"السترات الصفراء" تتوعّد الحكومة الفرنسية بـ"أيلول أسود"

07 سبتمبر 2019
السترات الصفراء عادت للتظاهر مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية (Getty)
+ الخط -
اعترف الرئيس إيمانويل ماكرون، قبل أسابيع، ولأول مرة، بعنف غير عادي شاب تظاهرات حراك "السترات الصفراء"، وتسبب في إصابات في صفوف المتظاهرين ورجال الأمن، وكأنه كان يودع هذا الحراك، ويطوي صفحته، بعد أن أثَّر كثيرا على سياساته ودفعه لتنازلات قاسية، مالية خصوصاً، كما دفعه لإطلاق "حوار وطني كبير"، واعداً بتغيير سياساته وتجنب أخطائه، التي اعترف باقتراف بعضها. وهذه الوعود في تغيير سياساته تظهر للعلن، مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية، البرلمانية أولا، ثم انتخابات الرئاسة سنة 2022، من خلال تغليب دور وأهمية الاستشارات الطويلة، خاصة ما يتعلق بإصلاح نظام التقاعد والإصلاح البرلماني.

ولكن حراك "السترات الصفراء" لم ينته بعدُ. فقد بدأت التظاهرات، من جديد، اليوم السبت في العاصمة باريس، وفي مدن روان ومونبولييه وبوردو، بعد ما يشبه توقفا أثناء الصيف، وإن كان بعض التظاهرات لم يخل من عنف وصدامات مع القوى الأمنية. وعلى الفور صدرت قرارات أمنية محلية بحظر التظاهرات في وسط المدن وفي الأحياء الحيوية فيها.

وتؤكد صفحات "السترات الصفراء" على شبكات التواصل الاجتماعي، على أن الحراك سيستعيد عافيته، وأن حكومة ماكرون ستشهد "أيلول أسود"، بخاصة أن هذا الشهر سيشهد أيضا تظاهرات وطنية دعت إليها نقابات عمالية، من بينها "سي جي تي" و"قوة عمالية"، للتنديد بالإصلاح الحكومي للتقاعد، وخاصة 21 و24 سبتمبر/أيلول الجاري.
ولا تزال صفحات "السترات الصفراء" مصرة على أن نضالاتها لم تؤد إلى نتائج تدفعها للعودة إلى بيوتها، وهو ما يعني أن اليأس لا يزال سيد الموقف، يضاف إليه واقع أنّ فتح تحقيقات "المفتشية الوطنية للشرطة الوطنية" في ما يتعلق بالعنف الذي تعرض له المتظاهرون لم يتمخض عنه أي تحقيق قضائي، ولا إزعاج أي شرطي أو دركي مسؤول عن هذا العنف، الذي تسبب في جرح المئات وفي فقد عشرات من المتظاهرين لأعينهم وأطرافهم، في الوقت الذي صدرت فيه أحكام قضائية ضد العديد من المتظاهرين وقياداتهم، ومن بينهم إيريك دْرُووي، الذي تم تغريمه، مع وقف النفاذ، بـ500 يورو، بسبب عصا خشبية وجدت في حقيبته، واعتبرت سلاحا.


وثمة مخاوف من أن يدوم حراك "السترات الصفراء" ويرافق الرئيس ماكرون حتى نهاية ولايته، خاصة أن شعار استقالة الرئيس ماكرون لا يزال على أفواه وشعارات وملصقات المتظاهرين. كما أن وجوه الحراك الشهيرة، ومن بينها رودريغيز ومكسيم نيكول ودرووي، لا يزالون يُصرون على مواصلة التعبئة والتظاهر. ورغم الحكم، الذي صدر في حق درووي، والذي طعن فيه، إلا أن هذا الوجه الشهير من وجوه الحراك أصر على الظهور في باريس، هذا اليوم. وناشد المتظاهرين بالتوقف عن ارتداء السترة الصفراء، حتى يُفلتوا من مراقبة القوى الأمنية.

وبينما تصر "السترات الصفراء" على التظاهر ضد الرئيس وحكومته، فهي أيضا تحاول أن تستثمر إلى أبعد حد الانتخابات البلدية سنة 2020. وليس سرا على أحد أن هذه الحركة متجذرة على الصعيد المحلي، وقام بها مواطنون لم يكونوا متعودين على التظاهرات ولا على التعبئة النقابية والحزبية، وهو ما يفسّر ضعف التعبئة في باريس، وأيضا ضعف تأثيرها في الانتخابات الأوروبية، رغم محاولات بعض وجوه الحراك التقدم بلوائح انتخابية أو الحضور ضمن قوائم أحزاب سياسية يمينية متطرفة كحزبي "انهضي فرنسا"، و"الوطنيون".

الجامعة الصيفية للحزب الحاكم في بوردو

وقد اختار الحزب الحاكم "الجمهورية إلى الأمام" النسخة الأولى من جامعته في مدينة بوردو، مدينة الحليف اليميني السابق والمستقيل عن حزب "الجمهوريون" ألان جوبيه، والتي يحظى فيها الحليف الآخر، فرانسوا بايرو، زعيم "موديم"، بتأثير لا يستهان به. كما أنه لا يَخفى على حزب الرئيس أن هذه المدينة كانت ولا تزال من عواصم حراك "السترات الصفراء"، وهو ما جعل أصواتا من الحراك تطالب بالتظاهر ضد هذا التجمع، هذا اليوم.

وسيحاول الحزب الرئاسي، اليوم وغدا، أن يتدارس كل الملفات التي فتحتها الحكومة، ومن بينها إصلاح التقاعد، وأيضا التحديات الكثيرة التي تواجه الحزب، ومن بينها استمرار تحدي "السترات الصفراء"، وأيضا عمليات التخريب التي طاولت عشرات من مقرات الحزب ومقرات نوابه البرلمانيين، سواء من طرف نشاط الحراك أو من طرف الفلاحين الغاضبين من الاتفاق الاقتصادي والتجاري بين الاتحاد الأوروبي وكندا، والذي يعتبرونه سيئاً ويؤثر سلبا على منتجاتهم.

كما سيكون على أعضاء الحزب الرئاسي تخفيف التوتر القائم بين الحزب وحلفائه، ومن بينهم "موديم"، والذي تجلى في إصرار حزب إيمانويل ماكرون على تثبيت مرشحيه، في مدن كثيرة، في مواجهة مرشحين من "الموديم" أو أنصار ألان جوبيه، وخاصة في بوردو، وهو ما أخرج فرانسوا بايرو من أطواره، منددا بـ"الروح الهيمنية لدى الأخ الأكبر".

وسيضع الحزب أمام ناظرَيه قضية بلدية باريس، التي يترشح فيها مرشحان اثنان من حزب ماكرون، بنجامان غريفو، المرشح الرسمي، وسيدريك فيلاني، المرشح المنشق، وهو ما يهدد بهزيمة "الجمهورية إلى الأمام" في باريس، الذي يحاول تجنب تكرارها في مدن رئيسية أخرى، مثل ليون وليل، حتى يتم تعبيد طريق ماكرون نحو ولاية رئاسية ثانية.