هل يقدر "السيل الجنوبي" على تحقيق ما عجزت عنه الدبلوماسية، فيقرّب بين تركيا واليونان نحو تطبيع العلاقات بينهما، وحلّ مشكلة قبرص المقسمة إلى دولتين؟ وهل تستخدم تركيا خط نقل الغاز كورقة ضغط في مفاوضاتها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، فتتوعّد إذا ما فشلت، بالانضمام إلى الاتحاد الجمركي مع روسيا وكازاخستان وبيلاروسيا، وإلى منظمة "شنغهاي للتعاون"، مديرة ظهرها لأوروبا على الطريقة الروسية؟
الشيء الواضح إلى الآن هو أنّ أنقرة تتحول من خلال شراكتها مع روسيا إلى بلد يمسك بصمّام الغاز، وإذا ما قامت بخطوة تالية نحو شراكة طاقة مع إيران والعراق، يمكنها أن تتحول إلى مركز طاقة عالمي بوزن سياسي واقتصادي كبير، لكن ذلك يقتضي زحزحة الملف السوري وتغيير أنقرة موقفها من نظام بشار الأسد، ومن القوى التي تحارب ضده. فهل يحصل ذلك؟
خطوات متسارعة
بعد إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن إيقاف بناء خط أنابيب الغاز "السيل الجنوبي" باتجاه بلغاريا، تم توقيع مذكرة تفاهم بين شركتي "غاز بروم" الروسية و"بوتاس" الوطنية التركية، لبناء خط أنابيب بحري لنقل الغاز عبر قاع البحر الأسود باتجاه تركيا؛ بطاقة ضخ تبلغ 63 مليار متر مكعب سنوياً، يخصص منها 14 مليار متر مكعب لتركيا. أما الكمية المتبقية، فيتم إيصالها إلى الحدود التركية اليونانية. ومن الواضح هنا أن طاقة هذا الخط هي نفسها طاقة "السيل الجنوبي" الذي أعلن بوتين أثناء زيارته الأخيرة لأنقرة في الأول من ديسمبر/كانون الأول الجاري، عن إيقاف العمل في بنائه نحو بلغاريا، ومنها إلى البلقان ودول أوروبية أخرى.
وقال بوتين في تركيا حينها "سوف نعيد توجيه تدفقات الطاقة لدينا إلى مناطق أخرى من العالم، بما في ذلك من خلال تعزيز وتسريع تنفيذ مشاريع تسييل الغاز الطبيعي. سوف نقدمه إلى أسواق أخرى، وأوروبا لن تتلقى هذه الكميات، على الأقل، من جهة روسيا. ونعتقد أن هذا لا يخدم المصالح الاقتصادية الأوروبية". وبذلك يكون الرئيس الروسي قد مزّق ورقة مساومة طالما استخدمها الاتحاد الأوروبي في علاقات الطاقة مع روسيا، متذرعاً بـ حزمة الطاقة الثالثة (قانون خاص بالاتحاد الأوروبي)، التي لا تسمح بأن تكون الجهة المنتجة للغاز والمالكة للأنابيب التي سيضخ عبرها هذا الغاز واحدة. وهكذا تكون بلغاريا، الدولة الأوروبية الفقيرة، الخاسر الأكبر من قوانين الاتحاد الأوروبي وهيمنة واشنطن على سياسات بروكسل.
وفي السياق، نقلت وكالة "تاس" عن وزير الطاقة الروسي، ألكسندر نوفاك، تأكيده أن مشروع "السيل الجنوبي" تم إيقافه من قبل بوتين شخصياً. وفي هذا الشأن، يقول رئيس شركة "غاز بروم"، أليكسي ميللر، إن "قرار إغلاق (مشروع) "السيل الجنوبي"، تم اتخاذه أثناء زيارة رئيسنا إلى تركيا، وفي هذا اليوم بالذات دخلت سفينة مد الأنابيب (العائدة لشركة Saipem الإيطالية) إلى البحر الأسود للقيام بعملها. ولكن كيف يمكن القيام بهذه الأعمال في حين أن بلغاريا لم تعط موافقتها للبناء في مياهها الإقليمية ولا على يابستها؟". ويضيف ميللر على هواء قناة "روسيا": "استراتيجيتنا بخصوص علاقتنا بالسوق الأوروبية تتغير؛ فالقرار بإيقاف "السيل الجنوبي"، هو بداية النهاية لنموذج العمل الذي كنا نوصل الغاز بموجبه إلى مستهلكه النهائي في السوق الأوروبية". ويتابع "إلى جانب ذلك، يتراجع في الواقع دور أوكرانيا كدولة عبور إلى الصفر".
