظام السابق".
وأكدت بن سدرين، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ "الهيئة نجحت في مهمتها من خلال إصدار التوصيات وإقرار جبر الضرر للضحايا وتفكيك منظومة الفساد وإحالة الملفات على أنظار القضاء"، مضيفة أنّ "الهيئة قامت بما طلب منها رغم الصعوبات والتحديات".
واعتبرت أنّ "التجربة التونسية ناجحة وأنّ عدة بلدان تستلهم منها وتعتبرها مثالاً يحتذى به وتجربة رائدة للسير على منوالها"، مؤكدة أن "تجربة الهيئة لترسيخ العدالة الانتقالية لم تكن سهلة فهناك محاولات لإيقاف الهيئة وإجهاض التجربة ومع ذلك واصلت الهيئة أعمالها"، مبينة أن "العدالة الانتقالية لا تهم الماضي بل المستقبل وضمان العيش الكريم وقبول الاختلافات".
ويذكر أن "هيئة الحقيقة والكرامة"، وهي هيئة حكومية مستقلة، اشتغلت على مسار العدالة الانتقالية في تونس بعد ثورة 2011 في إطار الانتقال الديمقراطي.
من جهته، تحدث الأمين العام لـ"المنبر المصري لحقوق الإنسان"، معتز الفجيري، عن ظروف سجن الرئيس المصري الراحل محمد مرسي، الذي توفي إثر نوبة قلبية خلال جلسة محاكمته، قائلا إنه "تم الانتقال من العدالة الانتقالية إلى العدالة الانتقامية، وهو ما جعل ظروف وفاته لا تخلو من شبهات".
وبين أنّ "مصر عرفت ارتباكاً شديداً حول كيفية إرساء العدالة وكيفية العمل بعد الثورة حيث تم الاتجاه للمحاكمات وهو ما كشف عن إشكاليات كبيرة لأنها كانت رافضة في جوهرها للعدالة ولم يتم تركيز مؤسسات للعدالة الانتقالية".
وأكد أن "هذا أدى إلى أنّ ملف المحاكمات لم يسفر عن أي نتيجة، وأنه بعد حصول الانقلاب على نتائج الانتخابات في مصر، ورغم أن الدستور تحدث عن العدالة الانتقالية، إلا أنه حصل تشويه للحقيقة، واستهداف لقوى الثورة وضربها، في الوقت الذي كان لا بد من وضع أولويات والمبادرة بالإصلاح المؤسساتي، لأنه لا يمكن إجراء محاكمات بنفس الأجهزة القديمة".