تتعدّد مؤخراً الدراسات التي تعيد النظر في العلمانية على ضوء القضايا الحرجة الأخرى في عصرنا، ضمن السعي لتحقيق التوازن بين جميع المواطنين، والذي يكفل المساواة بينهم في ممارسة الحرية الدينية، وكذلك في إدارة التنوّع بما يكفي لاستعياب الفوارق بين أتباع الأديان المختلفة.
تنظّم مكتبة "الشبكة العربية للأبحاث" في تونس العاصمة، عند الثانية من بعد ظهر بعد غدٍ السبت، جلسة نقاشية حول النسخة العربية من كتاب "العلمانية وحرية الضمير" للباحثيْن جوسلين ماكلور وتشارلز تايلور، والتي أصدرتها حديثها بترجمة الأكاديمي محمد الرحموني الذي يقدّم مع الباحث منير الكشو ورقتين حول الكتاب.
يقف الضيفان عند الرؤية الأساسية للكتاب المتمثّلة بالتفكير في المبادئ الأساسية التي قد تسمح بالتعاون الاجتماعي في المجتمعات التي تتميّز بالتنوع العميق، والآثار المؤسسية لهذه المبادئ، وأخلاقيات المواطنة التي من المرجح أن تدعم هذه المعايير والمؤسسات.
ويرى ماكلور وتايلر في مؤلّفهما أن النمطين المعاصرين من العلمانية؛ علمانية منفتحة وهي العلمانية الليبرالية أو التعدّدية؛ وأخرى متشدّدة وهي العلمانية الجمهورية، يواجهان صعوبة في الحفاظ على حياد مثالي فيما يتعلّق بالدين.
يجادل المؤلّفان بأن العلمانية تعتمد على وضعين عمليين؛ الفصل بين الكنيسة والدولة، وحياد الدولة تجاه الأديان، ما يؤدي إلى إرباكات عديدة في ممارستهما عندما تركز الدولة على الوسائل بدلاً من الغايات، وتضاربات للمكوّنات الدينية المختلفة.
في هذا السياق، يعقدان مقارنات عبر وصف سلسلة متصلة من النموذج الجمهوري الأكثر جموداً وصرامة، مقابل النموذج الليبرالي التعددي الأكثر مرونة واستيعاباً والأكثر قدرة على التركيز على التوفيق الأمثل للمساواة بين الاحترام وحرية الضمير.
ويلفتان إلى أن النمط الأوّل من العلمانية يعدّ حصيلة مراجعات وتقييمات وإعادة نظر لمفهوم العلمانية وتاريخها وأهدافها، وأمّا الثاني فظلّ مشدوداً إلى الماضي متمسكاً بـ"الأصول"، ومع تطوّر المجتمعات الديمقراطية الحديثة ومع العولمة أضحت التعريفات التقليدية للعلمانية، من قبيل "العلمانية هي الفصل بين الدين والدولة" أو "العلمانية هي استبعاد الدين من الفضاء العمومي"، تعريفات مبسطة، نتيجة الخلط بين غايات العلمانية وطرقها الإجرائية.