"الكهف": العشوائيات نفسها بالسطحية نفسها

13 مارس 2018
ماجد المصري (فيسبوك)
+ الخط -
أكثر من خمس عشرة سنة شهدت فيها السينما المصرية، بأجيال جديدة ومختلفة من الصنّاع، محاولات متكررة للدخول إلى قلب المناطق العشوائية والمقابر، المكان والمسرح الذي احتكرته الدراما لعمر طويل وقدمته بصور ومعالجات مختلفة.
أفلام خالد يوسف وخلطة أحمد عبد الله وسامح عبد العزيز اقتربت كثيراً وفشلت كثيراً. وقد اعتبرها النقاد في أغلب الأوقات معالجة سطحية أو نظرة استشراقية أو في أبعد تقدير بحثاً عن جرأة معيّنة، ورآها أهل هذه المناطق مجافية لواقعهم، لكنها استمرت كبيئة جاذبة لمشروعات سينمائية ودرامية.
في فيلم "الكهف"، محاولة من السيناريست سامح سر الختم والمخرج أمير شوقي لتقديم تجربة جديدة من قلب منطقة عشوائية في حي بولاق من خلال علاقة الصداقة التي تربط صادق (ماجد المصري)، وعبد الله (محمود عبد المغني)، وتقاطعها مع علاقات وشخصيات أخرى في منطقتهما.
في الدقائق الأولى يفشل الفيلم في تقديم شخصياته وتقاطعها هذا، بشكل جيد. المشاهد خاطفة، والحوار مبتور وغير مقنع في بعض الأحيان، وشديد المباشرة في أكثرها، كأن تقول مي سليم لوالدتها حين تضيق بأعمال المنزل: "لو كنت اتولدت في الزمالك ولا غاردن سيتي مش كنت اترحمت؟".
لم تفلح الموسيقى التصويرية، ولا أغنية أحمد سعد، ولا تقطيعات سريعة لمشاهد الكاميرا من الأعلى للمقابر والحارة، أو مشاهد الحمام وهو يطير تحت الطائرة المارة فوق طريق صلاح سالم في الإقناع بتسارع الأحداث والمفارقات، ولا تحول الشخصيات من النقيض إلى النقيض، المسالم إلى بلطجي وقاتل، والخائن إلى درويش لا يفارق المسجد.
لكل شخصية في الفيلم همها الذاتي الذي تحمله هاربة منه، صفاء (روجينا)، جاءت إلى الحارة بعد حمل غير شرعي من خطيبها الذي توفي قبل زواجهما الرسمي، والشيخ طه (إيهاب فهمي)، يرفض البيع للسافرات، لكنه يعود ليلاً ليبحث عن الراقصات في التلفزيون، وحين يتزوج يكتشف عجزه الجنسي، ومسعود (ميدو عاطف)، تاجر مخدرات يستغل حب واحدة، لكنه يريد الزواج بأخرى ويفعل أي شيء في سبيل ذلك.
يبدو الحديث عن رسم الشخصيات وتطورها في فيلم كهذا إضاعة للوقت، فالكاريكاتورية غالبة عليها، ويمكن ببساطة رؤية الشرير والطيب، ومن تظلمه الأيام فيتحول إلى قاتل، كما في العبارات الركيكة على الميكروباصات والتكاتك، ولا مراعاة لتاريخ الشخصيات وبيئتها.
تتواصل لامنطقية الأحداث حتى نهاية المشهد حين يسقط عبد الله صريعاً وسط عشرات البلطجية التابعين لمنافس معلمه، على مساحات ينتفعون بها من المقابر: ضربات بالأيدي والأسلحة البيضاء لا يفلت منها فيل ضخم، إلا أن المخرج جعله يعود إلى الحارة لينتقم من صديقه الخائن ضمن مشهد اجتمعت فيه كل الشخصيات لتثأر لنفسها.

يقول المخرج أمير شوقي مبرراً تلك المعجزة والقدرة الخارقة في حديث صحافي: إن ذلك يشبه ما تدرسه الكليات العسكرية لطلابها: التمسك بالحياة لحين الانتهاء من الهدف!
هذا هو الإدراك الذي صنع فيلماً سينمائياً بهذا المستوى، إلى جانب إيمان متزايد لدى قطاع من الصناع بأن كثرة الشخصيات وتقاطعاتها ومحاولة تعقيد الصراعات بينها وافتعال مشاهد حركة وصراخ يصنع فيلما ملحميا يمكن إضافة جمل حوارية حكيمة تجعله جريئا ومختلفا فينتهي بنا الحال عند هذه النقطة.
المساهمون