تعيش محافظة درعا، جنوبي سورية، والتي استعادتها قوات النظام السوري منتصف العام الماضي بعد ضغط عسكري واختراقات لبعض قادة الفصائل، حالة من التشتت والفوضى على الصعيد الأمني، بالتزامن مع وضع اقتصادي واجتماعي صعب. وبسبب طبيعتها الحدودية، وتأثيرات دول الجوار (الأردن والاحتلال الإسرائيلي) والتنافس الروسي - الإيراني، فضلاً عن تنافس أجهزة النظام الأمنية والعسكرية بعضها مع بعض، فإن المحافظة تمر بوضع أمني فريد، إذ تحاول كل هذه القوى جذب أبناء المحافظة إلى صفها، وسط عمليات استقطاب عنيفة تصل إلى حد الاغتيال والاعتقال ومصادرة الأملاك، فضلاً عن الإغراءات المادية.
وقالت مصادر محلية إن عماد أبو زريق، الذي كان يشغل منصب "القائد العسكري" لـ"جيش الثورة" (وهو ائتلاف عسكري كان يضم بعض الفصائل مثل جيش اليرموك وجيش المعتز بالله)، عاد إلى درعا قبل حوالي الشهر عبر معبر نصيب الحدودي، بعد إرشاده قوات النظام إلى أمكنة عدة مستودعات أسلحة لقواته السابقة قرب المعبر، وكان معه بعض القادة العسكريين، وذلك بالتنسيق مع ضباط روس والأمن العسكري التابع للنظام والمخابرات الأردنية، لكي يتسلم قيادة التشكيل العسكري الجديد.
وذهبت بعض التحليلات إلى القول إن التشكيل العسكري الجديد يأتي في سياق مواجهة تمدد مليشيات إيران فضلاً عن "حزب الله" في الجنوب السوري، إذ تواصل إيران ومليشياتها التغلغل في المنطقة على الرغم من تعهّدات سابقة بالابتعاد مسافة 40 كيلومتراً، لكن مصادر أخرى رأت أن إنشاء هذا التشكيل يستهدف أساساً مواجهة حالة الرفض في بعض مناطق المحافظة للالتحاق بالخدمة العسكرية في قوات النظام، واستقطاب الرافضين إلى تشكيل عسكري محلي يكون خاضعاً للنظام.
من جهته، قال الناشط محمد الشلبي، لـ"العربي الجديد"، إن التشكيلات الجديدة التي ترعاها بعض أجهزة النظام بالتنسيق مع روسيا أو إيران تستهدف أيضاً مواجهة "المقاومة الشعبية" في حوران التي ظهرت أخيراً ونفذت عمليات عدة ضد قوات النظام في أرجاء المحافظة. ومن هنا، أضاف الشلبي، فإن فكرة مواجهة هذه العمليات التي أوقعت قتلى وجرحى في صفوف قوات النظام خلال الأسابيع الأخيرة، أوحت لأجهزة النظام الأمنية بالدفع نحو تشكيل مليشيات محلية تتبع لها، وتكلف بمتابعة ومواجهة هذه التحركات المعادية للنظام.
وفي السياق، أوضح قائد عسكري سابق لـ"العربي الجديد"، أن الفصيل الجديد سوف يتمركز في القطاعين الأوسط والشمالي من محافظة درعا، بينما ينتشر "الفيلق الخامس" بقيادة أحمد العودة في اللجاة وريف درعا الشرقي. وفي هذا الإطار، عاد قبل يومين القيادي السابق في الجيش السوري الحر إياد قدور إلى محافظة درعا آتياً من الأردن بعدما عقد اتفاق "تسوية" مع النظام. وكان في استقبال قدور عند الحدود مع الأردن عماد أبو زريق، المرشح لتولي رئاسة التشكيل العسكري الجديد، ما يشير إلى أن قدور قد يكون له دور في التشكيل الجديد المتوقع.
وكان النظام قد أوفد قبل أيام إلى المحافظة رئيس شعبة المخابرات العسكرية، اللواء محمد محلا، في زيارة جال خلالها على عدد من مدن المحافظة وبلداتها، وقدّم وعوداً للأهالي بالإفراج عن "بعض المعتقلين" الموجودين في فروع "الأمن العسكري"، خصوصاً فرع السويداء وبشكل فوري. وقال محلا إنه "جاء بهدية، 28 معتقلاً من الأمن العسكري بدرعا"، وإنه "سيطلق سراحهم مباشرة". لكن "مكتب توثيق الشهداء والمعتقلين" في محافظة درعا ذكر أن أكثر من نصف الأشخاص الذين جرى الإفراج عنهم كانوا من ضمن عناصر "الفيلق الخامس" الموالي للنظام وعناصر انضموا لقوات النظام، والآخرون معظمهم تم اعتقالهم منذ فترات قصيرة متقاربة.
