ومن المقرّر أن يُلقي رئيس الحكومة مصطفى مدبولي، بياناً أمام مجلس النواب في الجلسة، يتضمن الأسباب التي دعت إلى إعلان حالة الطوارئ مجدداً، مع إحالة القرار الجمهوري، وبيان الحكومة، إلى اللجنة العامة في مجلس النواب، لعرض تقريرها للتصويت في الجلسة العامة بالأغلبية المطلقة للحاضرين، وذلك على الرغم من مرور تسعة أيام على تطبيق إعلان حالة الطوارئ فعلياً، بالمخالفة لأحكام الدستور.
وحصلت "العربي الجديد" على نصّ بيان رئيس الوزراء الذي سيلقيه أمام البرلمان حول الأسباب الداعية لإعلان حالة الطوارئ، والذي أورد فيه "أنّ جهود مكافحة الإرهاب لن تؤتي ثمارها إلا بالتزامن بين تطبيق الإجراءات الأمنية وتحقيق التنمية الشاملة"، مشيراً إلى أنّ "تطبيق حالة الطوارئ يهدف إلى استعادة الاستقرار على ضوء الظروف التي تمرّ بها مصر، وتعزيز جهود أجهزتها الأمنية لاقتلاع جذور الإرهاب".
وبحسب البيان، ينتظر أن يتعهّد رئيس الوزراء باستكمال جهود مواجهة الإرهاب، و"أن تُستخدم الإجراءات الاستثنائية المتاحة بموجب الإعلان بالقدر الذي يضمن التوازن بين حماية الحريات، ومتطلبات الأمن القومي"، مضيفاً أنّ "القوات المسلحة وجهاز الشرطة يخوضان حرباً شرسة لدحر قوى الظلام، في ضوء الأعمال الإرهابية الخسيسة التي تشهدها البلاد، وما تسفر عنه من وقوع ضحايا بين أفراد الجيش والشرطة والمدنيين الأبرياء".
لكن على الرغم من هذه التبريرات تسود قناعة لدى شخصيات معارضة في مصر بأن الهدف الرئيس لاستمرار حالة الطوارئ يتمثل في استهداف المعارضين. وفي السياق، قال قيادي بارز في حزب "التحالف الشعبي الاشتراكي"، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "الرئيس الحالي لن يتوقف عن تمديد حالة الطوارئ طالما أنه يجلس على كرسي الحكم، بهدف تفعيل إجراءاته الاستثنائية ضد معارضيه".
وأضاف القيادي في الحزب المعارض حالياً، والذي طلب عدم ذكر اسمه، أنه بات واضحاً أنّ تمديد حالة الطوارئ المستمرة في جميع أنحاء البلاد "ليس الهدف منه مواجهة الجماعات الإرهابية، كما يروج رئيس الحكومة أو البرلمان، نظراً لهدوء الأوضاع الأمنية في الأشهر الأخيرة، وانحسار العمليات الإرهابية حتى داخل مناطق سيناء، وإنما تخويف المنتمين للأحزاب والقوى السياسية المعارضة، خصوصاً مع التسريبات المتعلقة باقتراب موعد خطة الإملاءات الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية المعروفة إعلامياً بـ(صفقة القرن)".
وتابع "السيسي يعلم جيداً أنّ هناك نواة صلبة للمعارضة تشكّلت خلال معركة اتفاقية التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، ومن بعدها الاستفتاء على التعديلات الدستورية، والتي صوت ثلاثة ملايين مصري على رفضها، فضلاً عن مثلهم وأكثر من المقاطعين. وهو ما يعني ضرورة استمرار فرض الإجراءات الاستثنائية كالطوارئ، في مواجهة أي احتمال لتنظيم فعاليات احتجاجية في الشارع، إذا ما تضمنت صفقة القرن بنداً يسمح بالتنازل عن أراض مصرية بسيناء ضمن صفقة تبادلية".
وتابع القيادي الحزبي أن مسألة استمرار حالة الطوارئ في مصر تتجاوز كذلك قمع المعارضين، إذ تستهدف أيضاً ترهيب المواطنين العاديين، خصوصاً مع اقتراب موعد تطبيق الزيادة السنوية على أسعار الوقود والكهرباء والغاز والمياه، في إطار اشتراطات صندوق النقد الدولي بشأن تحرير الدعم عن الخدمات كافة المقدمة من الدولة، لحصول مصر على قرضه البالغ إجماليه 12 مليار دولار.
وفي هذا السياق، قال مصدر نيابي في تكتل "25-30" الذي يمثل الأقلية في البرلمان، إنه من غير المستبعد سعي الحكومة للحصول على قرض جديد من صندوق النقد، بعد الحصول على الشريحة الأخيرة من قرض الصندوق في يونيو/ حزيران المقبل، كون النظام الحالي يتمسّك بسياسة التوسع في الاقتراض الخارجي للوفاء بالتزامات الدولة، وزيادة الاحتياطي من النقد الأجنبي، الذي يتناقص بفعل سداد أقساط القروض المستحقة على البلاد.
وأشار عضو التكتل الذي فضّل عدم ذكر اسمه، إلى أنّ أحكام قانون الطوارئ تطبق، بشكل مشدد وعلى نحو خاص، في مناطق عدة من مدن قناة السويس، ومحافظة شمال سيناء، وقد تمتد لتشمل باقي المحافظات المصرية في حال قرر البسطاء والمهمشون الاحتجاج على الأوضاع المعيشية المتردية، وزيادة معاناتهم مع الموجة المرتقبة للتضخم، وارتفاع أسعار السلع والخدمات كافة، بمجرد تطبيق الزيادة الجديدة على أسعار الوقود والكهرباء.
