"الزحف نحو الشرق"، هو الشعار الذي يرفعه الفلسطينيون مع اقتراب موعد إعلان حكومة الاحتلال الإسرائيلي في الأول من يوليو/ تموز المقبل، عن ضم المستوطنات الكبرى والأغوار بالضفة الغربية، إذ يسعى الفلسطينيون لتوسيع خريطة وجودهم بمناطق الأغوار، المفترض أن تشكل الحدود الشرقية للدولة الفلسطينية مستقبلاً. تهدف الخطة لتعزيز الوجود الفلسطيني على طول الشريط الحدودي، الذي يمتد من أطراف بيسان شمالاً إلى البحر الميت وأريحا جنوباً، ويشكل نحو 22 في المائة من مساحة الضفة الغربية، من خلال تشجيع المزارعين على استغلال المساحات الشاسعة للزراعة، بعد شق الطرق الزراعية وإيصال المياه ومساعدتهم على تسويق منتجاتهم.
وتبرز تلك الخطوات جلياً في فروش بيت دجن وعاطوف والرأس الأحمر، وأكثر من 17 تجمّعاً تتبع لقرية المالح في الأغوار الشمالية الفلسطينية التي تصل مساحتها لنحو 180 ألف دونم، وأيضاً في الجفتلك والساكوت والدير في الأغوار الوسطى، والعوجا ورأس العوجا في الأغوار الجنوبية وأريحا. وتحولت أجزاء من تلك المناطق من صحراء قاحلة إلى أراض خضراء، يُزرع فيها القمح والشعير والعنب والبطيخ والشمام وأنواع عديدة من الخضار بمواصفات عالية.
ويرى المدير العام لجمعية الإغاثة الزراعية منجد أبو جيش، أن هذه الخطوات تندرج في إطار القرار الإسرائيلي المتخذ منذ عقود بالسيطرة الكاملة على الأغوار ورفض أي سيطرة فلسطينية عليها، بحجة أهميتها العسكرية، لأنها تعد الحدود الأطول لفلسطين مع الأردن. ويشير في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إلى أنه منذ نحو 20 عاماً تنفّذ الإغاثة الزراعية الفلسطينية مشاريع تنموية، موضحاً أن الإغاثة أدركت خطورة هذه المخططات مبكراً جداً ونفذت تلك المشاريع التي تدفع الفلسطيني للتمسك بأرضه ومقاومة الاعتداءات الإسرائيلية.
ويلفت أبو جيش إلى أن عدد البيوت البلاستيكية في بلدة طمون الشفا غورية كانت قبل عقدين عشرة بيوت فقط، أما اليوم فهي تزيد عن 1500 بيت تُزرع فيها عشرات الأصناف من الفواكه والخضار وحتى الورود، مستقطبة المئات من المزارعين والعمال الذين كانوا يعملون في المستوطنات الزراعية بالأغوار.
ومع تسارع الخطوات الإسرائيلية لما يصفه بـ"سرقة الأغوار"، كان لا بد من خطوات فلسطينية ممنهجة ومدروسة، وهنا تتعاون الإغاثة مع وزارة الزراعية الفلسطينية ومع العديد من المؤسسات ذات الصلة لحث الفلسطيني لـ"الزحف أكثر نحو الشرق"، وفق أبو جيش. ويشير إلى أن "الشريط الحدودي مع الأردن يمتد لمئات آلاف الكيلومترات المترامية الأطراف، وهو وفق اتفاقية أوسلو يجب أن يؤول في المحصلة للفلسطينيين، لكن حكومات الاحتلال المتعاقبة رفضت إرجاعها، وهي اليوم تعلن رسمياً نيتها ضمها للسيادة الإسرائيلية، ومن أجل ذلك عملت على تفريغها من الوجود الفلسطيني، وهنا لا حل أمامنا إلا مقاومة هذا المشروع".
وتعد قرية أم القبا الممتدة على مساحة ألفي دونم زراعي، نموذجاً صارخاً لما تتعرض له الأغوار من عمليات تهويد متسارعة، وفي الوقت ذاته صورة للجهود الفلسطينية الشعبية في مقاومة تلك الإجراءات. مع العلم أنه في الأشهر الأخيرة، شيّد المستوطنون بؤرةً استيطانية جديدة على الجهة الشرقية للقرية، ورداً على ذلك عمل ناشطون من اللجان الشعبية وهيئة مقاومة الاستيطان على مدار أيام على فلاحة أراضيها وزراعتها، ضمن حملة "حماية الأغوار"، وفق مسؤول ملف الاستيطان بالأغوار معتز بشارات.
