"العدالة والتنمية" و"الإصلاح" في المغرب: من الاحتضان إلى التمايز

16 اغسطس 2018
وصفت علاقة "العدالة والتنمية" بالحركة بـ"الشراكة الاستراتيجية"(فضل سنا/فرانس برس)
+ الخط -
عادت علاقة حزب "العدالة والتنمية"، الذي يقود الحكومة في المغرب، بحركة "التوحيد والإصلاح" الدعوية والتربوية، والتي يُطلق عليها وصف "الذراع الدعوية" للحزب، إلى الواجهة أخيراً، بعد دخول العلاقة الوطيدة بين الطرفين مرحلة جديدة أسفرت عنها نتائج المؤتمر السادس للحركة. وتتمثّل هذه المرحلة الجديدة في العلاقة بين "العدالة والتنمية"، ذي المرجعية الإسلامية، وحركة "التوحيد والإصلاح"، ذات الخلفية التربوية والدعوية، في انتخاب قيادة جديدة للحركة لم تتضمن أي قيادي في الحزب، بخلاف ما كان قائماً من قبل، إذ كانت القيادة السابقة للحركة تتضمن وزيرين من الحزب، هما محمد يتيم ومصطفى الخلفي.

وتقدّم حركة "التوحيد والإصلاح" نفسها على أنها "حركة دعوية تربوية، تعمل في مجال الدعوة الإسلامية عقيدة وشريعة وقيماً وآداباً، من أجل الالتزام بمقتضيات الإسلام وإقامة أركانه وأحكامه على صعيد الأفراد والأسرة والمجتمع والدولة والأمة". وتتمثّل أبرز هيئات الحركة التي يقودها حالياً عبد الرحيم شيخي، في المؤتمر العام الذي ينعقد كل 4 سنوات، ويُعد أعلى هيئة تقريرية، يُنتخب فيه رئيس الحركة وباقي أعضاء الهيئة، مثلما حصل قبل أيام قليلة، فضلاً عن مجلس الشورى الذي يجتمع كل عام، ثم المكتب التنفيذي الذي يُمثّل قيادة الحركة التي تضمن تنفيذ مخططاتها وفق الأولويات المحددة. ووفق الوثائق المؤسسة لـ"التوحيد والإصلاح"، فإن الحركة هي "ثمرة جهود وحدوية اندمجت فيها عدة جماعات إسلامية سابقة، تُوجت بالوحدة التي تمت بين حركة الإصلاح والتجديد، ورابطة المستقبل الإسلامي، في 31 أغسطس/آب من سنة 1996".

ويجمل محللون العلاقة بين "العدالة والتنمية" و"التوحيد والإصلاح" في مسارات رئيسية، انطلقت في 1996 (سنة التأسيس) حتى سنة 2003، حين كانت الحركة تحتضن الحزب وتدعمه من دون قيد أو شرط، والحزب يغذي الحركة بالكوادر السياسية والإعلامية، كما أن جريدة "التجديد" (المتوقفة حالياً) التي تموّلها الحركة كانت شبه ناطق رسمي باسم "العدالة والتنمية".
وبعد الأحداث الإرهابية التي عرفتها مدينة الدار البيضاء سنة 2003، وبعد دعوة جهات عديدة إلى حل "العدالة والتنمية"، متهمة إياه بتغذية التطرف، جاءت مرحلة "التمايز" بين الحزب والحركة في الخطاب والمهام الوظيفية، قبل أن يتجه الطرفان إلى مرحلة ثالثة جديدة تتسم بنوع من "الفصل".

ويختلف مراقبون بشأن توصيف الخطوة الجديدة في علاقة الحزب و"ذراعه الدعوية"، بين من يعتبرها فصلاً فعلياً بين الطرفين أملته الظروف التي يمر بها الحزب الذي يقود الحكومة، وأيضاً للتصدي للاتهامات التي ما زالت توجّه إليه بأنه يستغل الدين في العمل السياسي، وبين من يجد ما حصل مجرد تكريس للتمايز بين وظائف الحزب والحركة في واقع الممارسة الميدانية، وبأن الأمر لم يصل بعد إلى درجة الفصل الكامل.

هذا الفصل بين الحزب السياسي والحركة الدعوية تحمس إليه كثيراً الرئيس الأسبق للحركة أحمد الريسوني، الذي اقترح أن "تنسى الحركة حزب العدالة والتنمية بالكامل"، فيما يُعد زعيم "العدالة والتنمية" سعد الدين العثماني، من أشد الرافضين لتوجّه الفصل بين الطرفين، إذ صرح بأن "الحركة هي الأصل، وإذا قررت الحركة التخلي عن الحزب، فمعنى ذلك أنه يجب أن نعود جميعاً إلى الحركة".

