"العربي الجديد" في جبهة باقِم: بوابة صعدة

18 يونيو 2018
باقم نقطة استراتيجية للدفاع عن صعدة (خاص العربي الجديد)
+ الخط -




تضغط قوات الحكومة الشرعية باليمن باتجاه مركز مديرية باقم بمحافظة صعدة بقوة قوامها أربعة ألوية عسكرية مسنودة بمقاتلات التحالف، في مسعى لتحقيق اختراق في المحافظة التي تعد معقل الحوثيين الأول، وترصد "العربي الجديد" أجواء تلك الجبهة التي تعد من أكثر الجبهات القتالية سخونة وأشدها ضراوة.

تقع مديرية باقم أقصى شمال صعدة ممتدة على مساحة ألف كيلومتر مربّع، وترتبط مع السعودية عبر منفذ عَلْب الحدودي الذي يبعد عن مدينة صعدة نحو 90 كيلومتراً، وعن مدينة ظهران الجنوب السعودية مسافة 18 كيلومتراً. ومنذ ديسمبر/ كانون الأول 2016، أصبح المنفذ بيد قوات الحكومة التي توغلت إليه من داخل الأراضي السعودية بعد معارك عنيفة سقط فيها العديد من الضحايا من الجانبين، الحكومة والحوثيين. ولا يزال منفذ علب مغلقاً إلى اليوم، ولا تزال آثار الدمار في كل مرافقه شاهدة على حجم المعركة التي تمت هناك، وبات مبنى الجمارك والجوازات وملحقاتهما أطلالاً مدمّرة بالإضافة إلى المسجد المجاور.

المنطقة جبلية صخرية شاهقة الارتفاع وشديدة الانحدار تتخللها أخاديد ضخمة يستخدمها الطرفان كتحصينات طبيعية عصيّة على الاختراق. ومن هذه المرتفعات نفّذ مقاتلو جماعة الحوثيين أكثر من هجوم على حرس الحدود السعودي وأطلقوا آلاف المقذوفات باتجاه مدينة ظهران الجنوب ومدن أخرى، فكان إجلاء الحوثيين من المنطقة أولوية هامة للسعودية لتأمين حدودها، كما كان هدفاً كبيراً لقوات الشرعية توغّلت منه إلى باقي أرجاء صعدة، معقل الحوثيين الأول ونقطة انطلاقهم المركزية ومسقط رأس أغلب قادتهم، وعلى رأسهم مؤسس الجماعة حسين الحوثي وزعيمها الحالي شقيقه عبدالملك ورئيس المجلس السياسي الأعلى مهدي المشاط وسلفه صالح الصماد، الذي قضى بضربة جوية للتحالف في مدينة الحديدة في إبريل/ نيسان الماضي. كما تحدثت مصادر الحكومة والتحالف عن احتواء صعدة على العديد من مخازن السلاح والعتاد العسكري ومعسكرات التدريب التابعة للجماعة، وبالتالي شكّلت جبهة باقم، شمالي صعدة، وكذلك جبهة الملاحيط غرباً، مصدري قلق حقيقي للحوثيين، ولهذا استمات الطرفان في هذه الجبهة باعتبار أنها موقعة فاصلة.



إلى الجنوب قليلاً من منفذ علب، ثمة سوق مكوّن من عشرات المحال المدمّرة كان بمثابة منطقة حرة لبيع المحاصيل والبضائع اليمنية للسعوديين والعكس. ثم تقود الطريق جنوباً إلى منطقة آل صبحان، وهي نقطة التماس القتالي الحالية بين قوات الحكومة والحوثيين وتبعد عن مركز مديرية باقم أقل من عشرة كيلومترات. وفي هذه المنطقة يمكن سماع القذائف المتبادلة بين الطرفين وكذلك الانفجارات الناجمة عن ضربات الطائرات، كما تُرى منها منطقة قريبة لا تزال في حوزة الحوثيين، تسمى أبواب الحديد، وهي شديدة التحصين. وعلى جانبي الطريق المؤدية إلى منطقة آل صبحان، كتبت شعارات متنوعة لقوات الشرعية، من بينها "قادمون يا صعدة"، "اليمن عربية وليست فارسية"، "اليوم باقم وغداً مرّان (مسقط رأس زعيم الحوثيين)". ويبدو أنه تمّ التخلص من أي شعارات خلّفها الحوثيون أثناء تواجدهم في هذا المكان. إلى ذلك، تتواجد بعض عربات الاتصال التابعة للشرعية مقدمة من التحالف وآليات أخرى مهمتها إزالة العوائق من الطريق الرئيس.

تتمركز الألوية العسكرية التابعة لقوات الشرعية في مناطق حصينة، كما هو الحال أيضاً بالنسبة لمقاتلي الحوثي، وينفذ الطرفان هجمات مباغتة، وتهدأ الجبهة نهاراً لتعود إلى الاشتعال ليلاً. وتتكون قوات الحكومة المرابطة في جبهة باقم من اللواء الثالث، واللواء الخامس، واللواء 63، ولواء الكواسر؛ والأخير معظم جنوده من المحافظات الجنوبية.

