عام 2010، أخرج أحمد الجندي "لا تراجع ولا استسلام"، الذي كتبه شريف نجيب ومثّل فيه أحمد مكي. بعد أعوام قليلة، بات الفيلم أحد كلاسيكيات الكوميديا في السينما المصرية. تلك المكانة أتت بفضل إدراك الثلاثي (الجندي ونجيب ومكي) لفكرة الـ"سبوف"، أو الأفلام الساخرة من أفلامٍ أخرى، وابتكارهم عالمًا سينمائيًا له قواعده ومنطقه، تتطوّر فيه الشخصيات التي تتصرّف بشكل مفهوم بالنسبة إلى المُشاهد، من دون أي شعور بالعبث.
الغريب فعلاً أنه بعد 8 أعوام، يعود أحمد الجندي بفيلم "سبوف" ساخر آخر بعنوان "الكويسين"، لكن هذه المرة يفقد المميزات كلّها التي أتقنها بوعي في "لا تراجع ولا استسلام"، بل إنه فعل عكسها في بعض الأحيان.
قصّة "الكويسين" مكرّرة، بل إنها تشبه "لا تراجع..." في نقاط عديدة: يقوم البطل (هو هنا مفتاح وشقيقته غزال) بادّعاء أنه شخص آخر يُدعى مظهر كويس (أحمد فهمي)، ابن عائلة "الكويسين" الغنية، التي تاه منها في صغره. ادّعاؤه هذا يهدف إلى الحصول على جوهرة باهظة الثمن في عملية تسمى "القرموط القرمزي".
منذ البداية، تسخر الشخصيات من تكرار خدعة التنكّر والادّعاء، لكنها تسير معها حتى يصبح مفتاح جزءًا من عائلة "الكويسين". تكرار الحبكة ليس مشكلة، إذْ يُمكنه التحوّل إلى نقطة قوّة. الأزمة الكبيرة كامنةٌ في استهتار المؤلف أيمن وتار بالعناصر كلّها للسيناريو، فإذا كان الفيلم "كوميديًا" هل يعفيه هذا من أي منطق أو بناء أو شخصيات أو قواعد تحكم العالم السينمائي الذي يخلقه؟
تصرّفات شخصيات الفيلم كلّها غير معقولة، والسبيل الوحيد لقبولها هو أنها "حفنة مختلّين وأغبياء". مثلاً: لماذا يصدّقون أن مفتاح ابنهم، رغم أنه يظهر في الصورة القديمة أشقر وبعينين خضراوين؟ كيف يدخل عم جوهر (أحمد فتحي) إلى الحكاية ولا أحد يستغرب أو يعتقد أنه "قزم" وليس طفلاً؟ كيف يتحرّك أفراد العائلة جميعهم في مساراتهم من دون أي تفاعل درامي حقيقي مع أي شخص آخر، ومن دون وجود "دافع" أو "هدف" يسعى إليه، إلا أمورًا شكلية ركيكة، كأن يكون الأب حافظ كويس (بيومي فؤاد) بخيلاً، أو أن تهتمّ الأم بوسي كويس (شيرين رضا) بالحيوانات، أو أن تكون الأخت عايشة كويس (جيلان علاء) مريضة عقليًا.
لا تتغيّر أي شخصية، بمن فيها البطل مفتاح، من بداية الفيلم إلى نهايته، ولا يحدث فعلٌ دراميّ ولو بسيطاً يجعل علاقته بالعائلة تجربة مؤثّرة في حياته.
الأسوأ من ذلك أن أيمن وتار يتعامل مع الفيلم كأنه "اسكتشات" كوميدية منفصلة بعضها عن البعض الآخر، إنْ تمّ حذف مقاطع كاملة منها فلن يتضرّر الفيلم: تتابع السيرك الذي يذهب فيه مفتاح وبوسي لإنقاذ أسد، ما يتيح للممثل أكرم حسني حضورًا (ضيف شرف) ثقيلاً ومفتعلاً للغاية؛ أو الذهاب إلى بلدة شقيق الدكتور لطيف (عمرو وهبة) والهجوم العبثي للشرطة؛ وغيرهما من المقاطع المبتورة التي تهدف إلى إكمال مدّة الفيلم فقط. وربما يُمكن التصالح مع تلك الـ"اسكتشات" (المكتوبة على طريقة البرامج الكوميدية التي أتى منها أيمن وتار) لو أنها مُضحكة فعلاً، فأفلام الكوميديا تحتمل ذلك. لكن، مع الثقل والافتعال الشديدين في المَشَاهد، وتجاوزها في كلّ مرة لأي منطق، تصبح عائقًا أكبر أمام مُشاهدته وتقبّله، وصولاً إلى النهاية العبثية، والإصرار المبالغ فيه على تحويل كلّ شخصية إلى نسخة كاريكاتورية فارغة
ورغم اجتهاد الممثل أحمد مالك بحضوره اللافت للانتباه، إلا أن المشكلة أكبر من أداء ممثل أو آخر، إذْ إنها متمثّلة بـ"المنطق المتحكّم" بالفيلم، وبقرار السيناريست بأن "كلّ شيء متاح" ويمكن حدوثه طالما أنّ هذا عمل كوميدي.
