"العربي الجديد" على متن "أسطول الحرية" لكسر حصار غزة

كوبنهاغن
5698EA23-7F4D-47FA-B256-09D7BCA82E5A
ناصر السهلي
صحافي فلسطيني، مراسل موقع وصحيفة "العربي الجديد" في أوروبا.
27 مايو 2018
180B9E47-ADBF-443D-87D7-9EB994A84587
+ الخط -
على متن سفينة "العودة"، أكبر سفن أسطول الحرية 2018 المتوجّه إلى غزة لكسر الحصار عنها، التي تقود باقي المراكب الآن نحو أمستردام، يطغى العلم الفلسطيني على سواه، مرفرفاً عليها وعلى القوارب المشكلة للأسطول، وذلك في إطار محاولة جديدة من بين محاولات عدة لكسر الحصار عن القطاع خلال السنوات العشر الأخيرة، التي سبقتها قوافل برية عبر مصر، انطلاقاً من الدول الإسكندنافية الثلاث؛ النرويج والسويد والدنمارك. واختار المتطوعون الدوليون ضمن أسطول الحرية هذه المرّة رفع شعارات "العودة" و"الحرية" و"فلسطين" على متن القوارب، وهو ما جذب أفراد الجاليات الفلسطينية ونشطاء سياسيين ووسائل إعلام محلية توافدوا إلى أرصفة الموانئ التي رست فيها القوارب، فضلاً عن جذبها المارة من المواطنين الذين كانوا يتوقّفون لطرح أسئلة عن هذه المبادرة، والأشخاص المشاركين فيها، والذين ترى كلاً منهم يقوم بعمله بشكل منظّم جداً.

وقد أتى هؤلاء الناشطون المتطوعون في إطار الأسطول من أكثر من بلد أو حتى قارة، بدءاً من كندا مروراً بأميركا ووصولاً إلى دول أوروبية وآسيوية مختلفة. ومن هؤلاء الناشطين من شارك في أكثر من رحلة سابقة من هذا النوع، أدّت ببعضهم إلى دخول سجون الاحتلال، إلى جانب منع بعضهم من دخول الأراضي المحتلة لمدة 10 سنوات. إلا أنّ ذلك لم يقف في وجه تصميمهم على العودة والمشاركة في هذه المبادرة الإنسانية من جديد، كما يقولون، حتى وإن أعيد اعتقالهم وإبعادهم.

عند رسو السفينة الكبرى، سفينة "العودة"، متبوعة بالمراكب الأخرى، في العاصمة الدنماركية، كوبنهاغن، وزّعت الأدوار كافة على المشاركين، وتحوّل الرصيف إلى ما يشبه خلية نحل، حيث بدأ الناشطون بتوزيع "بروشورات" على المارة، تعرّف بالرحلة وبقطاع غزة، وتشرح أوضاع صيادي القطاع الممنوعين من صيد السمك في مياه مدينتهم، إذ يحدّد الاحتلال لهم أميالاً قليلة للصيد فيها، ويطلق النار عليهم ويقتل بعضهم ويحرق مراكبهم. وكثيراً ما وقع جدال بين الناشطين والشرطة التي كانت تحوم بدورياتها في المكان. ولم يكد يمضي وقت طويل على رسو المراكب في كوبنهاغن، حتى تجمّع الفلسطينيون والمتضامنون مع القضية الفلسطينية وغزة أمام مكان رسو السفن، الذي تحوّل إلى ما يشبه المهرجان لتوديعها قبل أن تغادر.

وقبل الانطلاق، كان لافتاً للانتباه ليلاً وجود فتاتين دنماركيتين، غير مشاركتين في الرحلة، وتحملان مصابيح إنارة. وعند سؤال "العربي الجديد" عن دورهما، قالت الفتاتان "للأسف لم نستطع أن نكون على متن الأسطول بسبب الامتحانات الجامعية، لكننا نقوم بما أمكن كنشطاء على الأرض، نحن نحرس المراكب كي لا تتعرّض لأي مكروه، ونضيء المياه تحتها، لنتأكد من أن لا أحد يعبث أسفلها". وما يفاجئك هو اهتمام الشابة ليز، إحدى الشابتين، واطلاعها على مبادرات سابقة في هذا السياق، قائلة "لم أكن قد ولدت حين قام الموساد الإسرائيلي بتخريب مساعي سفينة العودة في قبرص عام 1988، وقتل أربعة فلسطينيين نشطوا في الحملة".

ومن خلال الحديث مع الشابتين، قبل انتهاء مناوبتهما في الثالثة فجراً، ذكرت ليز أنّه كان لأسرتها دور كبير لناحية فهمها قضية فلسطين، وتقول "عائلتنا من جيل الـ 1968 الذي عارض الحرب في فيتنام، وكان أهالينا يتحدثون دائماً عن الفلسطينيين وعن الاحتلال والنكبة".

