وصرّح المحامي بنيديكت دو مورلوز، من "تريال إنترناشيونال"، لـ"العربي الجديد"، أن "هذه التسجيلات المصورة هي جزء من الأدلة التي تُحمّل سرايا الدفاع المسؤولية الحصرية بخصوص مجزرة تدمر الرهيبة. وبما أن رفعت الأسد كان قائدها الأوحد، فتجب ملاحقته قانونياً واتهامه بهذه الجرائم".
ويذكر المجندان تفاصيل خدمتهما العسكرية في صفوف اللواء 40 من سرايا الدفاع، والذي قاده معين ناصيف، زوج ابنة رفعت الأسد، تماضر الأسد. وكان رفعت الأسد قد تسلم قيادة سرايا الدفاع، التي كانت قوة عسكرية خارج الجيش مسؤولة عن حماية العاصمة دمشق، قبل أن يتم دمجها في الجيش السوري بشكل أساسي تحت اسم الفرقة الرابعة الحرس الجمهوري. كما تولى رفعت الأسد منصب نائب رئيس الجمهورية إلى حين نفيه خارج البلاد في أواسط الثمانينيات من القرن الماضي.
وذكر كلا المجندين، واللذين ينتميان إلى قريتي القويقة ويحمور في الساحل السوري، أنهما التحقا بسرايا الدفاع في معسكر القابون في العاصمة دمشق، وخضعا لدورات التدريب العسكري المعتادة لكتائب المشاة في ذلك الحين.
وبعد أن أنهيا هذه التدريبات، تم فرزهما لمجموعة حراسة، معين ناصيف، التي تكونت من 25 عنصراً. ويذكر المجندان أن اقتحام سجن تدمر كان مهمتهما الأولى في السابع والعشرين من يونيو/ حزيران 1980، والذي كان اليوم التالي لمحاولة اغتيال حافظ الأسد، على يد جماعة الإخوان المسلمين.
ويقول أحد هؤلاء: "تعرض سيادة الرئيس حافظ الأسد لمحاولة اغتيال. فجر اليوم التالي فيّقونا الساعة 3 بالليل وقالوا لنا اجتماع باللباس الميداني الكامل مع أسلحة القتال. واجتمعنا بالساحة وأخذونا لسينما باللواء 40". حيث كان بانتظارهم الرائد معين ناصيف قائد اللواء. وتابع قائلاً: "ألقى (ناصيف) كلمة وقال هدول عصابة الإخوان المسلمين ما عم يفرقوا بين مسلم علوي ومسلم سني ومسيحي. وعم يقتّلوا بالشعب. ومبارح حاولوا اغتيال الرئيس. لذلك اليوم رح تقوموا بهجوم على أكبر وكر لهم وهو سجن تدمر".
وذكر المجندان خروج نحو 100 من عناصر اللواء 40 إلى مطار المزة القديم، لتلتقي المجموعة بنحو 100 آخرين من اللواء 138 والذي كان تحت قيادة المقدم علي ديب.
وانطلق المجندون مع قادتهم من الضباط إلى تدمر باستخدام الطائرات المروحية، ليصلوا وجهتهم عند الساعة السادسة والنصف صباحاً. وهناك جرى فصل العناصر إلى مجموعة اقتحام وأخرى ظلت في المطار.
ويبين المجند الذي شارك في عملية الاقتحام أن العناصر المهاجمة وزعت في نحو 6 مجموعات أو أكثر، في كل منها ما يقرب من 10 عناصر. ليصل عدد مقتحمي السجن إلى 60 عنصراً على الأقل.
ويعترف المجند بأنه شارك في عمليات القتل داخل مهاجع السجن، حيث قتل 15 شخصاً من المجموع الكلي للمعتقلين في سجن تدمر، والذي كان يقدر بنحو 500-600 شخص، وجرت تصفيتهم جميعاً. بينما فقدت سرايا الدفاع أحد عناصرها.
وذكر المجند أن المعتقلين كانوا عزّلاً من دون أسلحة ليدافعوا بها عن أنفسهم. بل كانت الشرطة من حراس السجن قد أجرت تفقداً للمعتقلين قبل بدء العملية، لضمان تواجد الجميع. كما جرى إعدام المصابين من المعتقلين، "وفي كمان ضابط أطلق نار على واحد ما قتل قلي تعا كفي عليه".
أما المجند الآخر فقد كان من بين مجموعة الاحتياط ولم يشارك في عملية الاقتحام. ووصف الأمر قائلاً: "بعد ثلث أرباع الساعة من دخولهم من باب السجن الخارجي. بدأنا نسمع صوت إطلاق نار. مع صوت انفجار، دوي قنابل، ويقدر عدد القنابل بحوالى 7 قنابل تفجّرت هناك. ودام إطلاق النار حوالى ثلاث أرباع الساعة تقريباً وبعده طلعوا العناصر من السجن". وأضاف: "لما طلعوا العناصر من السجن كان في بعض الناس ملطخين ثيابهم بالدماء".
ونقل المجند عن مشاهدات رفاقه الذين شاركوا في عمليات الإعدام أن المعتقلين كانوا يترجونهم عدم إعدامهم والإبقاء على حياتهم، من دون أن يترك ذلك أثراً. "كانوا يفوتوا عالغرفة اللي فيها السجناء. يفتحوا الباب. ويطخوهم مباشرة من دون أي سؤال أو أي كلام". وأضاف: "كانوا يستنجدون وكانوا يقولون لنا الله أكبر وكانوا يقولون لنا مشان الله ومشان محمد... قال لي إنه ما كانوا يستمعوا للحكي نهائياً. وطخوهن (أطلقوا عليهم النار). وبعدين طلعوا".
وبعد انتهاء العملية التي استغرقت نصف ساعة وتخللها دوي القنابل وصيحات المعتقلين، عادت عناصر سرايا الدفاع إلى مطار المزة القديم، وتوجهوا بعد ذلك إلى ثكنة اللواء الخاص به. ليقوم معين ناصيف بالثناء على جهودهم. "الرائد معين ناصيف. ألقى فيهم كلمة شكر. بعدني بذكر منها إنه إنتو قمتوا هلق بعمل بطولي وبعمل رجولي. مع العلم أنه أول مرة بنكلفكم بهيك مهمة".
وتدين شهادات المجندين العديد من الضباط الذين قادوا الاقتحام وزملائهم، والذين تباهوا أمامهم بقتل المعتقلين، أو لرؤيتهم عمليات الإعدام بأنفسهم.
وتعود الشهادتان إلى العام 1981، وبثهما التلفزيون الأردني بعد أن اعتقل المجندان على خلفية محاولة سرايا الدفاع اغتيال رئيس الوزراء الأردني مضر بدران.