ثم يتحدث ميللر عن الأبعاد السياسية لتحويل خط الغاز نحو تركيا، فيقول إن "المفوضية الأوروبية، قدمت ببساطة صمّام الغاز هدية لتركيا. وأحسب أن تركيا يمكن أن تستخدمه في مفاوضاتها مع الاتحاد الأوروبي. ونحن أيضاً حصلنا على شريك استراتيجي جديد في مجال الغاز. علماً بأن سوق الغاز التركية سوق دينامية وتتطور بسرعة كبيرة. ففي العام 2014، شغلت المرتبة الثالثة بين مستوردي الغاز من روسيا، وفي طريقها إلى المرتبة الثانية". ويؤكد أن "تركيا تتحول من خلال ذلك إلى بلد عبور كبير؛ فعبر أراضيها سيتم نقل أكثر من 50 مليار متر مكعب من الغاز الروسي سنوياً. وهذا من دون شك يرفع القيمة الجيوسياسية لتركيا في المنطقة. فهي تتحول عملياً إلى مركز توزيع، مثلما هي ألمانيا في شمال أوروبا".
دفء في سورية ونار في أنقرة
ثمة من يقول في أوساط المهتمين الروس بأنه مع توقيع روسيا وتركيا على شراكة غاز استراتيجية، يتحولان تلقائياً إلى حليفين استراتيجيين في السياسة، دون الإعلان عن ذلك. ومن شأن هذا الحلف الروسي التركي أن يساعد في حل مشكلات عالقة من سنوات طويلة بين تركيا واليونان، وتركيا وقبرص، وحل أزمات لتركيا دور كبير فيها كالأزمة السورية. فهل يمكن الحديث والحال كذلك عن موقف تركي جديد محتمل من الأسد، وبالتالي تغيير في السياسة التركية نحو التضييق على الجماعات الإسلامية الراديكالية، الأمر الذي تريده موسكو؟
في هذا السياق، تذكّر مواقع إلكترونية روسية بأن الاحتجاجات بدأت في سورية بعد شهرين فقط من توقيع اتفاقية لبناء خط أنابيب غاز بين إيران والعراق وسورية لنقل الغاز إلى ميناء اللاذقية، وأنّ تركيا يمكن أن تلقى المصير نفسه، وذلك وفق النظرية التي ترى أنّ في خروج الناس إلى الشوارع للمطالبة بالحريات والحقوق فعلاً خارجياً مدبراً.
ويعتبر أصحاب هذا الرأي أنّ الاقتراح الروسي بتحويل أنبوب الغاز إلى الحدود التركية اليونانية، بدلاً من بلغاريا، يجب أن يدفع أنقرة إلى عدم التزمت حيال مصير الأسد. كما ترى (المواقع الإلكترونية الروسية) أن المصلحة الروسية التركية المشتركة تقتضي استقرار رجب طيب أردوغان على كرسي الرئاسة التركي، متخوفة من اتساع الاحتجاجات الأخيرة التي شهدتها اسطنبول، في الثاني عشر من ديسمبر/كانون الأول الجاري، وتفاقمها، خاصة بعد الإشارة الأميركية السلبية إلى سلوك السلطات التركية.
وكان قد جاء في تصريح المتحدثة باسم الخارجية الأميركية، جينيفر بساكي ما يلي: "نتابع عن كثب التقارير التي تفيد بأن الشرطة التركية قامت بسلسلة من المداهمات والاعتقالات في جميع أنحاء البلاد. ويبدو أن من بين الأهداف كانت وسائل الإعلام، التي انتقدت الحكومة علناً".
وقد كان موقع "ريجنيوم.رو" قد نقل خبر احتشاد آلاف المواطنين الأتراك أمام مبنى صحيفة "توداي زمان" في اسطنبول، للتعبير عن تضامنهم مع الصحافيين، بعدما أعلن المدون فؤاد أفني نقلاً عن مصادر في الحكومة التركية نية الأخيرة اعتقال 400 شخص، بمن فيهم 150 صحافياً في ذكرى فضيحة الفساد الكبرى أو "الرشوة الكبرى". وفي الرابع عشر من ديسمبر/كانون الأول الجاري، أفادت "ريا نوفوستي"، بأنه تم اعتقال 27 شخصاً، من بينهم أكرم دومانلي، رئيس تحرير جريدة "زمان" إحدى كبريات الصحف التركية، ورئيس قناة "سامانيولو"، هدايت قره جه، والمنتجَين التلفزيونيين صالح أصلان وإنجين كوتش، العاملين في هذه القناة، وكاتب سيناريو البرامج التلفزيونية مقبولي تشام، وكذلك الرئيس السابق لإدارة مكافحة الإرهاب في شرطة اسطنبول، طوفان إيرديوغير، وكبار ضباط الشرطة في بعض الأقاليم.
