"القصة القصيرة جداً في الأردن": إشكالية التجنيس والنقد

08 سبتمبر 2018
بهرام دبيري/ إيران
+ الخط -

يرتبط مفهوم تداخل الأجناس الأدبية بسياق تاريخي أوروبي ظهرات فيه نزعات الخروج على التصنيف الأرسطي القديم (غنائي، وملحمي، ودرامي) منذ أكثر من قرنين، مع ظهور أنماط جديدة في كتابة الشعر والقصة تحديداً.

مقابل ذلك، لم تعرف الثقافة العربية في مدوّنتها الشعرية والنثرية تقسيماً مماثلاً، ما أحدث التباساً في تلقّي الفنون الكتابية الحديثة وإعادة إنتاجها منذ نهاية القرن التاسع عشر، ولم يجر مثلاً الاعتراف بالقصّ كفن مستقل إلا في عشرينيات القرن الماضي، بعد تنظيرات عديدة غير متماسكة لإحياء القصة باعتبارها امتداداً للتراث السردي العربي فلم تصمد طويلاً.

تشير القاصة والكاتبة الأردنية ذكريات حرب في كتابها "القصة القصيرة جداً في الأردن.. الرؤية، البنية، وتقنيات السرد" الصادر حديثاً عن منشورات "فضاءات" في عمّان، إلى إشكالية تجنيس هذا الفن القصصي في العالم العربي، حيث لا يزال يشكّل مصطلحاً مغلوطاً عند بعض القاصين ما يدلّ على عدم استقراره وغياب المعايير النقدية التي يمكن أن توحده، وتعدّد مشارب واضعي المصطلحات أدى إلى اختلاف في المفاهيم، وتباين في التعبير عنها.

تحيلنا المؤلّفة إلى تجاذب النقّاد، فمنهم من ينسب القصة القصيرة جداً إلى الأصل الغربي، والبعض يقرّ لها بتأثرها بالقصة الأوروبية عامة، والفرنسية خاصة، وقسم ثالث أسّس وجودها من الجذور العربية مثل النوادر والطرائف والمنامات والتوقيعات، ما يعيدنا إلى الجدل السابق حول نشأة السرد العربي الحديث والذي ظلّ عبئاً على كتابته دون فائدة تُذكر، بل إن البحث في تأصيل هذا الفن ظلّ أسير رفضه تقليد ومحاكاة الآداب الغربية رغم أن قوالبها وتقنياتها وأسلوبها هي النموذج الذي تتمثّله الكتابة العربية.

توضّح حرب صعوبة تحديد "ريادة" فن القصة القصيرة جداً عربياً، مع رصد لمعظم النصوص التي تُدرجها الدراسات في تتبع بداياتها في أعمال ميخائيل نعيمة وجبران خليل جبران وتوفيق يوسف عواد ونوئيل رسام، مروراً بمحمود علي السعيد وزكريا تامر ويحيى الطاهر عبد الله وعبد الكريم التمسماني، وتخلص إلى أنها تشكّلت بصورة عفوية متفرّقة في الخمسينيات لكنها برزت بعد هزيمة حزيران/ يونيو 1967، وأن ترجمة فتحي العشري لكتاب "انفعالات" لنتالي ساروت عام 1972 كانت إيذاناً للتجريب بهذا الفن القصصي.

في المشهد الأردني، يلفت الكتاب إلى محمود الريماوي في مجموعته القصصية "العري في صحراء ليلية" (1972)، ومحمود شقير في "الولد الفلسطيني" (1977)، باعتبارهما أول تجربتين في هذا الحقل الإبداعي مع ملاحظة أن الأول لم يصنّفها كذلك فيما عنون الثاني أحد نصوص مجموعته بـ"ثلاث قصص قصيرة جداً".

توثّق الكاتبة بيلوغرافيا للقصص القصيرة جداً التي وردت في أعمال حوالي سبعين قاصاً أردنياً بين عامي 1972 و2017؛ من بينهم: جمال أبو حمدان، وسعود قبيلات، ومحمد طمليه، وجمعة شنب، ومحمد عارف مشة، ويوسف ضمرة، وسامية العطعوط، وجواهر الرفايعة، ومحمد جميل خضر، وسميحة خريس، وعمار الجنيدي، وأميمة الناصر، وبسمة النسور.

يدرس الكتاب أركان القصة القصيرة جداً ضمن النماذج المذكورة المتعلّقة بالحدث وبناء الشخصيات وأبعادها وتداعياتها والحبكة والسرد القصصي والحوار والتكثيف والمفارقة وتقنيات التناص والترميز والأنسنة والانزياح، كما ينوّه إلى أن بعض القاصين لا يزال يكتب فيها تجريباً ولا ينظر إليها بجدية حتى أنهم لا يصنفونها "قصيرة جداً" إلى اليوم، ولا توجد ملتقيات مستقلة باسمها، إضافة إلى اختلاف النقّاد حولها ما يؤدي إلى إهمال هذا الفن وعدم وجود دراسات كافية حوله.

المساهمون