إنها إما صور الأطفال الجائعين التي بدأت في الظهور في الثمانينيات وما زالت مستمرة إلى اليوم، أو صورة العنف ومشاهد تجمّع المعذبين والمرضى والمناطق الفقيرة، أو صور الحيوانات الوحشية والسفاري، لكن هل هذه هي أفريقيا فقط؟ أم أن هذا ما يريد العالم الناهب لثرواتها أن يُظهر منها؟ أن تبدو دائماً بلاد بريّة متوحشة بحاجة دائمة إلى العون والإغاثة والتدخل والدواء.
ماذا عن الثقافة العربية؟ ماذا تحمل من تصوّرات عن أفريقيا، وما هي الكليشيهات التي تتبناها عنها؟ وفي المقابل كيف يفكّر الأفارقة فينا كعرب؟ وماذا يحملون من تصوّرات نمطية عنا؟ وهل جرى ملء صورة كلّ منا عن الآخر من قبل الغرب عبر السنين بسبب الماضي الاستعماري الذي عاشه الطرفان وتأثيراته الحاضرة إلى اليوم؟
في هذا الصدد، ينطلق المؤتمر السنوي الدولي الثاني يعنوان "الصورة الذهنية المتبادلة بين العرب والأفارقة"، الذي تعقده "الجمعية العلمية للشؤون الأفريقية"، عند الحادية عشرة من صباح السبت المقبل، الثالث والعشرين من الشهر الجاري.
يشارك في المؤتمر مجموعة متخصّصة من الباحثين من العالم العربي وأفريقيا، ويسعى إلى تشكيل منتدى أفريقي عربي لمناقشة قضايا المشتركة بعيدة عن السياسي والاقتصادي وقريبة من الثقافي والاجتماعي والتربوي والتعليمي، وهي مجالات قلّما جرى التطرّق جدياً إلى كيفية تطوير التعاون فيها وأخذها إلى أفق أوسع.
يلتفت المؤتمر أيضاً إلى المناهج الدراسية العربية والأفريقية والعمل على تغييرها وتقديم صورة أكثر واقعية ووضوحاً ومعاصرة عن كل طرف عند الآخر.
يناقش المشاركون عدداً من المحاور المهمة، منها سمات الصورة الذهنية للعرب والأفارقة في الكتب الدراسية، في التعليم ما قبل الجامعي والجامعي والأزهري والمدارس الدينية والإرساليات، وأيضاً سمات الصورة الذهنية المصوّرة والمجسّدة بين العرب الأفارقة في مجالي الفنون والأدب من السينما، والمسرح، والرواية، والقصة قصيرة.
تتطرّق الجلسات إلى مضامين العلاقات الثقافية العربية - الأفريقية، والأفريقية - الأفريقية، ودور بلدان الشمال الأفريقي ذات الهوية المشتركة، والتعليم والثقافة في المحيط العربي الأفريقي، كما يضع المؤتمر رؤية مستقبلية للتعامل مع الصور الذهنية السلبية.
يرى القائمون على المؤتمر أن "البلدان العربية والأفريقية لم تتمكّن من تحقيق نقلة حقيقية إلى التعاون بين الشعوب على الجانبين رغم وجود أسس قوية لهذه القيم الإنسانية، وأن كلّ ما يفعله العرب الآن في مجال التعاون العربي الأفريقي هو عمل سياسي واقتصادي، وهي وسائل عمل وليست غايات، ولا تقوم على قاعدة لتفاهم ثقافي وفكري عميق".
وأشارت الجمعية، إلى أن "مسألة الصورة الذهنية المتبادلة بين العرب والأفارقة مثار جدل وتحتاج إلى مزيد من البحث، حيث هناك صورة سلبية من كل طرف عربي أفريقي تجاه الآخر، ولا تزال راسخة في ذهن كلّ منهما، رغم وجود تراث مشترك، وسابق خضوع للاستعمار الأوروبي، ونضال مشترك ضده، إضافة إلى استمرار الخضوع للتبعية الاقتصادية للغرب، وتعمق مضامينها، إلى جانب العولمة، التي تسارعت خطاها عقب انتهاء الحرب الباردة وفرضت ضغوطا على الطرفين".