يُشكّل انتخاب زوهدو أرسلان رئيساً جديداً للمحكمة الدستورية العليا في تركيا خلفاً لرئيسها السابق هاشم كيليج الذي كان يجب أن يتقاعد في مارس/آذار المقبل بسبب وصوله إلى سن التقاعد، آخر فصول وضع حزب "العدالة والتنمية" يده على مفاصل الحكم في الجمهورية التركية.
وحصل أرسلان على أصوات أحد عشر قاضياً من أصل 17 قاضياً هم أعضاء المحكمة الدستورية العليا، ليشغل منصب رئيس المحكمة لمدة أربع سنوات مقبلة، وذلك في الوقت الذي أجريت فيه انتخابات محكمة التمييز العليا ليفوز برئاستها القاضي إسماعيل روشدو جيريت.
وانضم أرسلان إلى عضوية المحكمة الدستورية العليا في إبريل/نيسان من العام 2012 بقرار من الرئيس التركي السابق عبد الله غول، الذي اختاره من بين ثلاثة مرشحين تقدّمت بهم هيئة التعليم العالي، إذ كان أستاذاً في كلية الشرطة في أنقرة، ومحاضراً في "حقوق الإنسان" والدستور ومؤسسات الدولة، بعد أن حصل على ماجستير في حقوق الإنسان ودكتوراه في القوانين الدستورية من جامعة ليستر في المملكة المتحدة، وله الكثير من الكتب والمقالات في القانون الدستوري، ومنها كتاب بعنوان "حرية التعبير في قرارات المحكمة العليا الأميركية".
وقف أرسلان الأكاديمي الليبرالي الذي عمل لفترة في المحكمة العليا الأوروبية لحقوق الإنسان، إلى جانب حزب "العدالة والتنمية" أثناء الدعوى التي رُفعت أمام المحكمة الدستورية في العام 2008 لحلّه بحجة مخالفته قانون الأحزاب، معتبراً أن هذه الخطوة ليست إلا "انقلاباً قانونياً" يحاول إعادة البلاد إلى الفترة التي تلت انقلاب عام 1960. كما شارك أرسلان في مشروع كتابة "الدستور المدني" الذي روّج له "العدالة والتنمية" قبل الفشل في التوافق عليه مع المعارضة.
وفي الوقت الذي يؤكد فيه الكثير من المحللين الأتراك أن المحكمة الدستورية العليا بقيادة أرسلان لن تُصدر أي قرار يُزعج حكومة "العدالة والتنمية"، ستواجه المحكمة في المقابل الكثير من الملفات الحساسة، ومنها ما يتعلق بالمعركة الدائرة بين الحكومة التركية والكيان الموازي ممثلاً بحركة "الخدمة" بقيادة الداعية فتح الله غولان، كالدعوى التي رفعها حزب "الشعب" الجمهوري المعارض في أبريل/نيسان 2014 إلى المحكمة لإبطال القانون الذي مررته الحكومة في البرلمان العام الماضي، والقاضي بإغلاق معاهد دروس التقوية التابعة للحركة في موعد أقصاه سبتمبر/أيلول 2015 أو تحويلها إلى مدارس خاصة، بحجة مخالفتها لأحكام الدستور الضامنة للحريات.
ومن الملفات الأخرى أيضاً، الدعوى التي رفعها "الشعب" الجمهوري في يوليو/تموز الماضي إلى المحكمة لإبطال قانون يُنظّم عمل الاستخبارات التركية كان قد مرره "العدالة والتنمية"، والذي يجبر السلطات القضائية على الحصول على إذن من جهاز الاستخبارات قبل ملاحقة أي عامل فيه أو تتبُّع بعض الأعمال التي يشرف عليها الجهاز سراً، مع إمكانية امتناع الجهاز عن السماح للقضاء بالتحقيق في هذه الملفات، في حال رأى أن التحقيق فيها يمسّ سرية عمله ويهدد المنتمين إليه، كما سمح القانون للاستخبارات بمراجعة بيانات ومعلومات سرية للمشتبه فيهم.
في غضون ذلك، فاز القاضي اسماعيل روشدو جيريت برئاسة محكمة التمييز العليا، بحصوله على 280 صوتاً من أصل 495 صوتاً، خلفاً لرئيس المحكمة السابق علي ألكان الذي تقاعد.
وكان جيريت رئيساً لمحكمة الجزاء الثانية في منطقة أوكسودار في إسطنبول التي برّأت رئيس الجمهورية الحالي رجب طيب أردوغان عندما كان رئيساً لبلدية إسطنبول، في الدعوى التي أُطلق عليها "دعوى أكبيل"، التي رُفعت ضده وثلاثة من نواب "العدالة والتنمية" بتهمة اختلاس أموال وإهمال في العمل حول بطاقات النقل الذكية في إسطنبول والتي تُسمّى أكبيل، وذلك عام 2003، بعد أن أثارت هذه الدعوى عاصفة سياسية في العام 2002 حين كان الادعاء قد طلب فيها الحبس لأردوغان بما لا يقل عن 15 عاماً، ليصبح جيريت عضواً في محكمة التمييز العليا عام 2004.
وكان هاشم كيليج وعلي ألكان، اللذان تلقيا انتقادات شديدة من قِبل حكومة "العدالة والتنمية" أثناء فترة رئاستهما لكل من المحكمة الدستورية ومحكمة التمييز، وجّها انتقادات شديدة للحكومة، إذ دان كيليج تدخّل الساسة في القضاء، مشيراً إلى عدم وجود خطط لديه للعمل السياسي، بعد التسريبات التي أشارت إلى احتمال ترشّحه كنائب عن "العدالة والتنمية" على الرغم من العداء الشديد الذي كان بينه وبين أردوغان.
أما ألكان فقال إنه "فضَّل الصمت عن الدخول في أي حروب كلامية، ولم يكن لدي خوف من أحد ولا حتى آمال وتطلعات للمستقبل. ومن لا يستطيع إصدار القرار المناسب الذي يراه صواباً بسبب الخوف أو الطمع، فمن الأحسن أن يخلع عباءة القضاء ويترك منصبه".
ومع هذين الانتصارين يُطبِق "العدالة والتنمية" سيطرته على القضاء التركي، بعد أن كان قد سيطر على المجلس الأعلى للقضاة والمدّعين العامين في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إثر فوز القائمة التي دعمها في الانتخابات بـ15 مقعداً، موجِّهاً ضربة قوية للقائمة التي تدعمها حركة "الخدمة" التي لم تحصل إلا على 7 مقاعد.