شكّل مأتم عضو المحكمة الأميركية العليا القاضي أنتونين سكاليا، حدثاً سياسياً بارزاً في الولايات المتحدة، واتخذ أبعاداً دينية. وعلى الرغم من أن الكاميرات التابعة لمحطات التلفزة الأميركية الكبرى قد ركزت على الرئيس الأميركي باراك أوباما وزوجته ميشيل، أثناء القائهما النظرة الأخيرة على جثمان سكاليا، المسجى وسط المحكمة، إلا أن قرار أوباما مقاطعة تشييع الجثمان أمس السبت، ارتد عليه بانتقادات واسعة من مختلف الأوساط السياسية والإعلامية.
توضح الصحيفة أن "بايدن كاثوليكي هو الآخر، وتربطه صداقة حميمة مع القاضي الراحل وأسرته. كانت تلك الصداقة طبقاً لما يراه العالمون بها، أكثر قوة من أن يؤثر عليها الخلاف الفكري والأيديولوجي بين الرجلين، باعتبار أن سكاليا رجل قانون ينتمي للتيار المحافظ وبايدن رجل قانون ينتمي للتيار المسمّى بالتقدمي، لكن الانتماء المذهبي يجمعهما".
عقب الإعلان عن وفاة سكاليا الغامضة (أُعلن أن السبب هو وفاة طبيعية، من دون تحديد الأسباب التي أدت إلى تلك الوفاة)، تردد في واشنطن أن أوباما قال لنائبه بايدن إنه عثر له على وظيفة شاغرة ومضمونة مدى الحياة. مع العلم أنه في الوقت الذي اعتبر فيه البعض أن أوباما أراد بهذا العرض ممازحة بايدن، رأى غالبية المعلقين أن العرض يحمل في طيّاته جدية بالغة، ليس لأن خلفية بايدن القانونية تجعله مؤهلاً للموقع، وليس لأن ليبراليته المضمونة ستكون مكسباً كبيراً للديمقراطيين في حال قبوله عضوية المحكمة العليا. بل الأهم من ذلك، وفقاً لهؤلاء، هو البعد الطائفي في الاختيار، وهو البعد الوحيد الذي يجمع سكاليا ببايدن، ويجعل أوباما يعتقد بأنه عامل جوهري قد يفتح الطريق أمام بايدن للحصول على مصادقة سهلة في مجلس الشيوخ. لكن بايدن لم يتحمّس للعرض غير المباشر من أوباما، مثلما لم يتحمّس من قبل لترشيح نفسه في سباق 2016 الرئاسي، معلّلاً ذلك بـ"موانع أسرية".
اقرأ أيضاً: الولايات المتحدة تضرب في ليبيا: بداية التدخّل العسكري؟
على الرغم من أن بايدن، بحكم موقعه الحالي، تعتبره مؤسسة الحزب التقليدية الأنسب والأكثر أهلية لخوض المنافسة على ترشيح الحزب الديمقراطي، إلا أن الرجل المعروف بأنه نافذ البصيرة عمد إلى إطلاق تسريبات تكفي فقط لإدراج اسمه في قوائم استطلاعات الرأي، بغرض جس النبض الطائفي، قبل التورّط مجدداً في ما لا تحمد عقباه. نتائج جس النبض المسماة باستطلاعات الرأي، جعلت بايدن يستنتج أن المجتمع الأميركي، وإن كان لا يمانع في إيصال محام كاثوليكي إلى عضوية المحكمة العليا، إلا أن الأمر مختلف في الرئاسة.
لهذا يبدو أن تردد بايدن في خوض المنافسة على الرئاسة مرة أخرى، يعود لإدراكه من خلال تجاربه السابقة، أن عمق الشرخ الطائفي لم ينهه وجود رئيس أفريقي ـ أميركي في البيت الأبيض. وكلما توسع المجتمع الأميركي في بناء الجسور، يعود لبناء الجدران، خصوصاً أن شخصية الرئيس الكاثوليكي الوحيد حتى الآن، جون كينيدي، وليبراليته التي لا غبار عليها، لم تشفع له أثناء السباق الرئاسي عام 1960، بعد توجيه اتهامات له بأنه "سيتلقى التوجيهات في البيت الأبيض من الفاتيكان". النغمة ذاتها التي عاد إليها دونالد ترامب، متصدر قائمة المرشحين الجمهوريين، عن طريق التفاخر بأنه لا يعترف بأي سلطة سياسية للفاتيكان على واشنطن.
في الوقت عينه، يسعى الجمهوريون إلى تأخير الاختيار إلى ما بعد الانتخابات (8 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل)، أملاً في أن يتولى عملية اختيار القاضي الجديد، رئيس جمهوري. أما الديمقراطيون فيتمسكون بالتاريخ الأميركي، العامر باختيارات تمّت في سنوات انتخابية، ويستشهدون بأن من جرى اختيارهم لعضوية المحكمة العليا في أواخر عهود الرؤساء بلغ عددهم 15 قاضياً.
لا يلغي كل ذلك واقع أن رحيل سكاليا، قد أخلّ بالتوازن في هذه المرحلة، بل إن من صالح الجمهوريين القبول بخيار أوباما لمرشح توافقي يكون بمثابة نصف هزيمة لهم، ونصف انتصار لخصومهم، تفادياً لتأجيل قد يفضي إلى جعل الاختيار بيد ليبرالي جريء مثل بيرني ساندرز، أو امرأة شديدة المراس مثل هيلاري كلينتون.
اقرأ أيضاً: الحل السوري المؤجَّل...موسكو وواشنطن تضغطان على الأسد والمعارضة