احتجاجات مصر/غيتي/مجتمع
16 يوليو 2020
+ الخط -

قالت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، منظمة مجتمع مدني مصرية، اليوم الخميس، إن عشرات النصوص القانونية التي يزخر بها قانون العقوبات المصري وقوانين تزعم مواجهة الإرهاب مليئة بمواد تجرم الآراء والنقد، بل والنوايا، وتحاصر أغلب الممارسات السلمية.

وقالت المنظمة في دراستها الصادرة بعنوان "قوانين الإرهاب في مصر وتغلغل القمع.. دراسة قانونية وحقوقية"، إنه منذ صدور قانون الإرهاب رقم 94 لسنة 2015 بقرار من رئيس الجمهورية وفي غيبة برلمان منتخب وبما تضمنه من توسع شديد وغير مبرر في التجريم واستخدامه لمصطلحات تتصف بالعمومية وتخضع في التفسير لهوى القائمين على تنفيذ القانون، شاع مناخ من الخوف وصار الجميع مهدداً بوصمه بالإرهاب وبات آلاف المواطنين والمعارضين السياسيين والصحافيين والمحامين والمدافعين عن حقوق الإنسان ونشطاء المجال العام ملاحقين قضائياً وقابعين خلف أسوار السجون لمجرد إبداء آرائهم أو التعبير عن رفضهم للسياسات الحكومية أو كتابة مقال أو مجرد تنظيم وقفة احتجاجية.

أعادت الشبكة العربية التذكير بأن الطريق الأجدى لمواجهة الإرهاب هو توفر الإرادة السياسية والدعوة الفورية لحوار مجتمعي بين كافة الأطراف الرافضة للعنف

ومن هذا المنطلق، ألقت الدراسة نظرة أكثر تفحصاً على قوانين الإرهاب المتعاقبة منذ بداية صدورها عام 1992 وحتى آخر تعديلاتها في مارس/آذار من العام الجاري. وأظهرت  مدى انصياع المشرع المصري لالتزامات مصر الدولية وإلى أي مدى أفضى تطبيقها من الأجهزة الأمنية والسلطات القضائية سلباً أو إيجاباً من حيث انتهاك أو تعزيز الحقوق والحريات العامة والخاصة المقررة بصلب الدستور، كما استعرضت في أحد فصولها عدداً من القضايا التي روعي فيها عدم ارتكاب متهميها لأي سلوك عنف أو دعوة أو تحريض عليه ورغم هذا تمت ملاحقتهم على خلفية ممارسة حقهم في التجمع السلمي أو التعبير عن آرائهم ومعتقداتهم أو انتقاداتهم.

وأعادت الشبكة العربية التذكير بأن الطريق الأجدى لمواجهة الإرهاب هو توفر الإرادة السياسية والدعوة الفورية لحوار مجتمعي بين كافة الأطراف الرافضة للعنف لتحديد الخطوات الجادة والفعالة للتصدي لجذور التطرف والعنف بديلاً عن نهج التوسع في إصدار وتطبيق المزيد من القوانين الاستثنائية التي ما فتئت تلتهم يوماً بعد يوم عناصر الدولة القانونية وتعصف بحقوق وحريات المواطنين، كل هذا بينما الإرهاب الحقيقي يرتع في البلاد ويحصد مزيداً من الأرواح البريئة وينال من قدرة مصر على التعافي.

وعن نشأة قوانين الإرهاب في مصر، قالت الدراسة "يعد مصطلح الإرهاب حديثاً للغاية من حيث ظهوره في التشريع المصري، إذ كان أول ظهور له عام 1992 عندما صدر القانون 97 لسنة 1992 تحت اسم قانون مكافحة الإرهاب. ووجه هذا القانون قبل وبعد صدوره باعتراضات شديدة من قوى المجتمع المدني المصري وجانب كبير من القانونيين من حيث الحاجة إلى إصداره أو بتضمين نصوصه داخل بنية القانون الجنائي العام.