اقــرأ أيضاً
المحبط ليس سيناريو أيمن وتار، بل قبول أحمد الجندي، وهو أفضل مخرج كوميدي مصري في العقد الأخير بلا منازع، العمل بصورته الحالية وعدم تطويره إلى قصّة وشخصيات. الرجل الذي قدّم "طِيْر إنتَ" (2009) و"الحرب العالمية الثالثة" (2014) و"بنك الحظ" (2017)، إلى جانب "لا تراجع ولا استسلام"، أخرج هنا أضعف أفلامه وأقلّها أهمية.
الغريب فعلاً أنه بعد 8 أعوام، يعود أحمد الجندي بفيلم "سبوف" ساخر آخر بعنوان "الكويسين"، لكن هذه المرة يفقد المميزات كلّها التي أتقنها بوعي في "لا تراجع ولا استسلام"، بل إنه فعل عكسها في بعض الأحيان.
قصّة "الكويسين" مكرّرة، بل إنها تشبه "لا تراجع..." في نقاط عديدة: يقوم البطل (هو هنا مفتاح وشقيقته غزال) بادّعاء أنه شخص آخر يُدعى مظهر كويس (أحمد فهمي)، ابن عائلة "الكويسين" الغنية، التي تاه منها في صغره. ادّعاؤه هذا يهدف إلى الحصول على جوهرة باهظة الثمن في عملية تسمى "القرموط القرمزي".
منذ البداية، تسخر الشخصيات من تكرار خدعة التنكّر والادّعاء، لكنها تسير معها حتى يصبح مفتاح جزءًا من عائلة "الكويسين". تكرار الحبكة ليس مشكلة، إذْ يُمكنه التحوّل إلى نقطة قوّة. الأزمة الكبيرة كامنةٌ في استهتار المؤلف أيمن وتار بالعناصر كلّها للسيناريو، فإذا كان الفيلم "كوميديًا" هل يعفيه هذا من أي منطق أو بناء أو شخصيات أو قواعد تحكم العالم السينمائي الذي يخلقه؟
تصرّفات شخصيات الفيلم كلّها غير معقولة، والسبيل الوحيد لقبولها هو أنها "حفنة مختلّين وأغبياء". مثلاً: لماذا يصدّقون أن مفتاح ابنهم، رغم أنه يظهر في الصورة القديمة أشقر وبعينين خضراوين؟ كيف يدخل عم جوهر (أحمد فتحي) إلى الحكاية ولا أحد يستغرب أو يعتقد أنه "قزم" وليس طفلاً؟ كيف يتحرّك أفراد العائلة جميعهم في مساراتهم من دون أي تفاعل درامي حقيقي مع أي شخص آخر، ومن دون وجود "دافع" أو "هدف" يسعى إليه، إلا أمورًا شكلية ركيكة، كأن يكون الأب حافظ كويس (بيومي فؤاد) بخيلاً، أو أن تهتمّ الأم بوسي كويس (شيرين رضا) بالحيوانات، أو أن تكون الأخت عايشة كويس (جيلان علاء) مريضة عقليًا.
لا تتغيّر أي شخصية، بمن فيها البطل مفتاح، من بداية الفيلم إلى نهايته، ولا يحدث فعلٌ دراميّ ولو بسيطاً يجعل علاقته بالعائلة تجربة مؤثّرة في حياته.
الأسوأ من ذلك أن أيمن وتار يتعامل مع الفيلم كأنه "اسكتشات" كوميدية منفصلة بعضها عن البعض الآخر، إنْ تمّ حذف مقاطع كاملة منها فلن يتضرّر الفيلم: تتابع السيرك الذي يذهب فيه مفتاح وبوسي لإنقاذ أسد، ما يتيح للممثل أكرم حسني حضورًا (ضيف شرف) ثقيلاً ومفتعلاً للغاية؛ أو الذهاب إلى بلدة شقيق الدكتور لطيف (عمرو وهبة) والهجوم العبثي للشرطة؛ وغيرهما من المقاطع المبتورة التي تهدف إلى إكمال مدّة الفيلم فقط. وربما يُمكن التصالح مع تلك الـ"اسكتشات" (المكتوبة على طريقة البرامج الكوميدية التي أتى منها أيمن وتار) لو أنها مُضحكة فعلاً، فأفلام الكوميديا تحتمل ذلك. لكن، مع الثقل والافتعال الشديدين في المَشَاهد، وتجاوزها في كلّ مرة لأي منطق، تصبح عائقًا أكبر أمام مُشاهدته وتقبّله، وصولاً إلى النهاية العبثية، والإصرار المبالغ فيه على تحويل كلّ شخصية إلى نسخة كاريكاتورية فارغة
ورغم اجتهاد الممثل أحمد مالك بحضوره اللافت للانتباه، إلا أن المشكلة أكبر من أداء ممثل أو آخر، إذْ إنها متمثّلة بـ"المنطق المتحكّم" بالفيلم، وبقرار السيناريست بأن "كلّ شيء متاح" ويمكن حدوثه طالما أنّ هذا عمل كوميدي.