صحيح أن بعض الصحافيين يشاركون في المغامرة، إلا أن "العربي الجديد" وسيلة الإعلام العربية الوحيدة على متن القوارب. ويقول عدد كبير من المتطوعين الأجانب: نريد بعث "رسالة واضحة إلى مجتمعاتنا، وحكوماتنا أولاً، تقول إنه لا يمكن السماح بأن يعيش أكثر من 2 مليون فلسطيني في البقعة الأكثر اكتظاظاً بالسكان، في ما يشبه سجناً كبيراً مفتوحاً، وعلى الفلسطينيين ألا يفقدوا الأمل؛ إذ يوجد من يفكّر فيهم، ويسعى بكل قوة لتحدي قوة الاحتلال والمحاصرين لهم"، وفق ما تقول لـ"العربي الجديد"، على متن قارب "الحرية"، الشابة السويدية، كارين أس، التي عملت متطوعة في السابق في مدينتي الخليل ونابلس مع النساء والأطفال الفلسطينيين.

 

ثلاثة أعوام من العمل

بكثير من الحذر، نشط هؤلاء الشباب من أجل تحقيق هدف انطلاق المراكب. وفي هذا السياق، يقول القبطان النرويجي الشاب، هيرمان إلياس راكستين، أثناء قيادته مركب "العودة"، فجر الأربعاء الماضي، "هذا المركب، وهو أكبر المراكب، جمعنا ثمنه من متبرعين وداعمين للقضية الفلسطينية، لقد اشتريناه في النرويج، وقمنا بتجهيزه بكثير من الحذر، إذ خشينا من تخريب عملنا، فاللوبيات المؤيدة لإسرائيل كان يمكن أن تنغّص عملنا، قبل أن ينتهي المتطوعون على الأرض من تجهيز المركب".

ويضيف راكستين لـ"العربي الجديد"، "منذ يناير/ كانون الثاني ونحن نرتّب السفينة، لكن رحلتنا هذه بدأ الترتيب لها منذ عام 2015، لتتوافق مع الذكرى السبعين للنكبة الفلسطينية، ولهذا سميناه العودة، ولافتاتنا تخبر الناس عن مفهوم حقّ العودة".

من جهته، يشرح رئيس اللجنة الدولية لكسر حصار غزة، العضو المؤسس لأسطول الحرية، زاهر بيراوي، لـ"العربي الجديد"، أن هذه السفن "جرى التأسيس لها منذ 10 سنوات، بهدف كسر الحصار البحري عن غزة، بعد أن جرت محاولات عدة لكسره برياً"، موضحاً أن "تحالف أسطول الحرية تشكّل من خلال منظمات عدة يصل عددها اليوم إلى 12 منظمة". ويعتبر بيراوي، القادم من لندن، الذي التقيناه في كوبنهاغن، أنّ "أسطول الحرية هذا العام يكتسب أهمية كبيرة، في ظلّ ما يتعرّض له الشعب الفلسطيني من قتل وخذلان وسعي نحو التطبيع، وغياب أدوار عربية وإسلامية رسمية على صعيد معاناة الشعب الفلسطيني ومحاولة فرض حلول تُنهي قضيته".


ويجمع الناشطون المشاركون في هذه المبادرة، الذين تتراوح أعمارهم بين 24 و74 عاماً، على اعتبار أنّ ما يقومون به "ليس منطلقاً فقط من إيمان بعدالة قضية فلسطين، بل مرتبط بالواجب الإنساني، وضرورة أن يكون لك موقف مبني على تضامنك الإنساني مع الشعوب المضطهدة"، وفق ما يؤكّد لـ"العربي الجديد"، الناشط الكندي المعروف كيفين ناش (61 عاماً)، الذي اعتقلته سلطات الاحتلال مرتين في السابق، ومنعته من دخول الأراضي المحتلة لمدة 10 سنوات، لكنه ما زال يصرّ على القيام بكل ما في وسعه، في سبيل وصول القافلة هذه المرة.

أما كيف استطاع هؤلاء الناشطون تدبّر هذه المراكب؟ فيقول ناش الذي كان على متن سفينة مرمرة عام 2010، وأصيب وسجن ورحّل، بعد الهجوم الإسرائيلي عليها، "البداية عادة تكون بالتوجه عبر المؤسسات الإنسانية والناشطين لجمع تبرعات ومنح، لتطبيق خطة شراء المركب، وبعدها يقدّم المقتدرون أموالاً لكي نصلح ونضيف على المراكب، لتجهيزها كي تتحمّل رحلة شاقة وطويلة نحو غزة". ولا ينسى القائمون على تسيير المراكب، وفق ناش، "تدريب الطاقم والمشاركين على مواجهة الظروف بأكملها، بما فيها تعرّض القوارب لسطو وإنزال عسكري، كما جرى مع سفينة مرمرة التركية، بعد الاستهداف الإسرائيلي لها، الذي ذهب ضحيته ناشطون ومتضامنون مع غزة وجرح غيرهم".