ويمكن إجمال أوجه الاعتراضات العامة تلك في أن القانون الجنائي العام المصري (قانون العقوبات – قانون الإجراءات الجنائية) كافٍ بما يحويه من نصوص لمجابهة جرائم العنف (الإرهاب) وليست هناك حاجة لإصدار قانون جديد؛ كون هذا الأمر يتخم البنية التشريعية فوق تُخمتها الزائدة بالأساس بقوانين استثنائية تخرج عن المألوف وتحد من الحقوق والحريات العامة للمواطنين. وأن قانون الطوارئ سارٍ ومفعّل وهو كقانون استثنائي كافٍ مع قانون العقوبات لمواجهة الجريمة الإرهابية من حيث تضمُّن الأول إجراءات وتدابير استثنائية ممنوحة للسلطات الأمنية، والثاني يتضمن أوصاف وعقوبات تلك الجرائم. وأن قانون الإرهاب رقم 97 لسنة 1992 لم يصدر كقانون منفصل كونه  استثنائيا وجوده وزواله مرهون بالحالة الاستثنائية بل صدر بطريق التعديل في القانون العام (قانون العقوبات). وأن الصياغة التي صدر بها قانون الإرهاب جاءت على نحو تضمن تعبيرات غامضة ومعاني فضفاضة لا تخضع للضبط القانوني.

وعلقت الشبكة على هذه القوانين "تخالف أصول التشريع، فقد استقر القانون المصري والدولي على أن القانون الغامض يفوّض على نحو غير مقبول الشؤون السياسية لرجال الشرطة والقضاء للبتّ في مسألة ناشئة على أساس معيار ذاتي لديهم هم. وهو ما يفضي بالضرورة إلى مخاطر وأهوال التطبيق التعسفي".

وعن الانتقادات العامة المواجهة لقانون الإرهاب تحديدًا، فسرتها الشبكة في "التوسع الشديد وغير المبرر في التجريم، وباستخدام مصطلحات تتصف بالعمومية تخضع في التفسير لهوى القائمين على تنفيذ القانون. وإهدار القواعد العامة في القانون وذلك بمساواة عقوبة الشروع في الجريمة بالجريمة التامة والعقاب على التحريض سواء وقعت الجريمة المدعى التحريض عليها أو لم تقع. وتكرار تجريم أفعال مؤثمة سابقاً في قانون العقوبات، بالإضافة إلى الإسراف في تغليظ عقوبات تلك الجرائم".

فضلًا عن الانتقادات المتعلقة بـ"حريات الرأي والتعبير والحق في المعرفة وتداول المعلومات والحق في التجمع السلمي عبر تجريم القانون لأفعال لا تنطوي على أي خطورة إجرامية. وتأمين الإفلات من العقاب للقائمين على تنفيذ القانون عند استخدام القوة حتى لو كانت قاتلة بذريعة أداء الواجب والدفاع عن النفس والمال وذلك بإقرار القانون إعفاءهم من المسؤولية الجنائية. وابتداع القانون لمصطلح (التحفظ) بديلاً لمصطلح (القبض) وهو ما يتيح القبض على المواطنين بشكل عشوائي أو ممنهج ولمدد تصل إلى ثمانية أيام.. في تحايل فاضح على الضمانات التي قررها الدستور وقانون الإجراءات الجنائية. واستخدام القانون مصطلحات فضفاضة للغاية ومن العمومية يصعب وضع تعريف لها مثل (الوحدة الوطنية – مصالح المجتمع – سلامة المجتمع – النظام العام). وأيضاً (إمداد أو تمويل بيانات أو معلومات أو مواد أو غيرها -كل سلوك يرتكب بقصد تحقيق جريمة إرهابية أو الإعداد لها أو التحريض عليها إذا كان شأنها الإضرار بالاتصالات– الاقتصاد الوطني – النظم المعلوماتية والبنكية والمالية) المواد 2, 3 من القانون".

وختامًا؛ طالبت الشبكة العربية بإلغاء قوانين الإرهاب والاكتفاء بنصوص القانون الجنائي العام (قانون العقوبات – قانون الإجراءات الجنائية) لمواجهة جرائم العنف والإرهاب بديلا عن قوانين الإرهاب التي ترسخ لحالة استثنائية وتتحلل دون مواربة من التزامات حكومات مصر المتعاقبة على صيانة حقوق مواطنيها وترسيخ سيادة القانون.

المساهمون