بدأت المعارك في جبهة باقم أواخر عام 2016، بواسطة اللواء الخامس حرس حدود التابع للشرعية بقيادة يوسف دهباش يومها. وقائد اللواء حالياً صالح يحيى قرْوَش، من أبناء صعدة، وقد فقد أباه وثلاثة من إخوته بنيران الحوثيين. وقد شهدت المواجهات تحولاً نوعياً لصالح قوات الشرعية، بعد انضمام اللواء 63 الذي التفّ عبر منطقة سبحْطل وصولاً إلى منطقة آل صبحان، وهو اللواء الذي يقوده العميد ياسر حسين مجلي، شقيق وزير الزراعة وعضو البرلمان الشيخ عثمان مجلي، أحد أبرز مشايخ محافظة صعدة، وقد خاض مع الحوثيين مواجهة عنيفة ربيع عام 2011 في مدينة صعدة، مركز المحافظة، وقفت إبانها معسكرات الدولة على الحياد.



وعُدّ تغلّب الحوثيين على آل مجلي في 19 مارس/ آذار 2011، محطة محورية بالسقوط الفعلي لصعدة بيد الحوثيين الذين أحرقوا وفجروا على أثرها منازل آل مجلي واستولوا على مزارعهم. وقد نزح مجلي مع أفراد أسرته وبعض أفراد قبيلته إلى السعودية، ومكث فيها حتى خريف عام 2013، وقفل عائداً إلى صنعاء ومنها إلى السعودية مرة أخرى قبل أسابيع من سيطرة الحوثيين على صنعاء في سبتمبر/ أيلول 2014. وقد استقطبت جبهة باقم العديد من المقاتلين من أبناء صعدة في صفوف الحكومة، ويوصف هؤلاء بأنهم الأكثر معرفة بتضاريس المكان والأكثر خبرة بأساليب حرب الحوثيين.

في تلك المنطقة الوعرة، قد يموت المقاتلون أو يقعون في الأسر بمجرد انقطاع المؤن ونفاد الذخيرة، وهي منطقة خالية تماماً من كافة أنواع الاتصالات، سواء شبكات الجوال أو الإنترنت، ويستخدم الجنود شبكات اتصال خاصة بهم. كما تبدو المنطقة الواقعة تحت سيطرة الشرعية، على جانبي الطريق الرئيسية، خالية من أي وجود للمدنيين علاوة على كونها في الأساس خالية من منازل المواطنين باستثناء القليل منها، بينها منزل حديث البناء تحيط به مزرعة قات وأخرى للرمان، وتوصف المنطقة بأنها تنتج أجود أنواع الرمان في اليمن. وفي باحة المنزل الخلفية تتراكم العشرات من صناديق الذخيرة بأنواعها، كذخيرة رشاشات، وذخيرة مدافع هاون، وذخيرة آر بي جي، وذخيرة الكلاشنكوف.

ويقول أحد الجنود لـ"العربي الجديد"، إن "قائد قوة الحزم السابق التابعة للشرعية ويدعى أبو منصر، قضى في ذلك المكان بقذائف الحوثيين، وهو من أبناء محافظة الجوف. وخلفه في الموقع العميد محمد حسين علي طالب، الذي ينتمي إلى المحافظة نفسها. وما هي إلا دقائق حتى أصرّ العميد طالب على العودة لمناطق حصينة خوفاً من أن نكون عرضة لرصاص قنّاصي الحوثيين المتمركزين على مسافة تبعد أقل من 350 مترا. علماً أن بعض الجنود يشددون أثناء التصوير على عدم أخذ الكادر الخلفي لمجال الصورة حتى لا يتعرّف مقاتلو الحوثي بعد نشر الصور على الأماكن التي يوجد فيها هؤلاء الجنود. كذلك يتم منع السيارات ذات الألوان المغايرة للون الطبيعة الجبلية من المرور في هذه المناطق، وذلك حتى لا ترصدها نواظير الطرف الآخر وتكون هدفاً لنيرانه.

في إطار مديرية باقم كان يوجد مخيم كبير للنازحين من أبناء صعدة، وتحديداً في منطقة مندبة، وقد أُخلي المخيم بعد تحذيرات من التحالف تقضي بإخلاء المناطق الحدودية من أي تجمعات للنازحين. علماً أن صعدة شهدت منذ 2004 وحتى اليوم أطول فترة مواجهات، حيث كانت مسرحاً للحروب الست بين الحكومة والحوثيين بين عامي 2004 و2010. وحصلت المحافظة على نصيب وافر من ضربات طائرات التحالف منذ انطلاق عملياته في مارس 2015. ولا تزال معاناة المدنيين ممتدة حتى الآن بانتظار أن تضع الحرب أوزارها.