"الفكر الأفريقي": مصادر ذاتية للأمل

05 ابريل 2017
(ديفين فوه)
+ الخط -

تنتشر مقولات تجاوز المركزية الغربية في الثقافة العربية. مع ذلك، لا نجد الكثير من التفاعل مع ثقافات أخرى تحمل نفس الهاجس، من ضمنها مشهد الفكر الأفريقي الذي يكاد يكون مغيّباً في الثقافة العربية، رغم القواسم المشتركة العديدة بين الطرفين، بداية من الجوار الجغرافي وصولاً إلى التشارك في القضايا.

حول تطوّرات هذا المشهد وانشغالاته ومساهماته، انتظمت ندوة بعنوان "تجديد الفكر الأفريقي" الأحد الماضي، في آخر أيام الدورة 33 من "معرض تونس الدولي للكتاب".

شارك في الندوة كل من المؤرّخ التونسي لطفي عيسى والأنثروبولوجي الكاميروني ديفين فوه، علماً أنه كان مبرمجاً أن يحضرها أيضاً كل من المفكّر الكاميروني أشيل مبامبي والمفكّر المغربي علي بنمخلوف غير أنهما لم يتمكّنا من الحضور.

قدّم عيسى الندوة باعتبارها محاولة "للتعريف بمختلف التوجّهات الفكرية التي تقود أبحاث عدد من المفكرين من ذوي الأصول الأفريقية". يفرّق عيسى بين تيارين؛ الأول هو "دراسات ما بعد الاستعمار" التي تجد جذورها في سياقات تاريخية عاشتها بلدان جنوب شرقي آسيا بعد تخلّصها من الاستعمار، في مقابل تصوّرات متصلة بسياقات تصفية الاستعمار في بلدان أميركا اللاتينية وأفريقيا وتسمّى بـ"تيار نزع الاستعمار" أو التيار "المضاد للاستعمار"، وهذه التيارات الفكرية بحسب عيسى تتأثّر بالضرورة بالمكان الذي يقع فيه التاريخ.

ضمن هذا الإطار، قدّم صاحب كتاب "مغرب المتصوّفة" المفكّر الكاميروني أشيل مبامبي من خلال ما طرحه من أفكار، مثل "الأفروبوليتانية Afropolitanisme" وهو "مصطلح نسَل عن فكر فرانتز فانون يدعو إلى صياغة مستقبل أفريقي على أساس مركزية كونية خاصة بالقارة السوداء".

يتقاطع فكر مبامبي في نفس الوقت مع الصراع ضد العنصرية أو ما سمّاه بـ "تشيئة الجسد الأسود" من جهة، ومن أخرى الدفاع عن قارة أفريقية متسامحة منفتحة، ومتنوّعة الانتماءات، وهو ما نعته بـ "أفريقيا بحجم العالم" تأسيّاً بالشاعر المارتينيكي إدوار غليسان.

المفكر الثاني الذي جرى تقديمه هو المغربي الفرنسي علي بنمخلوف الذي أشار عيسى إلى تعدّد تخصّصاته بين فلسفة المنطق وقضية الهوية والحقوق والأخلاق والفن والسياسة والبيئة. ومن آخر مؤلفاته "لماذا نقرأ الفلاسفة العرب" و"المحاورة كأسلوب حياة" الذي يرى عيسى بأنه وضع فيه على محكّ الدرس "طرفين يعتقد كل منهما أنه على نصف المسافة من محاوره".

بقية الندوة كانت عبارة عن حوار بين المؤرّخ التونسي والأنثروبولوجي الكاميروني ديفين فوه الذي انطلق من خصوصيات تجربته المعرفيّة وتنقلاته بين الكاميرون وبوتسوانا وسويسرا وجنوب أفريقيا والسنغال، وواقع الحواضر الأفريقية المعقّد وطموح الشباب بين عذاباتهم اليوميّة و"ضرورة تجاوز دور الدولة المنعمة"، ودور الأنثروبولوجي - والباحثين بشكل عام - في مقاومة المتخيّل الذي يصنّف أفريقيا كقارة للبؤس والوحشية، وصياغة فلسفة جديدة تنبني على عدم اليأس من الحاضر.

المصطلح الأساسي الذي دار حول النقاش هو "الأمل"، والذي يقول بخصوصه فوه: "ينبغي أن يأتي من مصادر ذاتية"، مشيراً إلى "ضرورة تجاوز صورة نمطية تعتبر أن الأمل في أفريقيا لا يكون إلا من الخارج، أي من خلال مساعدات دول أوروبية أو منظمات دولية تأتي إلى أفريقيا لإخراجها من فقرها وتعاستها"، وهذا يتضمّن بالنسبة لـ فوه نقداً لمتخيّل الأفريقيين عن أنفسهم أيضاً.

صناعة هذا الأمل، تفرض تجاوز أكثر من عائق؛ وهو ما قاد المتحاورَيْن إلى الحديث عن علاقة "المواطن" الأفريقي بالدولة، فالمعاناة تفرض على شق من المجتمعات الأفريقية ابتكار حلول لا تصل إليها الدولة في محاولة لتحقيق شروط حياة أفضل خارج المطلبية.

يشير فوه في هذا الصدد إلى "من يعيشون كما لو أن الدولة لا توجد (كخدمة) ولكنها تظل موجودة (كسلطة)"، ويعقّب هنا عيسى بالحديث عن أكثر من مظهر في أفريقيا يدلّ على "قدرة الشعوب على التنظّم دون حاجة لدولة مفترسة"، معتبراً أن "السبب في تضخّم حضور الدولة يعود إلى عزوف الناس عن الإسهام في الشأن العام".

من جانب آخر، يلفت فوه إلى ضرورة التعامل مع مسائل كهذه بمنطق مضاد للنخبوية، وضخّ الحياة اليومية بالمفاهيم التحرّرية، مشيراً إلى أن "النخبوية تجعل من المثقفين يتصرّفون نفس تصرّفات الدولة ويصلون إلى نفس نتائجها".

ضمن النقاش الذي تلا الندوة، طُرح سؤال "ماذا عن العالم العربي؟" ضمن سياق الحديث عن الأمل. يعتبر الأنثروبولوجي الكاميروني أنه "في كل حالة ينبغي تحديد المشكل أوّلاً"، ويشير إلى أن "أحد العوائق البارزة التي تقلّص الأمل هي الحدود (قد لا تكون السياسية وحدها) لأنها تعيق فرص استلهام كيف نجح الآخرون في حل مشاكلهم".

يعقّب عيسى على ذلك بضرورة "نبذ التصوّرات التراتبية الاستعلائية، لأن قيمة الأفكار المُنتِجة للدلالة لا تقاس بطرافتها فحسب، بل بضمان مرور ما تحمله من خبرة لأوسع قاعدة من البشر".

أشيل مبامبي لم يصل
لم يحضر المفكر الكاميروني في الندوة كما كان مبرمجاً. غير أن غيابه لم يكن جسدياً فحسب، إذ إن المعرض كان يخلو أيضاً من مؤلفات "ضيفه" رغم أنه يكتب بلغة مقروءة في تونس (الفرنسية). أكثر من ذلك، يمتدّ هذا الغياب إلى الثقافة العربية برمّتها، حيث لم تترجم بعد أعمال أساسية مثل "الخروج من الليل الطويل" و"نقد العقل الزنجي" و"سياسة اللاصداقة"؛ مؤشر آخر على قطيعةٍ بين ثقافتين تشتركان في الهواجس ولا تتحاوران.

دلالات
المساهمون