وهكذا، تتحول موسكو من مترقبة لاضطرابات في تركيا، تلقّن أنقرة درساً وتدفعها إلى تغيير موقفها من الأحداث السورية، إلى متخوفة من أحداث تطيح بمشاريعها الجيوسياسية الكبرى مع جارتها، حيث تغدو المسألة السورية تفصيلاً صغيراً، قابلاً للنظر.
الشيء الواضح إلى الآن هو أنّ أنقرة تتحول من خلال شراكتها مع روسيا إلى بلد يمسك بصمّام الغاز، وإذا ما قامت بخطوة تالية نحو شراكة طاقة مع إيران والعراق، يمكنها أن تتحول إلى مركز طاقة عالمي بوزن سياسي واقتصادي كبير، لكن ذلك يقتضي زحزحة الملف السوري وتغيير أنقرة موقفها من نظام بشار الأسد، ومن القوى التي تحارب ضده. فهل يحصل ذلك؟
خطوات متسارعة
بعد إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن إيقاف بناء خط أنابيب الغاز "السيل الجنوبي" باتجاه بلغاريا، تم توقيع مذكرة تفاهم بين شركتي "غاز بروم" الروسية و"بوتاس" الوطنية التركية، لبناء خط أنابيب بحري لنقل الغاز عبر قاع البحر الأسود باتجاه تركيا؛ بطاقة ضخ تبلغ 63 مليار متر مكعب سنوياً، يخصص منها 14 مليار متر مكعب لتركيا. أما الكمية المتبقية، فيتم إيصالها إلى الحدود التركية اليونانية. ومن الواضح هنا أن طاقة هذا الخط هي نفسها طاقة "السيل الجنوبي" الذي أعلن بوتين أثناء زيارته الأخيرة لأنقرة في الأول من ديسمبر/كانون الأول الجاري، عن إيقاف العمل في بنائه نحو بلغاريا، ومنها إلى البلقان ودول أوروبية أخرى.
وقال بوتين في تركيا حينها "سوف نعيد توجيه تدفقات الطاقة لدينا إلى مناطق أخرى من العالم، بما في ذلك من خلال تعزيز وتسريع تنفيذ مشاريع تسييل الغاز الطبيعي. سوف نقدمه إلى أسواق أخرى، وأوروبا لن تتلقى هذه الكميات، على الأقل، من جهة روسيا. ونعتقد أن هذا لا يخدم المصالح الاقتصادية الأوروبية". وبذلك يكون الرئيس الروسي قد مزّق ورقة مساومة طالما استخدمها الاتحاد الأوروبي في علاقات الطاقة مع روسيا، متذرعاً بـ حزمة الطاقة الثالثة (قانون خاص بالاتحاد الأوروبي)، التي لا تسمح بأن تكون الجهة المنتجة للغاز والمالكة للأنابيب التي سيضخ عبرها هذا الغاز واحدة. وهكذا تكون بلغاريا، الدولة الأوروبية الفقيرة، الخاسر الأكبر من قوانين الاتحاد الأوروبي وهيمنة واشنطن على سياسات بروكسل.
وفي السياق، نقلت وكالة "تاس" عن وزير الطاقة الروسي، ألكسندر نوفاك، تأكيده أن مشروع "السيل الجنوبي" تم إيقافه من قبل بوتين شخصياً. وفي هذا الشأن، يقول رئيس شركة "غاز بروم"، أليكسي ميللر، إن "قرار إغلاق (مشروع) "السيل الجنوبي"، تم اتخاذه أثناء زيارة رئيسنا إلى تركيا، وفي هذا اليوم بالذات دخلت سفينة مد الأنابيب (العائدة لشركة Saipem الإيطالية) إلى البحر الأسود للقيام بعملها. ولكن كيف يمكن القيام بهذه الأعمال في حين أن بلغاريا لم تعط موافقتها للبناء في مياهها الإقليمية ولا على يابستها؟". ويضيف ميللر على هواء قناة "روسيا": "استراتيجيتنا بخصوص علاقتنا بالسوق الأوروبية تتغير؛ فالقرار بإيقاف "السيل الجنوبي"، هو بداية النهاية لنموذج العمل الذي كنا نوصل الغاز بموجبه إلى مستهلكه النهائي في السوق الأوروبية". ويتابع "إلى جانب ذلك، يتراجع في الواقع دور أوكرانيا كدولة عبور إلى الصفر".
