"العربي الجديد" يكشف تفاصيل تحرير الدبلوماسيَّين التونسيَّين من ليبيا

29 يوليو 2014
المرزوقي خلال استقباله الدبلوماسيين المحررين (ياسين غيدي/الأناضول/Getty)
+ الخط -
كشفت مصادر مطّلعة في العاصمة الليبية طرابلس، لـ"العربي الجديد"، بعض التفاصيل التي رافقت عملية اطلاق سراح الدبلوماسيَين التونسيَين، محمد بالشيخ والعروسي القنطاسي، اللذين اختطفا في لبيبا قبل أن يتم الافراج عنهما أواخر شهر يونيو/ حزيران الماضي. 

وأشارت المصادر إلى أن الشخص الذي ضمن إتمام عملية الافراج هو شعبان هدية، المسؤول الأول عن "غرفة عمليات ثوار ليبيا" الفاعلة والقوية في البلاد.

وقالت المصادر إن هدية توجّه الى تونس والتقى مسؤولين تونسيين قبل الإفراج عن الدبلوماسيين لتأكيد هذه الضمانة، والتأكد في نفس الوقت من الوعود التونسية بتسليم الليبيين المسجونين في تونس بالطرق القانونية. موقف تمسكت به تونس منذ بدء المفاوضات مع الجهة الليبية الخاطفة التي كانت تطالب بإطلاق سراح حافظ الضبع، المكنى بـ"أبو أيوب"، وعماد اللواج بدر، المكنى بـ"أبو جعفر الليبي"، المحكومين بالسجن لمدّة 20 عاماً في تونس، جرّاء اتهامهما بالقتل مع سبق الإصرار، والتآمر على أمن الدولة، وتشكيل عصابة، والاحتجاز، واجتياز الحدود، وإدخال أسلحة بطريقة غير شرعية.

وشعبان هدية شخصية ليبية فاعلة ومهمة جداً، كشفت المصادر لـ"العربي الجديد" أن سفراء خمس دول هي الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا ذهبت اليه مجتمعة للقائه كدليل على المكانة والتأثير الذي يتمتع به مع "غرفة عمليات ثوار ليبيا" في البلاد.

وذكرت المصادر أن دوره كان حاسماً في ملف الدبلوماسيين التونسيين والوصول به الى النهاية الإيجابية، باعتباره الضامن المسؤول امام الطرف الليبي.


دور الوسطاء وسفير تونس

وكشفت المصادر عن أن المفاوضات عرفت مراحل عديدة، وأكثر من وسيط، من بينهم وزير الداخلية الليبي السابق، محمد الشيخ، والرجل القوي في ليبيا عبد الحكيم بلحاج، ووسيط ثالث من شرق ليبيا رفضت الكشف عنه لأسباب أمنية.

وقالت المصادر إن السفير التونسي في ليبيا، رضا بوكادي، هو الذي أدار العملية كاملة في طرابلس، وأنه كان الممسك الحقيقي بكل خيوط المفاوضات. وبعدما كانت عائلة المسجونين الليبيين في تونس، تريد أن يكون الشيخ وسيطاً وحيداً، إلا أن الجهة التونسية رفضت ذلك وعقدت اجتماعات بين كل الوسطاء لتنسيق العملية.

وبالعودة الى بدايات الأزمة وأسباب التصعيد التي وصلت الى حد اختطاف الدبلوماسي الأول ثم الثاني، محمد بالشيخ والعروسي القنطاسي، كشفت المصادر لـ"العربي الجديد" أن الطلب الليبي بتسليم المسجونين كان منذ سنة 2012. وأشارت إلى أن رئيس المؤتمر الوطني العام آنذاك، محمد يوسف المقريف، طلب من السلطات التونسية النظر في إمكان تلبية الطلب. ويبدو أن المقريف أرسل ممثلاً عنه الى تونس، غير أن حساسية الملف منعت التعاطي مع هذا الطلب أو حتى دراسته.

الموقف التونسي

ورجّحت المصادر أن عائلة المسجونين الليبيين قد تكون لجأت الى إحدى المجموعات الليبية المتشددة، للقيام باختطاف مسؤولين تونسيين في ليبيا لمقايضتهم، غير أن السفير التونسي في ليبيا، ووزير الخارجية منجي حامدي، والحكومة التونسية، كانوا يرفضون أن يتم التعاطي مع الملف على شاكلة التعاطي الأردني أو المصري، وأصرّوا أن تتم معالجة الموضوع بعيداً عن كل أشكال الضغط أو الابتزاز.