وسبق أن أصدر مدبولي قراراً تنظيمياً باستمرار حظر التجوّل في منطقة شرق محافظة شمال سيناء، من السابعة مساءً وحتى السادسة صباحاً، وذلك طوال فترة إعلان حالة الطوارئ حتى 25 يوليو/ تموز المقبل، مستثنياً مدينة العريش والطريق الساحلي، بتطبيق حظر التجول عليهما من الساعة الواحدة حتى الخامسة صباحاً حتى إشعار آخر.
المحاكمات العسكرية
ولفت عضو تكتل "25-30"، الذي تحدث مع "العربي الجديد"، إلى خطورة استمرار حالة الطوارئ بعد تمرير التعديلات الدستورية، لأن الأخيرة توسعت في إحالة المدنيين إلى المحاكمات العسكرية، من خلال حذف كلمة "مباشراً" التالية لكلمة "اعتداءً" في المادة 204 من الدستور، لتنص على جواز محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري في الجرائم التي تمثل "اعتداءً" على المنشآت العسكرية أو معسكرات القوات المسلحة، أو ما في حكمها. وتابع أن استمرار الطوارئ تحت مظلة الصلاحيات الواسعة التي منحتها التعديلات الدستورية للمؤسسة العسكرية، والمتمثلة في "صون الدستور والديمقراطية" و"الحفاظ على المقومات الأساسية للدولة ومدنيتها" و"مكتسبات الشعب وحقوق وحريات الأفراد"، يفسح المجال للقوات المسلحة بمواجهة أي تحركات معارضة على الأرض عوضاً عن جهاز الشرطة، باعتبار أنها تمثل غطاءً دستورياً لتدخل الجيش في الحياة السياسية.
وتفتح الصلاحيات الكبيرة للجيش المصري باب الانقلاب على أي رئيس مدني مستقبلاً، في حال رغب في تعديل الدستور لتحجيم سلطات الجيش، فضلاً عن أن هذه الصلاحيات تمنح المؤسسة العسكرية حق الانحياز إلى فصيل سياسي على حساب آخر في حالات الانقسام داخل المجتمع، وهو ما حدث بمنأى عن الدستور في 3 يوليو/ تموز 2013، حين انحياز الجيش إلى معارضي الرئيس المعزول محمد مرسي على حساب مؤيديه.
ونص قرار إعلان الطوارئ على "أن تتولى القوات المسلحة، وهيئة الشرطة، اتخاذ ما يلزم لمواجهة أخطار الإرهاب، وتمويله، وحفظ الأمن بجميع أنحاء البلاد، وحماية الممتلكات العامة والخاصة، وحفظ أرواح المواطنين، وتفويض رئيس الوزراء في بعض اختصاصات رئيس الجمهورية المنصوص عليها في قانون الطوارئ"، وكذا "معاقبة كل من يُخالف الأوامر الصادرة من رئيس الجمهورية بالسجن، تطبيقاً لأحكام قانون الطوارئ".
تحايل دستوري
إلى ذلك، قال مصدر مطلع في لجنة الشؤون التشريعية بمجلس النواب، لـ"العربي الجديد"، إنّ هيئة مكتب اللجنة (تضم الرئيس والوكيلين وأمين السر) رفضت التعرّض للمادة 154 من الدستور المنظمة لإعلان وتمديد حالة الطوارئ، خلال نظر مشروع تعديل الدستور المقدم من أغلبية البرلمان، بناءً على تعليمات رئاسية نقلها رئيس اللجنة، بهاء الدين أبو شقة، إلى أعضاء هيئة المكتب، لتجنب أي انتقادات في الخارج قد تعيق تمرير مشروع التعديل.
وأفاد المصدر بأنّ الدستور سمح بفرض حالة الطوارئ لثلاثة أشهر بموافقة أغلبية البرلمان، وتجديدها لثلاثة أشهر أخرى بأغلبية ثلثي عدد أعضائه، مستدركاً "يمكن ترك فاصل زمني، ولو ليوم واحد فقط، ثم إعلان حالة الطوارئ وتمديدها لستة أشهر جديدة، شريطة استيفاء الإجراءات الدستورية. وبالتالي، لم تكن هناك حاجة إلى تعديل المادة، إذا ما أراد رئيس الجمهورية وأغلبية البرلمان استمرار حالة الطوارئ في البلاد".
ونصت المادة 154 من الدستور المصري على "أن يُعلن رئيس الجمهورية، بعد أخذ رأي مجلس الوزراء، حالة الطوارئ، على النحو الذي ينظمه القانون، ويجب عرض الإعلان على مجلس النواب خلال الأيام السبعة التالية ليقرر ما يراه بشأنه. وفي جميع الأحوال، يجب موافقة أغلبية عدد أعضاء المجلس على إعلان حالة الطوارئ، ويكون إعلانها لمدة لا تجاوز ثلاثة أشهر، ولا تمد إلا لمدة أخرى مماثلة، بعد موافقة ثلثي عدد أعضاء المجلس".
تجدر الإشارة إلى تحصين تعديلات الدستور منصب السيسي إلى حين إعادة انتخابه عام 2024، والسماح بترشحه لولاية ثالثة تنتهي في عام 2030، في وقت شككت فيه منظمات غير حكومية في النتائج الرسمية التي أعلنتها الهيئة الوطنية للانتخابات بشأن الاستفتاء، والتي زعمت فيها أنّ نسبة المشاركة بلغت 44.33 في المائة من إجمالي عدد الناخبين، رغم ما رصدته المنظمات من ضعف إقبال على التصويت خلال أيام الاستفتاء الثلاثة.