وقالت مصادر في الجنوب إن محلا عقد اجتماعات مع بعض قادة فصائل المعارضة السابقين قرب مدينة إنخل، شمالي درعا، بهدف التنسيق معهم لتشكيل فصيل عسكري جديد، من المتوقع أن يترأسه عماد أبو زريق، بدعم من روسيا ودول إقليمية، بهدف تقليص نفوذ إيران في المنطقة. ووفق هذه المصادر، فإن الاجتماع عقد بعيداً عن الأنظار، في إحدى المزارع المحيطة بمدينة إنخل، وحضره محلا ورئيس فرع الأمن العسكري في درعا لؤي العلي، وضباط من الأمن العسكري، وذلك لتنسيق إنشاء التشكيل العسكري الجديد. وتأتي زيارة محلا بعد ثلاثة أشهر من زيارة مماثلة لرئيس جهاز المخابرات الجوية اللواء جميل الحسن، إلى المنطقة، كان الهدف منها تجنيد أبناء المنطقة للعمل مع المخابرات الجوية المقربة من إيران، وذلك على عكس زيارة محلا، التي جاءت بهدف وضع حد للنفوذ الإيراني في المنطقة، بحسب هذه المصادر.
غير أن مصدراً خاصاً تحدث لـ"العربي الجديد"، قال إن التشكيل العسكري الجديد الذي تسعى إلى إنشائه بعض الأجهزة الأمنية التابعة للنظام، سيكون باسم "اللواء السادس" (وليس الفيلق السادس)، على أن يكون جزءاً من "الفيلق الخامس" المشكل بالفعل في ريف درعا الشرقي بقيادة أحمد العودة، قائد فصيل "شباب السنّة"، المعارض سابقاً، والذي كان له دور رئيسي في تسليم ريف درعا الشرقي لقوات النظام في شهر يوليو/ تموز العام الماضي.
وحسب المصدر، فإن عودة أبو زريق إلى درعا، بالتنسيق مع الأمن العسكري، كانت بهدف تصفية ما تبقى من الثورة عن طريق الاغتيالات، مستبعداً أن تكون لهذه التحركات أي علاقة بمواجهة النفوذ الإيراني في الجنوب، خصوصاً أن روسيا لا تزود الفصائل التي تدعمها سوى بأسلحة بسيطة، بينما لإيران نفوذ كبير على الأرض واستطاعت التغلغل بين أبناء حوران عن طريق المال والحماية الأمنية.
وبشأن زيارة محلا إلى درعا، قال المصدر إن محلا زار بلدتي طفس وأم المياذن، إضافة إلى درعا البلد، لكنه لم يلتق بأحد من الفصائل، بل بفاعليات مدنية وعشائرية مرتبطة بطريقة أو أخرى مع الأمن العسكري.
وحول ما يقال عن أن هدف التشكيل الجديد هو استيعاب الرافضين للخدمة العسكرية في جيش النظام، أوضح المصدر أن الكثير من المناطق التحق أبناؤها بقوات النظام في إطار خدمة الاحتياط، مثل قرية صيدا، لكن هناك قرى أخرى، مثل نصيب وأم المياذن، لم يسلم أبناؤها أنفسهم حتى الآن، موضحاً أن معظم عناصر وقادة الفصائل السابقة باتوا على الأرض إما تابعين للأمن العسكري أو المخابرات الجوية أو الفرقة الرابعة أو الحرس الثوري الإيراني، و"قلما تجد أحداً غير منخرط مع جهة من هذه الجهات، وبالتالي ليس هناك من يذهب للخدمة في جيش النظام الرسمي".
وكان تقرير لمجموعة الأزمات الدولية صدر قبل أيام، قد ذكر أن النظام السوري لم يقدّم الإمكانيات الكافية لاستقرار الجنوب، وقيّد وصول المساعدات الإنسانية وإعادة المؤسسات الحكومية، ما جعل الظروف الأمنية والمعيشية محفوفة بالمخاطر، وهو ما يحول دون عودة اللاجئين بأمان، خصوصاً في ظل "الوضع الأمني المتغير، وعودة الأجهزة الأمنية غير الخاضعة للمساءلة، والتي تمارس الاعتقال العشوائي".
وكان المتحدث باسم مركز المصالحة الروسي، العقيد إيغور فيدوروف، قد صرح في 19 من فبراير/ شباط الماضي، بأن الأهالي في درعا يلجأون للروس لحل العديد من قضاياهم التي لا يمكنهم حلها بأنفسهم، ومنها معرفة مصير أقاربهم المعتقلين، وحل مشاكل الإقامة والسكن والعقارات. وبطبيعة الحال، فإن روسيا وإن كانت لها سطوة على النظام، لكنها لا تملك خبرة النظام والإيرانيين في التعامل مع القضايا المحلية، فضلاً عن عدم توفر الكادر البشري الكافي لمثل هذه المهام، فغالباً ما يتم التلاعب بالضباط الروس من قِبل ضباط النظام من خلال تقديم معطيات غير صحيحة لهم أو المماطلة في تنفيذ ما يعدون به، بالاعتماد على عدم قدرة الروس على متابعة كل التفاصيل اليومية، بينما أجهزة النظام الأمنية المتنافسة تعمل على استعادة نفوذها القديم عبر كل الأساليب، ومنها الاغتيالات التي كثيراً ما تطاول شخصيات من عائلات معروفة وتوجيه الاتهام لشخص من عائلة أخرى معروفة أيضاً، بهدف إثارة النعرات العائلية والعشائرية بين أبناء المحافظة، لتكون أجهزتها هي الحكم بين هذه العائلات بهدف تكريس نفوذها في المحافظة.