صدر حديثاً عن سلسلة "عالم المعرفة" كتاب "الشبكة الإنسانية: نظرة محلقة على التاريخ العالمي" من تأليف جون روبرت مكنيل ووليام هاردي مكنيل، وقد نقله إلى العربية مصطفى قاسم. يتناول الكتاب الاتصال بوصفه كان دائماً عنصراً رئيسياً في تشكيل تاريخ البشرية، والذي يؤدي إلى العلاقات التي سوف تصبح مصدراً للتجارة واختراع تقنيات معينة، وتطوّر الأفكار. ومع ذلك ، فإن مثل هذا التواصل بين الناس ليس إيجابياً دائماً وقد يعود بآثار سلبية وربما مدمرة في بعض الأحيان.
انتشار الزراعة ونمو الأديان العالمية وصعود الحضارة الأوروبية وصولاً إلى الهيمنة العالمية هي بعض الموضوعات التي تم استكشافها في هذا الكتاب. حيث يرى الكاتبان أن محرّك التاريخ هو "الشبكة" المتزايدة من التفاعلات، التي بدأت من جماعات الصيد، ثم الحضارات، ثم العالم بأكمله الذي ينتشر فيه الناس والسلع والأمراض والأفكار.
في البداية يتوقف العمل عند الفترة ما بين 3500 قبل الميلاد إلى 200 بعد الميلاد، ويركز فيه على الحضارات القديمة الكبرى التي استقرّت حول الأنهار، أي المصرية عند النيل، وبلاد ما بين النهرين، والحضارة التي قامت حول نهر هوانغ هو في الصين، وحضارات نشأت في أميركا الجنوبية وكذلك الهند.
يتناول الكتاب كذلك نمو الشبكات في العالم القديم والأميركتين بين عامي 200 و1000 ميلادية، والتي شهدت تحولات كبيرة في الثروة والسلطة تسبّبت في رفع الهند وجنوب غرب آسيا إلى آفاق جديدة من الازدهار والتأثير. ونشرت الشبكة العالمية القديمة أشكال المجتمع المتحضر إلى أراض جديدة واستدمجت مناطق شاسعة جديدة من آسيا وأفريقيا وأوروبا، وحققت الأديان العالمية، وعلى رأسها الإسلام، انتشاراً واسعاً بين الشعوب في أوراسيا وأفريقيا وأصبح للدين أدوار جديدة.
يمضي الكتاب عبر الفصول إلى مناقشة انتقال البضائع ثم الأفكار والأديان، ثم التوسع الجغرافي الذي صاحب كل ذلك، ويتناول الكولونيالية الأوروبية في أفريقيا وغيرها وصولاً إلى العام 1890 الذي يعتبره مفصلياً في تاريخ التواصل البشري.
فبعد هذا التاريخ كان العالم أو جزء منه قد عرف تحوّلات تقنية كبرى في الاتصال والنقل، من بواخر وسكك حديد وتلغراف، وكان لتسهيل الاتصال دينامية جديدة وتأثير كبير على الحياة اليومية والاجتماعية والدينية وقبل كل شيء الاقتصادية.
لا يترك الكتاب واقعة كبرى في تاريخ العالم إلا ويلفت إلى علاقتها بتطوّر الاتصال الإنساني، فقد أنتجت فورة العولمة بين العامين 1870 و1914 تفاوتاً وسخطاً جعلا النزاعات القومية والحروب أكثر توتراً وانتشاراً، ومع أن الحرب العالمية الأولى أفقدت البعض الثقة في القومية والحرب، فقد قوّتها لدى آخرين، وجعلت الضغوط السياسية والاقتصادية لعالم ما بعد الحرب نظم الاكتفاء الذاتي تبدو سياسة معقولة، وهو ما قاد إلى الحرب العالمية الثانية. وعمل النظام الجديد بعد هذه الحرب على تشجيع العولمة مرة أخرى، وبعد عام 1980 تكاتفت التقنية والسياسة في زيادة النمو الاقتصادي مع تفاوت كبير بين بلدان العالم.
يرى الكاتبان أنه و"على مدار خمسة آلاف عام أو أكثر ظلت حياة القرية هي الخبرة المعتادة للبشر، وفي تلك الظروف والأيديولجيات تطوّرت المؤسسات والعادات، أما حالياً فإن خبرة البشر هي حياة المدينة التي تقوم على غياب المعرفة الشخصية، وفرضت ضغوطاً كبيرة على الأديان والأيديولوجيات ورؤى العالم المهيمنة وعلى الأبنية السياسية السائدة، ويبدو أن عملية التوافق الاجتماعي والسياسي والنفسي والأخلاقي والبيئي مع الحياة في المدينة الكبيرة تأتي بين التحديات الأصعب لعصرنا".