"القاهرة للكتاب": ترف فوق طاقة القراء

القاهرة

محمود عاطف

avata
محمود عاطف
26 يناير 2017
8411F0EB-118A-44CD-885B-C62D3486F727
+ الخط -

تأتي الدورة الجديدة من "معرض القاهرة الدولي للكتاب" - التي تنطلق اليوم - في خضمّ حالة اقتصادية متردّية تعيشها مصر مع انهيار الجنيه أمام الدولار الأميركي، بالتالي ارتفاع أسعار معظم خامات التصنيع ومن ضمنها تكاليف الورق والأحبار والطباعة.

قبل أيام، صرّح هيثم الحاج علي، رئيس "الهيئة المصرية العامة للكتاب" المنظمة للمعرض، في مؤتمر عقده في مقرّ الهيئة، عن فعاليات المعرض الذي يتواصل حتى 10 شباط/فبراير، تحت شعار "الشباب وثقافة المستقبل" بمشاركة 670 ناشراً من 35 دولة عربية وأجنبية، حيث تحلّ المغرب ضيف شرف هذا العام، فيما اختير الشاعر المصري، صلاح عبد الصبور، (1931-1981) كشخصية هذه الدورة.

لا جديد في مثل هذه البيانات في ما عدا زيادة عدد البلدان المشاركة بواقع ستة جديدة. لكن الملفت هنا هو شعار هذه الدورة. كان رئيس الهيئة قد أعلن بفرح أن شعار هذا العام اختير بناء على إحصاءات العام الماضي الخاصة بأعمار زوّار المعرض، حيث بلغت نسبة الشباب تحت سن 35 عاماً ما يقارب 65٪ من إجمالي جمهور المعرض، وأضاف بالمثل أنه تم اختيار تصميم الملصق الدعائي للدورة الحالية عبر مسابقة أجريت بين المصمّمين الشباب.

ما فات رئيس الهيئة هو وضع هذه الإحصاءات في سياقات سوء الوضع الاقتصادي الحالي وتردّي سوق النشر والكتاب، لكن الأكثر سخرية من ذلك هو توقعات رئيس الهيئة بزيادة الإقبال الجماهيري على المعرض هذا العام! إذ يبقى قياس الإقبال غير ذي معنى طالما لم يكن مقروناً بالحالة الشرائية كأحد الأغراض الرئيسية لإقامة تظاهرة كهذه، باعتباره الحدث السنوي الأبرز لتحريك سوق النشر الراكدة.

وإذ تظلّ زيارة المعرض طقساً كرنفالياً واحتفالاً سنوياً لا يُفوّت خصوصاً لرحلات طلاب المدارس والرحلات العائلية، فإنه يمكن الجزم بالمقابل بأن شراء الكتاب في مصر الحالية أصبح ترفاً يفوق طاقة عموم الجماهير المختنقة باشتراطات حياتية أكثر ضرورة للمعاش اليومي، وهو ما ينسحب على الشباب أكثر، الفئة الأكثر إقبالا على الشراء، والذي اختير شعار هذه الدورة متحدثاً باسمها.

بعملية حسابية بسيطة، يمكن ملاحظة مثل هذه الصعوبات الشرائية، حيث تبلغ قيمة الدولار الأميركي الواحد ما يقارب 20 جنيهاً مصرياً، يعني هذا أن كتاباً كانت قيمته تتراوح العام الماضي بين 50 و60 جنيهاً بسعر حوالى 6 جنيهات للدولار الواحد، تتضاعف قيمته هذا العام لتبلغ حوالى 200 أو 250 جنيهاً، أضف إلى ذلك ارتفاع أسعار الشحن بالمقابل، ما يرفع من قيمة الكتب الصادرة من دور نشر عربية، وتزداد فداحة هذه المعطيات بمعرفة أن الحدّ الأدنى للأجور في مصر يبلغ 1200 جنيه مصري لا غير، مما يعني أن شراء كتاب واحد يستقطع ما قيمته سُدس أجر شهري من الفئة الأدنى.

ليس هذا العام بل منذ سنوات، صارت دور نشر عربية عديدة تحجم عن المشاركة بجناح خاص بها في "معرض القاهرة"، وتكتفي بتوزيع كتبها عبر وكيل محلي أو عربي. لكن من المرجّح أن الأمر سيزداد سوءاً هذا العام، إذ كيف يمكن لقارئ مصري أن يشتري كتاباً تبلغ قيمته في بيروت مثلاً 20 دولاراً لتصير قيمته الشرائية في القاهرة 400 جنيه! وربما لهذا السبب، أعلنت بعض دور النشر القاهرية والعربية وبعض مكتبات التوزيع الكبرى عن خصومات كبيرة في معرض الكتاب تقارب نسبة الـ 50٪.

"دار الشروق" القاهرية أعلنت عن خصومات تصل إلى النسبة السالفة، وكذلك "مكتبة تنمية" صاحبة أكبر توكيلات لدور نشر عربية في السوق المصرية، والتي بدأت في مشاريع نشر مشتركة مع الدور العربية بطبعات خاصة بمصر للمساعدة في تقليل الأسعار. وكذا فعلت "منشورات المتوسط" (ميلانو-إيطاليا) بإعلان عبر صفحتها في فيسبوك وتحت شعار ساخر "معاً لنحارب طواحين الدولار".

إزاء تلك الأزمات الاقتصادية، ازداد الرواج الذي تشهده العديد من صفحات المكتبات الثقافية على فيسبوك، والتي تتيح نسخاً رقمية من إصدارات عديدة وحديثة لمختلف دور النشر العربية، بعضها لكتب ضخمة ومراجع متعددة الأجزاء تتجاوز أثمانها مئات الجنيهات بالعملة المصرية. ذلك يوفّر للقارئ المصري والعربي سبيلاً لمطالعة أحدث الإصدارات وبلا أية تكلفة تقريباً.

سيكون وسْمُ ذاك الأمر بالقرصنة الإلكترونية والاعتداء على حقوق الملكية الفكرية وصفاً لا يراعي كامل تعقيدات المشهد؛ فإزاء انهيار العملة المحلية وتأثر سوق النشر بالارتفاع الجنوني في أسعار الخامات، وبالتالي ارتفاع أسعار الكتب، أضف إلى هذا رداءة الكثير من المنشورات الحكومية عبر سلاسلها العديدة المتشابهة والفائضة عن الحد أحياناً، كل ذلك أمام قارئ شغوف بمطالعة الأحدث مما يصدر في باقي الوطن العربي، وفي العالم عبر الترجمات، فليس أمام ذلك القارئ إلا أن يكتفي باللجوء إلى مثل هذه النسخ الرقمية، وليس عليه أي لوم في ذلك، لأنه لا يمكن في النهاية أن تصير القراءة هي الأخرى حقاً حصرياً لمن يملك المال.

تكديس في المخازن
صعوبات كثيرة تضاف إلى المعرض في دورته الـ48 مع انهيار قيمة الجنيه المصري. فأثر ذلك امتدّ ليشمل زيادة مالية على القيمة الإيجارية لمساحات العرض قدرها 20%، ما يؤدّي في النهاية إلى ارتفاع أسعار الكتب. كما لا يبدو أن مشاريع النشر الحكومية بإمكانها منافسة دور النشر الخاصة، وعدا القليل، كإصدارات "مكتبة الأسرة"، و"المركز القومي للترجمة"، فإن ما تبقّى سيئ الطباعة والإخراج يؤول مكدّساً إلى المخازن. 

المساهمون