"العمال" البريطاني: الهزيمة وصراع القيادة

15 مايو 2015
صعود الحزب الوطني الإسكتلندي ساهم بخسارة "العمال"(يونس كايماز/الأناضول)
+ الخط -

على الرغم من الجهود الجبارة التي بذلها حزب "العمال" للفوز بالانتخابات البريطانية الأخيرة، وتشكيل حكومة أقلية في أقل تقدير، لم تجلب له الحملة الانتخابية الأقسى التي خاضها في العقود الأخيرة سوى أسوأ نتيجة على امتداد الثلاثين سنة الماضية. ومع انقشاع غبار المعركة، التي أسفرت عن فوز حزب "المحافظين"، بفارق قارب المائة مقعد في مجلس العموم الجديد، عاد حزب "العمال" إلى قواعده يجرّ أذيال هزيمة غير مسبوقة، ويحاول لملمة أشلائه لإعادة بناء قيادة الحزب واستعادة ثقة القواعد، استعداداً لأول معارك الانتخابات المقبلة في العام 2020. وداخل مقرّ الحزب تطرح الأسئلة الأصعب، لماذا خسر "العمال"؟ وكيف يمكن تجاوز الهزيمة والعبور بالحزب نحو المستقبل؟

اقرأ أيضاً ناخبو بريطانيا يعاقبون المعارضة: فوز مريح للمحافظين86

وفي محاولة لتشخيص الأسباب التي أودت بحزب "العمال"، كتب شوكا أومينا، وزير الأعمال في حكومة الظل العمالية، وأول المرشحين المتقدمين لزعامة الحزب في المرحلة المقبلة، مقالاً حدد فيه أبرز هذه الأسباب، وفي مقدمتها صعود التيار القومي الذي يقوده الحزب الوطني الإسكتلندي، والذي تمكن من حصد 56 مقعداً من أصل الـ 58 مقعداً المخصصة لإسكتلندا في مجلس العموم البريطاني، مما أدى إلى خسارة حزب "العمال" 40 مقعداً من أصل 41 مقعداً كانت له في البرلمان السابق. أما في إنكلترا، فكان الفشل حليف الحزب، حسب أومينا، لأن الخطاب الانتخابي ركز بشكل لافت على القضايا التي تخص الطبقتين الغنية والفقيرة من دون الالتفاف الى غالبية الناس في الطبقة الوسطى. إضافة إلى أن الحملات الانتخابية العمالية تجاهلت الإشادة بالأثرياء ومساهمتهم في إنعاش الاقتصاد، بل غالباً ما توجه الخطاب إلى هؤلاء بشكل سلبي وأحياناً هجومي، حتى ظهر "العمال" وكأنهم يعودون مجدداً نحو اليسار الراديكالي، المناهض لـ"الرأسمالية غير المسؤولة"، والثائر على الظلم الاجتماعي والفقر وعدم المساواة. كما ظهر الحزب وكأنه عاد إلى هيمنة النقابات المهنية، على حساب العلاقة مع مجتمع الأعمال الذي يوفر فرص العمل للطبقات التي يدعمها الحزب، وهذا ما ظهر وكأنه تناقض في الخطاب الانتخابي للحزب.

ورأى أومينا أن الوقت قد حان لمراجعة حزبية، تقوم على بناء شبكة علاقات بين مؤيدي الحزب ومنظمات المجتمع المدني، مع رؤية أكثر وضوحاً لبريطانيا في العالم، معتبراً أن "العمال" هو حزب الأممية والانفتاح، وعليه أن يشرح للجماهير كيف يمكن توظيف نقاط القوة في بريطانيا، مثل الجامعات والصناعة والابتكار، والتنوع السكاني، والعلاقات الدولية، خصوصاً مع الاتحاد الأوروبي، لتحسين حياة البريطانيين.

أما زعيم حزب "العمال" الأسبق، توني بلير، فكتب مقالاً اعتبر فيه أن السبب الرئيسي لخسارة حزب "العمال" يكمن في تراجع إيد ميليباند عن "الطريق الثالث"، وتخليه عن "العمال الجديد" الذي وضع أساسه بلير في العام 1997. وأصر بلير على أن خروج حزب "العمال" من الهزيمة الأخيرة، لا يمكن أن يتحقق دون الرجوع الى وسط السياسة البريطانية. وقال في مقال نشره في صحيفة "أوبزرفر" إن "الطريق إلى القمة لا يكون إلا بالعودة إلى الوسط"، حيث يُمكن الاحتفال بنجاحات رأس المال بالتوازي مع إصلاح قطاعات الخدمات العامة، ومحاربة الظلم، و حيث يُمكن تشجيع المثابرين واحترام تطلعاتهم وتقدير دورهم ومساهمتهم في دفع عجلات الاقتصاد والتنمية، بالتوازي مع بناء دولة "الرحمة والرعاية" للأفراد الأقل حظاً، على حدّ تعبيره.

