"العقد الاجتماعي": ثلاث قراءات فلسفية

21 يوليو 2019
هناء مال الله/ العراق
+ الخط -
قبل تبلوّر نظريات في شكل الدولة المدنية ودساتير راسخة تعترف بمنظومة متكاملة من الحقوق والحريات، شهدت أوروبا خلال القرن الثامن عشر تنظيرات لعدد من الفلاسفة قدّموا مقاربات عميقة، تراكمت ضمن سياق معرفي في القرن الذي يليه، من أجل إعادة النظر في العلاقة بين الحاكم والمحكوم.

صدر عن سلسلة "طي الذاكرة" في "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" كتاب "العقد الاجتماعي"، وهو ترجمة عبد الكريم أحمد لكتب كلّ من دافيد هيوم وجان جاك روسو وجون لوك حول الموضوع نفسه.

لا يكتفي الكتاب بوضع نصوصهم في متناول القارئ العربي، إذ إن آثارهم متاحة بترجمات عربية عدة، إنما يعيد تأكيد الأهمية الراهنة لما كتبوه في زمانهم، حين اجتهدوا باحثين عن شرعية بديلة من شرعية دينية متهافتة كانت يوماً ما أساساً للحكم في أوروبا، تتحدد على أساسها، أي الشرعية الجديدة، العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وحقوق كل منهما وواجباته.

والغاية من العودة إلى "العقد الاجتماعي" هي استعادة اهتمام المفكرين والسياسيين العرب قبل نصف قرن تقريباً بهذه النصوص، حين كانوا يبحثون عن صيغ معاصرة لتأسيس دولة عربية وطنية حديثة.

يتألف الكتاب من مقدمتين، أولى بقلم سير إرنست باركر، وثانية كتبها هيوم بعنوان "العقد الأصلي"، ومن أربعة كتب تكوّن "العقد الاجتماعي" لروسو، ومن رسالة جون لوك وعنوانها "في الحكم المدني"، تقع في تسعة عشر فصلاً.

يطرح روسو العديد من الأفكار الأساسية، والتي يشكّل منطلقها اتفاقات نشأ منها النظام الاجتماعي الذي يعدّ حقًا مقدسًا وأساسًا لكل الحقوق الأخرى؛ فهذا الحق غير مستمد من الطبيعة، ومفهوم العقد الاجتماعي مكون من فكرتي عقد الحكم، أي قيام الدولة على عقد بين الحاكم ورعيته، وعقد المجتمع الذي يوجد المجتمع نفسه.

ويناقش قضايا أخرى تتعلّق بالأسرة والعبودية والميثاق الاجتماعي والحرية المدنية والمساواة القانونية والمعنوية محلّ المساواة الطبيعية، وحدود السلطة السياسية وسيادة القانون والنظم المختلفة للتشريع والحكم بوصفه ممارسة مشروعة للسلطة واليدمقراطية والرقابة والدين.

في الرسالة الثانية، "في الحكم المدني"، لجون لوك تسعة عشر فصلًا، والتي يبدؤها بـ"مقال في النشأة الحقيقية للحكم المدني ومداه وهدفه" يقول فيها إن "كل من لا يرى أن كل حكم في العالم هو نتاج القوة والعنف، وأن الناس تحكمهم شريعة الوحوش، لا بد من أن يجد نشأة أخرى للحكم وأصلًا آخر للقوة السياسية وطريقة أخرى في تحديد من يتولونها".

ويرى أنه كي نفهم القوة السياسية فهماً صحيحاً، يجب أن نفكر في الحالة التي عليها الناس بالطبيعة، وهذا يعني حالة الحرية الكاملة في تنظيم أفعالهم والتصرف في ممتلكاتهم وأشخاصهم كما يتراءى لهم، في حدود قانون الطبيعة.

ويتناول لوك العديد من المسائل، منها حالة الحرب، والعبودية، والملكية، والسلطة الأبوية، والمجتمع السياسي أو المدني، وأهداف المجتمع السياسي والحكم، وصور المجتمع المنظم، والسلطات التشريعية والتنفيذية والاتحادية للمجتمعات المنظمة، والطغيان والاستبداد.

المساهمون