ثم يتحدث ميللر عن الأبعاد السياسية لتحويل خط الغاز نحو تركيا، فيقول إن "المفوضية الأوروبية، قدمت ببساطة صمّام الغاز هدية لتركيا. وأحسب أن تركيا يمكن أن تستخدمه في مفاوضاتها مع الاتحاد الأوروبي. ونحن أيضاً حصلنا على شريك استراتيجي جديد في مجال الغاز. علماً بأن سوق الغاز التركية سوق دينامية وتتطور بسرعة كبيرة. ففي العام 2014، شغلت المرتبة الثالثة بين مستوردي الغاز من روسيا، وفي طريقها إلى المرتبة الثانية". ويؤكد أن "تركيا تتحول من خلال ذلك إلى بلد عبور كبير؛ فعبر أراضيها سيتم نقل أكثر من 50 مليار متر مكعب من الغاز الروسي سنوياً. وهذا من دون شك يرفع القيمة الجيوسياسية لتركيا في المنطقة. فهي تتحول عملياً إلى مركز توزيع، مثلما هي ألمانيا في شمال أوروبا".
دفء في سورية ونار في أنقرة
ثمة من يقول في أوساط المهتمين الروس بأنه مع توقيع روسيا وتركيا على شراكة غاز استراتيجية، يتحولان تلقائياً إلى حليفين استراتيجيين في السياسة، دون الإعلان عن ذلك. ومن شأن هذا الحلف الروسي التركي أن يساعد في حل مشكلات عالقة من سنوات طويلة بين تركيا واليونان، وتركيا وقبرص، وحل أزمات لتركيا دور كبير فيها كالأزمة السورية. فهل يمكن الحديث والحال كذلك عن موقف تركي جديد محتمل من الأسد، وبالتالي تغيير في السياسة التركية نحو التضييق على الجماعات الإسلامية الراديكالية، الأمر الذي تريده موسكو؟
في هذا السياق، تذكّر مواقع إلكترونية روسية بأن الاحتجاجات بدأت في سورية بعد شهرين فقط من توقيع اتفاقية لبناء خط أنابيب غاز بين إيران والعراق وسورية لنقل الغاز إلى ميناء اللاذقية، وأنّ تركيا يمكن أن تلقى المصير نفسه، وذلك وفق النظرية التي ترى أنّ في خروج الناس إلى الشوارع للمطالبة بالحريات والحقوق فعلاً خارجياً مدبراً.
ويعتبر أصحاب هذا الرأي أنّ الاقتراح الروسي بتحويل أنبوب الغاز إلى الحدود التركية اليونانية، بدلاً من بلغاريا، يجب أن يدفع أنقرة إلى عدم التزمت حيال مصير الأسد. كما ترى (المواقع الإلكترونية الروسية) أن المصلحة الروسية التركية المشتركة تقتضي استقرار رجب طيب أردوغان على كرسي الرئاسة التركي، متخوفة من اتساع الاحتجاجات الأخيرة التي شهدتها اسطنبول، في الثاني عشر من ديسمبر/كانون الأول الجاري، وتفاقمها، خاصة بعد الإشارة الأميركية السلبية إلى سلوك السلطات التركية.
وكان قد جاء في تصريح المتحدثة باسم الخارجية الأميركية، جينيفر بساكي ما يلي: "نتابع عن كثب التقارير التي تفيد بأن الشرطة التركية قامت بسلسلة من المداهمات والاعتقالات في جميع أنحاء البلاد. ويبدو أن من بين الأهداف كانت وسائل الإعلام، التي انتقدت الحكومة علناً".
وقد كان موقع "ريجنيوم.رو" قد نقل خبر احتشاد آلاف المواطنين الأتراك أمام مبنى صحيفة "توداي زمان" في اسطنبول، للتعبير عن تضامنهم مع الصحافيين، بعدما أعلن المدون فؤاد أفني نقلاً عن مصادر في الحكومة التركية نية الأخيرة اعتقال 400 شخص، بمن فيهم 150 صحافياً في ذكرى فضيحة الفساد الكبرى أو "الرشوة الكبرى". وفي الرابع عشر من ديسمبر/كانون الأول الجاري، أفادت "ريا نوفوستي"، بأنه تم اعتقال 27 شخصاً، من بينهم أكرم دومانلي، رئيس تحرير جريدة "زمان" إحدى كبريات الصحف التركية، ورئيس قناة "سامانيولو"، هدايت قره جه، والمنتجَين التلفزيونيين صالح أصلان وإنجين كوتش، العاملين في هذه القناة، وكاتب سيناريو البرامج التلفزيونية مقبولي تشام، وكذلك الرئيس السابق لإدارة مكافحة الإرهاب في شرطة اسطنبول، طوفان إيرديوغير، وكبار ضباط الشرطة في بعض الأقاليم.
وهكذا، تتحول موسكو من مترقبة لاضطرابات في تركيا، تلقّن أنقرة درساً وتدفعها إلى تغيير موقفها من الأحداث السورية، إلى متخوفة من أحداث تطيح بمشاريعها الجيوسياسية الكبرى مع جارتها، حيث تغدو المسألة السورية تفصيلاً صغيراً، قابلاً للنظر.