يمكن أن نتخيّل العالم في شكل مصيدة شرهة. في فيلم "المتاهة" بجزئيه (2014/ 2015)، تحاول مجموعة من الفتيان الخروج من متاهة كبيرة تحرسها كائنات مفترسة وغريبة. ورغم اكتسابهم بعض الخبرات في حياتهم الجديدة، فإنّ تحدّيهم الأكبر هو تذكّر كيف وصلوا إلى هذا المكان.
اقتُبس العمل، الذي أخرجه ويس بول، عن رواية تحمل العنوان نفسه للكاتب الأميركي جيمس داشنر (1972) الذي تحوّل في وقت وجيز إلى ظاهرة أدبية، على غرار ستيفاني ماير صاحبة روايات "تويلايت" وفيرونيكا روث صاحبة روايات "دايفرجنت" وسوزان كولينز صاحبة "لعبة الجوع".
استقطبت تلك الروايات محبّي أدب الفانتازيا المعاصرة وظفرت باهتمام هوليوود؛ حيث حُوّلت إلى أفلام سينمائية، محقّقة اهتماماً جماهيرياً كبيراً. لكن، ما الدافع إلى تكريس هذا النوع من الأفلام؟ وهل له علاقة ما بطبيعة الهواجس المعاصرة التي تحاصر الإنسان الذي يشعر أنه الإنسان الأخير؟
تشترك تلك الأفلام في رسم عالم هيمنت عليه قوى الشر وأصبح على حافة الانهيار، بانيةً عوالمها على فكرة نهاية البشرية، لكن هذه النهاية ليست إلاّ بداية عصر جديد، سيكون نتاج رؤية شمولية تحكمها قوى استحواذية.
في الفيلم، تتحوّل الحقيقة إلى متاهة كبيرة يصعب الفكاك منها، ويبدو الدمار مُحدقاً بالحضارة المعاصرة، ليس كما تنبّأت الكتب المقدّسة، بل يمثّل بداية عالم جديد غير رحيم.
يروي "المتاهة" قصّة الإنسان الأخير وهو يبحث عن مخرج ما من حالته الحرجة؛ إنسان بلا ذاكرة تقريباً. أبطال الفيلم نسوا من أين جاؤوا، بل ومن يكونون أصلاً. لا يبدو أن البحث عن معرفة هوياتهم هو محفّز بقائهم على قيد الحياة التي تتحوّل إلى مصيدة مخيفة.
حالة الفرار في الفيلم هي بمثابة فعل عبثي، فالهروب من المتاهة هو وقوع في متاهة جديدة، ربما تكون أكثر خطورة من سابقتها، والخروج من أزمة هو دخول في أزمة جديدة. كيف يمكن أن نتصوّر عالمنا دون أزمات؟ إنه الواقع الذي أصبح كنوع من القدرية الأليمة.
حضارتنا هي حضارة الأزمات التي تتناسل مثل المتاهات في الفيلم، لا نخرج من متاهة إلا لنجد أنفسنا في متاهة أخرى.
والحل؟ لعلّه يكمن في العودة إلى فكرة الجماعة، لأن الفردانية أصبحت مصيدة قاتلة للحضارة البشرية، بعد أن باتت قيمة الجماعة منعدمة، بل تفشّت فكرة أن الأفراد أعداء لبعضهم بعضاً. لم يتمكّن الشباب من الخروج من المتاهة إلّا بعد جهد جماعي وتضحيات كبيرة. الجماعة هي القوة الغائبة التي يمكنها أن تذيب الجليد بين فرد وآخر. ومن ثمّ، فإن مواجهة الأزمة مهما كانت هي عمل جماعي بالأساس.
يمنح الفيلم، خصوصاً في جزئه الأول، جرعةً من المتعة. والأهم، أنه يثير أسئلة عن علاقة الإنسان المعاصر بعالمه، حيث يبدو أن النظام العالمي الذي يحكم أطراف المجتمع الإنساني هو أكبر مصيدة وقعت فيها الحضارة البشرية.
اقرأ أيضاً: الجحيم هو المستقبل