السَلَطَة طبق رئيسي على موائد الشعوب، في منطقة حوض المتوسط على وجه الخصوص، وحين يحلّ رمضان يصبح طبقاً واجباً على موائد المسلمين، لما يحتاجه الصائم من خضروات متنوعة، تحديداً الغنية بالمياه والألياف، والتي يحفل بها طبق سلطة "الفتّوش" أكثر من غيره.
فهذه السلطة تتميّز باستيعاب أكبر عدد من أنواع الخضروات، التي تؤكل نيئة، وكذلك بقطع الخبز المحمّص، التي تتمازج مع الخضار والتتبيلة بطريقة متميّزة، وتضيف المزيد من العناصر الغذائية للطبق.
يتوسّط طبق الفتّوش موائد الإفطار الرمضانية في بلاد الشام عموما، ويكاد يحضّر 30 يوماً في الشهر. يحاول البعض كسر التقليد واستبداله أحياناً بأطباق سلطة أخرى بينها التبولة، إلا أنّ الفتّوش يبقى السلطة المفضّلة للصائمين اللبنانيين والسوريين وبعض الفلسطينيين.
أصل الطبق
ويتناقل الأجداد رواياتِ ولادةِ هذا الطبق، وأكثرها تداولا أنه في فترة حرب الجبل 1860-1861 فرّ بعض المسيحيين إلى زحلة ونزلوا ضيوفاً عند آل فتّوش (عائلة اقطاعية زحلاوية، والذين قدّموا لضيوفهم مائدة حافلة بالأطايب، بينها اللحوم والسلطات، وبما أنّ الزمن كان زمن الصوم الكبير، الذي يسبق عيد الفصح، لم يأكل الزوّار اللحوم، بل تناولوا السلطات، وكي يشبعوا أكلوها بالخبز.
دُهش آل فتّوش من الأمر، وجرّبوا تناول السلطة بالخبز، فنالت استحسانهم، وقرّروا أن يعدّوا هذا الطبق دائماً. كذلك فعل بقية المسيحيين تحديداً في أيّام الصوم الكبير، وبحكم الاختلاط والتجاور، انتقل الطبق إلى موائد المسلمين.
رواية شعبية أخرى، الأرجح أن تكون أصولها تركية، لأنّ "فتّوش" هو اسم الدلال لفاطمة بالتركية. وتقول هذه الرواية ما يلي:
كانت "فتّوش"، أو فاطمة، امرأة فضولية بخيلة، تتعمّد زيارة جيرانها قبل الإفطار، وتدعو نفسها إلى تناول الطعام معهم، ويوماً بعد آخر ضاقوا بتطفّلها واستغلالها كرمهم، فقرّروا أن يعدّوا لها الطبق نفسه في كلّ مرة، وكان هذا الطبق عبارة عن خضروات متنوّعة مع خبز يابس متبقٍّ من مائدة الأمس... وأطلقوا على الطبق اسم المرأة: فتّوش.
*************
يبقى أن حكاية الطبق قد تكون أبسط مما ورد، إذ يكاد يكون مقتبساً من طريقة تحضير الطبق، الذي يقتضي أن تُفـتّـت الخضروات والخبز اليابس معاً. وهو طبق زراعي بامتياز، ابتكره على الأرجح الريفيون، الذين أخذوا مما زرعوه في حدائقهم وبساتينهم مكوّنات سلطة خضراء طازجة سريعة وسهلة التحضير. كما أنّ مزج الخضار مع الخبز في أطباق السلطة، أمر متكرّر في مطابخ العالم، تحديداً اليونانية والإيطالية والفرنسية، حيث نجد أنواع الخبز المختلفة تعمّم هذه الأطباق.
يحتوي الفتّوش على كلّ ما قد يخطر في بال الصائم ويشتهيه من خضروات طازجة، تمنّ بها التربة المتوسطية، ولا يضيرها أن ينقص مكوّن أو يزيد، المهمّ هو التنوّع وموازنة كميات المكوّنات المختلفة، فلا تطغى الطماطم على الخيار، أو الخسّ على الفجل، أما البصل فيشكّل استثناءً، إذ يُفضّل أن يكون أقلّ المكوّنات، تفادياً لروائح الفم الكريهة، تحديداً لأنّ الصائمين يقومون بتبادل الزيارات في الليل والسحور، كما يصلّون في المساجد ويحضرون حلقات دينية وصلوات التراويح...
طريقة التحضير
المكوّنات: كلّ أنواع الخضار حسب الذوق، الخس،ّ الخيار، البندورة (الطماطم)، الفجل، البقدونس، النعنع، البصل الأخضر، الفلفل الأخضر، الفرفحين، الرشاد، الجرجير... تقطع إلى أحجام متوسّطة (والبعض يفضّلها صغيرة، ولكن ليس بمثل حجم قطع التبوّلة التي تكون الأنعم بين السَّلطات)، يضاف إليها الخبز المحمّص، ثم تتبّل بزيت الزيتون، والملح، وعصير الليمون الحامض، وربما الخلّ، والسمّاق المطحون، والبعض يضيف التتبيلة قبل الخبز، ليحافظ على قساوته ويتحاشى أن يتشرّب الزيت وعصير الليمون.
"الفتّوش" طبق مغذٍّ وله أهمية صحية كبيرة على المائدة الرمضانية، ولكن عكس الشائع، لا يجب أن يبدأ الصائم بتناول هذا الطبق، لأنّ الخضروات النيئة تسبّب عسر هضم، لذا من الممكن أن يُترك إلى النهاية، أو مع الطبق الرئيسي، الذي يأتي بعد المقبّلات والحساء.