يراود هاجس الهجرة إلى البلدان الأوروبية فئة عريضة من الشباب العربي، وذلك لما يعانونه من ظروف اقتصادية وسياسية صعبة. وفي سبيل تحقيقه يطرق الحالمون بالهجرة جميع الأبواب ويقومون بمحاولات عدة، كاللجوء إلى "الزواج الأبيض" أو "الزواج الصوري".
ويقصد بهذا المصطلح الزواج "على الورق" من شخص يحمل الجنسية الأجنبية. وينتهي هذا الزواج بعد أن يحصل الطرف الأول على وثائق الإقامة في أوروبا، ويحصل الطرف الثاني على المبلغ المالي المتفق عليه.
منذ عام 2012 بدأت الحكومة البريطانية تنفيذ هدف معلن للتخفيض من عدد المهاجرين، وبما أن رعايا الدول الأوروبية لا يخضعون لقوانين الهجرة في المملكة المتحدة، يبقى أشدّ المتأثرين مواطني العالم الثالث. ويعني ذلك وضع سلسلة من التدابير التي تشدد إجراءات دخول المهاجرين إليها. ويهدف الأمر إلى تقليص أعداد المهاجرين، وتقليل الفاتورة الاجتماعية السنوية التي تكلف الحكومة مليارات الجنيهات. يتضمن أحد هذه الإجراءات منع "الزواج الصوري" لدخول بريطانيا بقصد الإقامة فيها، ففي يونيو/حزيران من عام 2013 وصلت نسبة رفض تأشيرات الزواج إلى 42 في المئة، فيما عزت وزارة الداخلية البريطانية ذلك إلى أن هذه النسبة العالية تعود إلى زيادة عدد طلبات تأشيرة الزيجات الصورية.
تحاول الشابة المغربية وفاء ( 28 سنة) منذ أكثر من سنتين السفر إلى بريطانيا عن طريق "زواج صوري" من شاب مغربي يحمل الجنسية البريطانية. لكن طلبها الحصول على تأشيرة الزواج لقي الرفض أكثر من مرة من وزارة الخارجية البريطانية، لنقص في معاملة طلب التأشيرة أو لأسباب أخرى. هذا الأمر كبّدها مبالغ كبيرة. تقول: "لقد خسرت أكثر من 12 ألف جنيه إسترليني، وهذا المبلغ يشكل تقريبا ضعف المبلغ المتفق عليه في البداية، ما استدعى توكيل محامٍ لمتابعة معاملتي".
ضوابط وشروط
تنص الأنظمة على أنه إذا كان أحد الزوجين يحمل الجنسية البريطانية، أو حاصلاً على الإقامة الدائمة في المملكة المتحدة، يستطيع تقديم طلب موافقة للحصول على تأشيرة شرط أن يكون الدخل السنوي لا يقل عن 18600 جنيه إسترليني، إلى جانب توفير سكن مناسب في المملكة المتحدة، مع ضرورة حصول المتقدم على شهادة اللغة الإنجليزية، وأن يكون التقديم خارج المملكة المتحدة، مع إثبات صحة وقانونية العلاقة الزوجية.
أما إذا كان أحد الزوجين يحمل الجنسية الأوروبية، ومقيماً في المملكة المتحدة، فلا يخضع بالضرورة للشروط نفسها. فالمواطن الأوروبي لا يشترط أن يكون دخله السنوي محدداً بأكثر من 18600 جنيه إسترليني، فالدخل بدوام جزئي يفي الغرض. كما لا يشترط على المتقدم أن يكون حاصلا على شهادة اللغة الإنجليزية، فيما يبقى توفير السكن وإثبات صحة وقانونية العلاقة الزوجية مسائل ضرورية.
تحوّل الزواج الصوري في المملكة إلى تجارة يتعدى أطرافها "الزوج" و"الزوجة" إلى بعض الأطراف المتخصصة في الموضوع، ولديها الخبرة الكافية لمواجهة المستجدات وما يطرأ من تعديلات على القانون.
تلقى هذه التجارة رواجاً كبيراً وتزداد أرقامها، خاصة مع استفحال البطالة والفقر، رغم ما يثيره الزواج الأبيض من جدل بين رافض له ومتعاطف مع المقبلين عليه. ويتحوّل في بعض الأحيان إلى كابوس أو وسيلة للابتزاز. وانتشر في أوساط الشباب الذين لا يرون أملا في تحقيق طموحاتهم الشخصية إلا من خلاله، ويحلمون بحياة الاستقلالية والرفاهية في بريطانيا، حتى لو اقتضى الأمر الارتباط بأجانب بغض النظر عن خلفياتهم.
معاناة ونهايات سعيدة
لا يسلم هذا النوع من الزيجات من المشاكل، ففي بعض الحالات يختفي الطرف الذي يمنح أوراق الإقامة بعد استلامه المبلغ المالي المتفق عليه، ويتنصل من أي اتفاق أو ارتباط. أما في حالات أخرى فقد يرفض أحد الطرفين توقيع الطلاق ويتشبث بالزواج لدفع الطرف الآخر إلى زيادة المبلغ المالي المتفق عليه، أو لإقناعه باستمرار الزواج وإنجاب الأطفال، ما يدفع الطرف الرافض لاستمرار الزواج إلى بذل وقته وجهده وصرف الكثير من المال في الدعاوى القضائية من أجل الحصول على الطلاق.
بدأت معاناة سامر (32 سنة)، صاحب مطعم مأكولات السريعة، فور انتهاء تأشيرته الدراسية في بريطانيا، وحين اضطر للبحث عن طريقة أخرى للحصول على الإقامة، لم يجد أمامه سوى اللجوء إلى "الزواج الصوري" حتى يؤمن بقاءه في بريطانيا، خاصة أنه بدأ في تكوين نفسه واستأجر المكان الذي يعمل فيه.
تزوج سامر من سيدة بريطانية وكان اتفاقه معها واضحاً، وهو اتفاق مبني على مصالح متبادلة. يقول لـ"العربي الجديد": "اضطررت للسكن مع المرأة التي تزوجتها صوريا، ليظهر الزواج للسلطات البريطانية طبيعياً، وخلال هذه الفترة كنت مسؤولا عن مصاريفها كلها، إضافة إلى تعاملي الأخلاقي معها، وكانت النتيجة رفضها الطلاق عندما حصلت على الإقامة. ومازالت ترفض الطلاق رغم أنني عرضت عليها مبالغ كبيرة. لقد أدخلت نفسي في دوامة يصعب الخروج منها من غير خسائر مادية أو معنوية".
وهناك حالات يتحول الارتباط من زواج مؤقت إلى زواج حقيقي بفضل ظروف الهجرة والتعارف في الغربة، إذ تساهم لقاءات "العروسين" المستمرة من أجل إنهاء المعاملات وتسوية الوضع في التقريب بينهما، وتفتح المجال لإمكانية استمرار مشروع الزواج. هذا ما حصل مع هشام الذي تزوج من قريبته المقيمة في بريطانيا، وكان ذلك مساعدة منها كي يحصل على تأشيرة الزواج. لم يستطع هشام تجاهل أخلاق قريبته التي رأى فيها زوجة حقيقية وشريكة لحياته، وسرعان ما تحول هذا الزواج الصوري إلى زواج حقيقي.