تنافس القيادة 

في غضون ذلك، حسم اجتماع اللجنة التنفيذية الوطنية للحزب، أمس الأربعاء، الجدل الذي وقع بين قيادات الحزب حول توقيت انتخاب زعيم للحزب، بعد أن تم التوافق على انتخاب الرئيس الجديد للحزب ونائبه، وإعلان النتيجة قبل أسبوعين من انطلاق أعمال المؤتمر العام السنوي للحزب والمقرر انعقاده يومي 27 و28 سبتمبر/ أيلول المقبل.
كما توافقت اللجنة التنفيذية على أن لا يكون الرئيس المنتخب ونائبه من نفس الجنس، بحيث يجب أن يكون أحدهما رجلاً والآخر امرأة.
غير أن الأمر الذي لم يحسم بعد، هو لمن ستكون الغلبة بعد انتهاء الصراع الدائر بين الجناحين الأكبر في الحزب، جناح "الطريق الثالث" أو "البليرية"، الذي زرع بذوره الأولى توني بلير، ويميل إلى أخذه نحو "يسار الوسط" والتخلص من هيمنة النقابات المهنية التي طالما تحكمت بالحزب وسياساته، وجناح "الحرس القديم" المدعوم من النقابات المهنية، والذي يتمسك بيسارية الحزب التقليدية.

وعلى الرغم من أن الزعيم السابق للحزب، توني بلير، قال إن "اختيار زعيم جديد للحزب هو أمر مهم، فإن الأهم هو اختيار اتجاه للحزب"، غير أن  التنافس على قيادة الحزب قد انطلق فعلاً بين التيارين البارزين، إذ كان أول المتقدمين عن التيار "البليري" وزير الأعمال السابق في حكومة الظل العمالية، شوكا أومينا، الذي ينحدر من أب مهاجر نيجيري وأم إيرلندية.
بدورها، أعلنت وزيرة الصحة في حكومة الظل السابقة، ليز كاندال، ترشيح نفسها. أما تيار "الحرس القديم" المدعوم من النقابات المهنية، والأكثر ميلاً نحو اليسار، فيمثله أندي بورنهام، ويافيت كوبر.
---------------

وعلى الرغم من استبعاد نفسه من السباق على زعامة حزب "العمال"، يظل اسم وزير الخارجية البريطاني الأسبق، ديفيد ميليباند، الأقوى بين المرشحين لقيادة الحزب في المرحلة المقبلة. ومع أن الأخير اختار في السنوات الأخيرة "النفي الطوعي" إلى الولايات المتحدة للعمل هناك، بعيداً عن شقيقه الذي نافسه على زعامة الحزب في العام 2010، لم ينقطع تماماً عن الحزب، وظل على تواصل دائم مع قياداته، دون أن يثير حفيظة أخيه. ويبدو أن ديفيد ميليباند نقيض شقيقه المستقيل، إذ إنه من أقوى أنصار "الطريق الثالث" أو التيار "البليري" الذي يرى مستقبل حزب "العمال" في وسط الطيف السياسي البريطاني وليس على يساره، وربما هذا ما يجعله أكثر قبولاً في الحزب، لاسيما من طرف من يحمّلون شقيقه مسؤولية الخسارة المهينة التي لحقت بالحزب. ومع ذلك، يرى البعض أن شبح إيد ميليباند، قد يحول مجدداً دون وصول شقيقه إلى سدة زعامة الحزب، لأن قواعد الحزب والكثير من قياداته التي تشعر بالإحباط  لم تعد تطيق سماع اسم "ميليباند" حتى لو كان اسمه الأول ديفيد.

أما المراقبون من خارج الحزب، فيعتقدون أن حزب العمال يحتاج الى ما هو أكثر من رئيس تقليدي، كما يحتاج إلى إستراتيجية جديدة وواضحة تعيد تعريف هويته السياسية وموقعه على خارطة الطيف السياسي البريطاني، ولا سيما أن الحزب تاه في السنوات الخمس الأخيرة بين القوى المتنافرة داخل قياداته، بين من يدعم حزب "العمال الجديد" بتوجهاته "البليرية"، وبين من يشد الحزب إلى أصوله اليسارية التقليدية.

المساهمون