وأوجز رئيس "التوحيد والإصلاح"، عبد الرحيم شيخي، علاقة حركته الدعوية بالحزب السياسي، بأنها تطورت من الاحتضان إلى الدعم غير المباشر وصولاً إلى التمايز، سواء في الوظائف أو في الرموز أو في مجالات العمل، لكن بقيت علاقة التعاون في إطار "الشراكة الاستراتيجية"، مشدداً على أن علاقة التمايز بين ما هو سياسي حزبي وما هو دعوي حركي يجب أن تُعمّق إلى أبعد مدى ممكن.


الخبير في الجماعات الإسلامية إدريس الكنبوري، اعتبر أنه "من الصعب الحديث عن فصل بين التنظيمين في الوقت الحالي، فعلى الرغم من أن المؤتمر الأخير للحركة أفرغ مكتبها التنفيذي من الأسماء التقليدية التي كانت فيه لمدة عقود طويلة، والتي هي من الأسماء المؤسسة للتجربة، إلا أن الفصل بالمعنى الدقيق غير وارد". وشرح الكنبوري، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "هناك تداخلاً إيديولوجياً وفكرياً بين التنظيمين عمره عقود طويلة يصعب فكه"، مضيفاً "عوض الحديث عن الفصل يُفضل استخدام وصف التمايز، ومعناه فصل وظيفي، بمعنى عدم التدخّل المباشر للحركة في الحزب والعكس، وليس القطيعة".

وأوضح أنه "من الناحية العملية البراغماتية، فحزب العدالة والتنمية انفصل عن الحركة منذ سنوات، خصوصاً منذ توليه المسؤولية الحكومية عام 2012، فالأفراد داخل الحزب لم يعودوا يتقيدون بالمبادئ التي تربوا عليها داخل الحركة، بل أصبحوا أكثر فأكثر نفعية وبراغماتية ومناورة في السياسة". ولفت إلى أن "المنطق السياسي، باعتبار السياسة فن المصالح والتحالفات الظرفية والكر والفر، تغلّب على المنطق الدعوي الذي يستند على القيم الأخلاقية"، مسجلاً أن "شعار الحزب في بداية ممارسته للسياسة في نهاية التسعينات، كان تخليق السياسة، ولم يعد موجوداً اليوم".

وذهب الخبير إلى أن "الممارسة السياسية في حد ذاتها، وبطريقة تلقائية، تنتهي بالخارجين من الدعوة إلى الذوبان في البراغماتية السياسية، فلا يُطرح سؤال الفصل بطريقة واعية ومقصودة، لأنه يصبح نتاجاً طبيعياً للتجربة السياسية، لكن البراغماتية نفسها لدى الحزب تنسحب أيضاً على علاقته بجناحه الدعوي، فتصبح الدعوة خاضعة لمنطق السياسة البراغماتية، أي التوظيف السياسي للقاموس الدعوي والأخلاقي للتغطية على ممارسة سياسية منفصلة عن القيم الدعوية".

من جهته، رأى الباحث في مركز الرباط للدراسات السياسية، كريم عايش، أن رئاسة حزب "العدالة والتنمية" للحكومة طيلة ولايتين "كانت سبباً في تراجع شعبيته قبل دخول غمار السياسة حين تأسيس الحزب بنواة صلبة من كوادر حركة التوحيد والإصلاح".
ولفت عايش، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الحركة كانت حتى وقت قريب جناحاً معتدلاً في المشهد السياسي تضرب السلطات له ألف حساب، قبل أن ينتقل إلى السياسة وبالتالي يتم تدجينه وفق لعبة المصالح والتحالفات السياسية التي فككت قوة الحركة وأضعفت إشعاعها لصالح جماعة العدل والإحسان التي بقيت متشبثة بمقاطعتها للعمل السياسي". واعتبر أن "الفصل هو خلط للأوراق يهدف إلى غربلة الحركة من أي توجّه سياسي في أفق إعادة توسيع قواعدها وتقوية هياكلها واستيعاب الجمعيات الدعوية والإسلامية الأخرى حتى تُمكّن حزب العدالة والتنمية من ضمان رهان الاستحقاق الانتخابي المقبل والاستمرار في قيادة الحكومة في 2021".