"الشحن الطائفي" في سورية يحصد مزيداً من الأرواح

13 ابريل 2017
إعادة العلاقة إلى مجراها الصحيح تحتاج إلى جيل جديد(Getty)
+ الخط -
قرية البيضا، بالقرب من مدينة بانياس الساحلية، تعرّضت لتطهير طائفي على أيدي مليشيات علوية مسلحة يقودها شخص طائفي يدعي "علي كيال"، وكانت النتيجة أن جميع سكان القرية إما قتلوا أو نزحوا، وشكّل الذين نجوا بأرواحهم فصيلاً ينتمي إلى الإخوان المسلمين.

في حمص الشحن الطائفي الذي يعقب كل تفجير يصل إلى ذروته، وفي الوقت الراهن هناك عملية تهجير ممنهجة تشمل خروج أكثر من 20 ألف سني من حي الوعر إلى الأراضي الخاضعة لسيطرة المعارضة في كل من إدلب وجرابلس.

الضربات الكيماوية التي طاولت مناطق المعارضة في الغوطة الشرقية منتصف عام 2013 ومدينة خان شيخون مؤخراً، زادت من الحقد الطائفي ضد العلويين بشكل عام.

جبهة النصرة وباقي التنظيمات الجهادية هي الأخرى تقوم بالشحن الطائفي، مستغلة الآلام التي تعرض لها المدنيون في مناطق وجودها، خصوصاً في إدلب حيث تستغل كل عملية تهجير ينفذها النظام لاعتبارات التجنيد وزيادة النفوذ، وهناك خشية حقيقية من ترجمة ذلك بشن عمليات عسكرية حيث هناك عشرات المقاتلين الذين انضموا مؤخراً إلى جبهات القتال في كل من جبلي الأكراد والتركمان، على ما يبدو تحضيراً لعملية كبيرة ضد النظام تتبعها عمليات انتقام بحق مدنيين في القرى العلوية في جبال الساحل كما حصل في شهر سبتمبر/ أيلول عام 2013 عندما أطلق تنظيم الدولة عملية عسكرية سماها "عائشة أم المؤمنين". تبعات هذه العملية استمرت حتى بداية العام الحالي، فقد نفذت صفقة تبادل بين هيئة تحرير الشام والنظام بشكل مباشر، إذ أفرج النظام عن 54 امرأة معتقلة مقابل 54 امرأة وطفلاً احتجزوا في تلك المعركة. احتجاز النساء والأطفال أمر غير مقبول وفق الشريعة الإسلامية لكن الإسلاميين يبررون ذلك بأن هناك عشرات النساء معتقلات في سجون النظام، ولدى كل امرأة قريب منضوٍ تحت راية جهادية.

أكثر ما يحتاجه المجتمع السوري بدءاً من الآن هو العمل على ترميم العلاقات الاجتماعية بين كافة أطيافه ومكوناته، ومن أبرز العلاقات التي تحتاج إلى الترميم هي العلاقة بين السنة والعلويين في سورية، بسبب استخدام النظام شبان الطائفة للحفاظ على الحكم من دون النظر أو الاهتمام بمصيرهم، كل أسرة في كل من اللاذقية وجبلة وطرطوس وحمص لديها إما شاب قتل أو معاق.

الشحن الطائفي للنظام جعل هذه الأسر تحمل حقداً دفيناً على السنة في سورية بشكل عام ومدن الساحل بشكل خاص، وقد تُرجم هذا الحقد على أرض الواقع إلى حوادث خطف وفي بعض الأحيان إلى قتل. في المقابل تعرّض السنة إلى التهجير والإجبار على حمل السلاح ضمن حملات منظمة، وقرابة 75 ألف عائلة من اللاذقية نزحت إلى بلدان الجوار، الأمر الذي زاد من حدة التوتر الطائفي ضد العلويين.

إعادة العلاقة إلى مجراها الصحيح تحتاج إلى جيل جديد لدى كل الأطراف، متزامناً مع عمل منظماتي مستمر يجمع مكونات المجتمع المحلي لفترات طويلة تدوم عشر سنوات في أقل تقدير، لأن آثار الحروب تدوم عشرات السنين. يمكن وصف الوضع السوري بأنه لوح من الفسيفساء يتحوّل لونه إلى الأحمر مع استمرار الحرب.

جميع السوريين يدركون أن الدولة الطائفية ستجعل من سورية بلداً فاشلاً تتحول فيه إلى وضع مشابه للبنان، والفارق الوحيد هنا أن الدمار سيزيد والقتل سيزيد، جهود حقيقة ومضنية من العقلاء أصحاب الأيادي البيضاء يمكن أن تخفف الحقد الطائفي.. والسؤال الأبرز أين هم؟

النظام السوري يقمع كل من يتكلم بنية حسنة عن المعارضة، والمتشددون في الطرف الآخر يقمعون كل من ينادي بالسلم الأهلي. الخطوة الأولى على طريق إعادة إعمار سورية تتمثل بإطلاق هؤلاء الأشخاص، فالمجتمع السوري غني بمثل هؤلاء الطبقات، خصوصاً من الشخصيات الدينية، كون المجتمع المحلي يستمع إلى المرجعيات الدينية، إلا أنها في الوقت الراهن مقيدة لصالح النظام الديكتاتوري والإسلاميين الذين يستغلونها لصالح التجنيد وتحويل القتال إلى عقائدي ضد الطرف الأول الذي تصدى لهم عبر استقدام مقاتلين شيعة يحاربون انتقاماً للحسين، وبين هذا وذاك فقد نصف مليون سوري حياتهم وما زال القتل مستمراً.

منظمات عديدة تدعمها دول غربية تهتم بهذا الشأن، السلم الأهلي، وهذه المنظمات نفذت عشرات الجلسات الحوارية بين أطياف المجتمع المحلي، لكن ذلك غير كافٍ على الإطلاق؛ لأن هذه الجلسات فقط كانت تبادل آراء وتعارفاً في بلدان مجاورة مثل تركيا والعراق ولبنان، لكن لن يفي هذا بالغرض ما دام يتم على أرض غير سورية، إذ لن يحمل هم البلد إلا أبناؤه المتضررون أصحاب العقول البيضاء النيرة، ولا سبيل إلا البدء بترميم الإنسان ثم الأسرة كونها العمود الفقري لكل دولة متحضّرة.

ما يقوم به الحلفاء الداعمون للمعارضة المسلحة في الوقت الراهن هو السير بعملية تفاوضية تفضي إلى حلّ سياسي، كما أنهم يطلبون من المعارضة التقيّد بالقوانين الدولية التي تحفظ حقوق الأسرى والمختطفين وتجنّب المدنيين ويلات الحرب، وما يحصل الآن هو ارتفاع الوعي لدى هؤلاء المقاتلين، والإيمان بضرورة الابتعاد عن سياسة القتل للانتقام، فكل السوريين لديهم الحق في العيش داخل سورية بكل حرية وكرامة، وما تقوم به الدول الحليفة للشعب السوري يقاوم مشروع التطرف القائم على الحقد الطائفي، لكن هذا من جانب واحد فقط هو المعارضة.

السؤال الأبرز هنا هل حلفاء النظام قادرون على فعل ذلك؟ لأن النظام السوري قائم بحد ذاته على مشروع طائفي بمجرد انتهائه سيعني نهاية حكم الأسد إلى غير رجعة.
المساهمون