يبدو واضحاً أنّ ناشطي المركب الأكبر، "العودة"، الذي يوجد على متنه مراسل "العربي الجديد"، يهتمّون بتفاصيل كثيرة عن حياة الناس في قطاع غزة، ففي تقسيمات الطبقة الأولى من السفينة، حيث المنامة، من "غرف" ضيقة جداً وأسرّة مكومة فوق بعضها، تجد "جباليا" و"الشاطئ" و"رفح"، إذ يبدو أن إطلاق تلك التسميات على هذا المكان المحصور جداً ليس مسألة اعتباطية. وتقول مسؤولة الأسطول في نسخته الحالية، الناشطة اليهودية الإسبانية، زوهار تشامبرلين ريجيف، التي جاءت من بلادها، وبساق واحدة، لتقود هذه الرحلة الطويلة، "إمكاناتنا ليست إمكانات دول، وللأسف حتى الدول العربية غير مهتمة بالأمر، فنحن مضطرون لأن نعمل وفق المتاح. ومع ذلك نلتفت إلى أمر الضيوف الذين يصعدون على متن المركب، إذ نستغلّ ذلك كفرصة لنخبرهم عن واقع فلسطينيي غزة، ونوصل رسالتنا إليهم"، وفق ما توضح لـ"العربي الجديد".

والجدير ذكره في سياق هذه الرحلة أن كل المشاركين فيها، من القبطان حتى الطباخ ومسؤول غرفة المحرّك، متطوعون بلا أي أجر، وقد تركوا، بحسب القبطان النروجي، راكستين، أسرهم وأعمالهم خلف ظهورهم، ليكونوا على متن هذه الرحلة، "التي بُذلت جهود كثيرة لعرقلتها، في ظلّ غضب صهيوني واضح منها، ولعلّ ما جرى مع البحرية والشرطة الألمانية يؤكّد ذلك، إذ لا أظن أنها خطوة بريئة". ويشير راكستين إلى تعرّض المراكب لمضايقات وتوقيف في عرض البحر والصعود على متنها، أكثر من مرة، من قبل سلطات ميناء كييل (شمال ألمانيا)، وسط إلحاح على متابعتها وتفريقها، بعكس ما كان متفقاً عليه، وهو ما شتّت جهود فعاليات اليوم الأول للرسو في ميناء كييل، غير البعيد عن مكان صناعة الغواصات المصدّرة لدولة الاحتلال. وعلى الرغم من ذلك، أصرّ القائمون على الأسطول على المكوث في الميناء حتى أولّ من أمس الجمعة، ليتسنى للفلسطينيين، الذين حضر بعضهم من برلين خصيصاً لاستقبال القوارب، والمتضامنين الألمان، إحياء فعالياتهم مع المتطوعين على متن القوارب.



ذات صلة

الصورة
استعداد لاستقبال الأسرى أمام سجن عوفر (العربي الجديد)

مجتمع

تشكّل قضية معتقلي غزة في سجون الاحتلال التّحدي الأبرز أمام المؤسسات المختصة مع استمرار جريمة الإخفاء القسري، التي طاولت الآلاف من معتقلي غزة
الصورة
جهود إنقاذ بأدوات بدائية في شمالي غزة (عمر القطاع/فرانس برس)

مجتمع

تتواصل العملية العسكرية الإسرائيلية البرية في محافظة شمال غزة مخلفة مئات الشهداء والمصابين، فضلاً عن تدمير عشرات المنازل، وإجبار الآلاف على النزوح.
الصورة
آلية عسكرية إسرائيلية قرب حدود قطاع غزة، 6 أكتوبر 2024 (ميناحيم كاهانا/فرانس برس)

سياسة

شهر أكتوبر الحالي هو الأصعب على إسرائيل منذ بداية العام 2024، إذ قُتل فيه 64 إسرائيلياً على الأقل، معظمهم جنود، خلال عمليات الاحتلال في غزة ولبنان والضفة.
الصورة
فرق الدفاع المدني في غزة/2 أكتوبر 2024(الأناضول)

مجتمع

أعلن جهاز الدفاع المدني في غزة، مساء الأربعاء، توقف عمله بالكامل في محافظة شمال القطاع، مشيراً إلى أن الوضع الإنساني هناك بات كارثياً.
المساهمون