بحث "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، فرع تونس، اليوم الجمعة، موضوع أي دولة لتونس الثورة تحت عنوان "تونس بين أزمة الدبلوماسية ودبلوماسية الأزمة"، بحضور باحثين ودبلوماسيين سابقين ووجوه سياسية، من بينها رئيس البرلمان السابق مصطفى بن جعفر والقيادي في "حركة النهضة" سابقاً عبد الحميد الجلاصي.
وقال "رئيس المركز العربي للأبحاث و دراسة السياسات"، مهدي مبروك، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ "الدبلوماسية التونسية تمر بأزمة ناجمة عن النظام السياسي، فالدستور كرّس تشتت الصلاحيات لذلك كثر المتدخلون، وبرزت الأزمة أساساً بين رئاسة الجمهورية ورئاسة البرلمان، ما جعل الحكومة غائبة أو صامتة أو تحاول أن تصطف أحياناً"، مضيفاً أن "الأزمة تبرز أيضاً في كثرة الدبلوماسية بين دبلوماسية برلمانية وشعبية واقتصادية".
وبيّن مبروك أنّ "هذا الأمر جعل الخط التحريري للدبلوماسية التونسية يفتقد إلى الوضوح"، مؤكداً أنه "لوحظ أخيراً صدور مواقف تصل إلى حد التضارب، ما جعل رئيس الجمهورية يصرح ويرد عليه رئيس البرلمان وبالتالي الدبلوماسية التونسية الآن محل اختبار كبير".
وتابع مبروك أنّ "الأسباب العميقة للتضارب الحاصل يعود إلى أن جزءاً كبيراً من العقيدة الدبلوماسية التونسية تعود إلى الستينيات في حين أن العالم يتطور، ولا بد من تجديد العقيدة الدبلوماسية وربما تغيير النظام السياسي في تونس".
ويرى الدبلوماسي السابق، والباحث في الشأن السياسي، محمد إبراهيم الحصايري، في مداخلته، أنّ "هناك حالة من التيه الدبلوماسي بسبب الارتجال والتسرع والخضوع للتجاذبات السياسية، ويعود ذلك إلى التضارب بين الرئاسات الثلاث"، مشيراً إلى أن "عديداً من الخلافات والمواقف الدبلوماسية أثارت جدلاً في الحكومات المتعاقبة، ومنها ملف تسليم البغدادي المحمودي، الذي تسبب في ضجة واسعة في تونس"، مؤكداً أن التباين "برز أيضاً في الملف المصري، بعد عزل الرئيس المصري محمد مرسي، وبرز الخلاف بين التيار الإسلامي، الذي يرى أنه إقصاء وانقلاب على الشرعية، وبين من يرى خلاف ذلك، وكذلك حول الملف الليبي".
وتابع أنّ "عديداً من الوقائع التي حصلت بعد الثورة أفرزت تعدد المواقف في الدبلوماسية التونسية وهي وليدة الجغرافيا الحزبية، ونتيجة تعدد الأحزاب التي تعتبر أن من حقها المشاركة في رسم وتنفيذ سياسة تونس، أضف إلى ذلك ازدهار الدبلوماسيات الموازية المتناقضة أحياناً مع سياسة الدولة".
وشدد الحصايري، في تصريح لـ"العربي الجديد"، على "ضرورة تشكيل مجلس أعلى للسياسة الخارجية من شأنه أن يحقق عدة أهداف، أهمها معاضدة رئاسة الجمهورية في مهامها الدبلوماسية، وفي وضع السياق والمتغيرات الإقليمية بعين الاعتبار، مع الاضطلاع بالمهام المتعلقة بتجديد العقيدة الدبلوماسية التونسية، وحوكمة التصرف وخدمة الأهداف المرجوة ومراجعة الخارطة الدبلوماسية".
وبين أن "هذا المجلس يمكن أن يضطلع بمهام مستقبلية تؤسس للطرق الأفضل، وتدرس الوسائل التي ستوضع تحت تصرف وزارة الخارجية، وأهم شيء توحيد الخطاب والفعل الدبلوماسي".
بدوره شدد المحلل السياسي والباحث في مركز "كارنيغي للشرق الأوسط"، حمزة المؤدب، على ضرورة ترتيب البيت الداخلي، "فالسياسة الخارجية تبنى من الداخل ولكنها للأسف في تونس تكرر نفس الخطابات وهي التمسك بالثوابت والحياد"، كما قال، مؤكداً أن "تونس لا تعيش توافقات صلبة وأساسية حول الملفات الكبرى كالملف الليبي ولا تتابع التطورات الإقليمية".
وأشار المؤدب إلى أنه "في ظل غياب الأرضية المناسبة لدبلوماسية متجددة فإن نفس سياسة الفشل تتكرر رغم أن السياق يتغير"، مبيناً أن "مسألة الحياد أصبحت تطرح بسلبية، و تعطي سياسة خارجية مشلولة، وقد تدفع إلى اصطفافات من شأنها أن تؤثر على الدبلوماسية التونسية".
ورأى المؤدب أن "تونس أضاعت الفرصة لبناء حياد إيجابي وبناء سياسة خارجية قائمة على مبادئ الثورة، فالمطلوب ليس التدخل في ليبيا وإنما لعب دور فعال، ومن المهم أن تلعب تونس دبلوماسية متعددة الأدوار، وأن تعيد التفكير في الحياد في الوقت الذي يمكنها أن تكون أفضل، وأن تلعب دوراً دبلوماسياً أكبر".
وختم بالقول إنّ "السياسة الدبلوماسية تحتاج إلى توافقات وحوار استراتيجي تفتح به تونس ملفات كبرى مع الاتحاد الأوروبي ومع البلدان التي لديها مصلحة مشتركة معها".