وأوضحت هذه المصادر أن لهجة السفير التونسي، رضا البوكادي، كانت حادة وقاطعة في هذا الاتجاه، حتى مع الحكومة الليبية، وهو ما دفع الى ضغوط سياسية وقبلية وأمنية على العائلة والجهة الخاطفة، لضمان سلامة الدبلوماسيين المختطفين أولاً، ثم إطلاق سراحهما مع ضمان أن يتم تسليم المسجونين الليبيين في مرحلة لاحقة، عبر الأساليب القانونية أي الاعتماد على معاهدة الرياض في تبادل السجناء.

وقالت المصادر "إننا ندرك أن تونس هي المتنفس الأهم لليبيا إن لم يكن الوحيد، وأن طبيعة العلاقات بين تونس وليبيا وتشابك المصالح دفع الى مزيد من الضغوط على الجهة الخاطفة للاقتناع بالموقف التونسي والقبول بالتعاطي بشكل مختلف عن ملف السفير الأردني" (الذي كان مختطفاً في ليبيا وأُطلق سراحه أيضاً في مايو/أيار الماضي).

ويبدو أن السلطات التونسية قدّمت ضمانات في هذا الاتجاه، إذ ذكرت المصادر لـ"العربي الجديد" أن الرئيس التونسي، المنصف المرزوقي، قال إبان استقبال المحررين في المطار، إن "الدولة التونسية ستفي بتعهداتها". وهي الجملة المفتاح في هذه القضية التي تعني إيفاء تونس بتسليم المسجونين الليبيين الى سلطات بلادهم.

إضافة إلى ذلك، فإن الرئاسة التونسية أوفدت مبعوثاً الى العاصمة الليبية طرابلس، والتقت الوسطاء وأطرافاً أخرى على علاقة بالملف، في إشارة الى الدور المهم للرئاسة التونسية فيه، واستقبال مستشارين في الرئاسة التونسية، ثم لقاء المرزوقي بمحمد الشيخ، الذي كان أحد الوسطاء، بعد انتهاء الأزمة وتحرير المخطوفين.

لماذا لوّح السفير التونسي بالاستقالة؟

كان السفير التونسي في ليبيا قد أشار، بعد عودة الدبلوماسيين الى تونس، الى أنه قد يستقيل من منصبه. وقد حاول "العربي الجديد" التأكد مما إذا كانت الاستقالة مطروحة حتى الآن، ولكنه رفض التعليق على ذلك. ويقول مقرّبون من السفير في تونس إن أسباب الاستقالة تعود الى خلافات واضحة في إدارة هذا الملف أساساً، وفي ما يتعلق بتصرف بعض المسؤولين في وزارة الخارجية (غير الوزير).

كما يرون أن السفير عُومل بجحود كبير في هذا الملف، وبعض الأطراف (موظفون رفيعو المستوى) كانت تدفع في اتجاه عرقلة عمله وإخراجه من دائرة الاهتمام بسبب انتمائه الى حركة "النهضة".

وبحسب المقربين من السفير، فإن هذه الأطراف لم تكن تريد نسبة أي نجاح له في النتيجة الإيجابية لهذا الملف، بالإضافة الى اختلافات جوهرية في كيفية التعاطي مع بعض المواضيع المهمة في العلاقات التونسية الليبية.

تونس تتجنب الأسوأ؟

رغم ذلك، ألمحت المصادر إلى أن تونس استفادت من ملف الدبلوماسيين استفادة كبيرة، نتيجة المفاوضات والعلاقات غير الرسمية التي نشأت مع بعض الجهات التي قد تكون ساهمت في منع حدوث اعتداءات "إرهابية" كبيرة على تونس خلال شهر رمضان، من دون أن تفصح المصادر عن نوعية أو مصدر هذا التهديد.

ويبقى المهم في صفقة الدبلوماسيين المحررين في ليبيا، أن تونس قد أعلنت بوضوح، لكل هذه المجموعات، أن أسلوب الضغط والابتزاز لا يمكن أن يؤدي الى أي نتيجة، وهو ما يجنبها ربما تكرار العملية نظرياً.

المساهمون