يقول بشارات لـ"العربي الجديد"، إن "مجرد الوصول اليوم لتلك المناطق المشتعلة يُعدّ إنجازاً، فهناك عشرات الحواجز العسكرية الإسرائيلية التي تحول دون وصول حتى صاحب الأرض إلى أرضه، فكيف بالنشطاء والمتضامنين؟". ويستدرك قائلاً "يرفض الأهالي الحصول على تراخيص وأذونات إسرائيلية للوصول إلى أراضيهم التي يملكونها ويزرعونها، ويدفعون ثمناً باهظاً مقابل ذلك، إذ قد يتم اعتقالهم والاعتداء عليهم بالضرب ومصادرة سياراتهم وجراراتهم الزراعية، فالاحتلال يتفنن في اختلاق الذرائع، فتارة يعلنها منطقة عسكرية مغلقة، وتارة يعلن أن هناك تدريبات لجيشه وأحياناً يعتبرها منطقة خاضعة لسيطرة سلطة حماية الطبيعة الإسرائيلية".
ووفق بشارات يسيطر الاحتلال حالياً على 88 في المائة من مساحة الأغوار بعد تقسيمها إلى مناطق عسكرية مغلقة ومحميات طبيعية أو مستوطنات زراعية، أدت إلى تهجير عشرات آلاف الفلسطينيين منذ احتلالها عام 1967، ولم يبقَ فيها اليوم سوى 15 ألفاً موزعين على الخرب والقرى مترامية الأطراف. ويعيش في الأغوار الشمالية الفلسطينية حالياً نحو 11500 فلسطيني في 27 تجمّعاً لا تتعدّى مساحتها 18 ألف دونم، وقد تسلّمت إخطارات إسرائيلية بالإخلاء، مقابل 300 ألف دونم يسيطر عليها الاحتلال بشكل كامل، بما فيها أحواض المياه التي تغذي الأراضي المحيطة من ضمنها التجمعات الفلسطينية. ويقول بشارات: "إن ضم الأغوار يعني عزلها الكامل عن امتدادها الفلسطيني في الضفة الغربية، وطرد العائلات الفلسطينية صاحبة الأراضي والتي تتوارث وثائق ملكيتها إلى جانب بسط نظام من المعابر والحواجز يمنع دخول أي فلسطيني إليها".
سياسياً، يؤكد عضو الوفد الفلسطيني المفاوض السابق سميح العبد، أن "كامل الأغوار كان يجب أن تؤول في نهاية المطاف وبعد انتهاء مفاوضات الوضع النهائي، إلى الفلسطينيين، وأن أي ضم لها سيقضي تماماً على حل الدولتين". ويستعرض العبد في حديث مع "العربي الجديد"، الخرائط التي كان الوفد الفلسطيني برئاسته يفاوض عليها، وكيف تغيرت التضاريس خلال العقدين الأخيرين بشكل ملحوظ، بعد إقامة عشرات المستوطنات والجدار الفاصل والطرق الالتفافية. ويشير إلى أن الحدود التي تم التفاوض عليها مع الجانب الإسرائيلي بين الضفة وإسرائيل، كانت بطول 366 كيلومتراً، لكنها الآن، وفق خرائط الضم، ستصل إلى 1700 كيلومتر.
وعن ضم الأغوار، يقول العبد: "كل المؤشرات تفند الحاجة الأمنية التي تدعيها إسرائيل للضم. ما يجري هو لأسباب اقتصادية بحتة، فالأغوار هي سلة الغذاء للفلسطينيين، وهي منطقة للتوسع السكاني والعمراني مستقبلاً، وهي منطقة سياحية أيضاً، ومصدر المياه الجوفية، وهي بوابة فلسطين للعالم الخارجي، وبوابة التجارة الخارجية، ومن دونها لا مستقبل لأي كيان سياسي فلسطيني مستقل".
وتمتد الأغوار الفلسطينية عامة، حسب المركز الوطني للمعلومات، من بيسان جنوباً حتى صفد شمالاً، ومن عين جدي حتى النقب جنوباً، ومن منتصف نهر الأردن حتى السفوح الشرقية للضفة الغربية غرباً، وتبلغ المساحة الإجمالية للأغوار 720 ألف دونم. وتكمن أهمية الأغوار العظمى في كونها منطقة طبيعية دافئة وخصبة يمكن استغلالها للزراعة طوال العام، كما تتربع فوق أهم حوض مائي في فلسطين.
وقُسّمت الأغوار، حسب اتفاق أوسلو للسلام (1993)، إلى مناطق تخضع لسيطرة السلطة الفلسطينية ومساحتها 85 كيلومتراً بنسبة 7.4 في المائة من مساحة الأغوار الكلية، ومناطق مشتركة بين السلطة وإسرائيل ومساحتها 50 كيلومتراً، بنسبة 4.3 في المائة، ومناطق تخضع للسيطرة الإسرائيلية الكاملة ومساحتها 1155 كيلومتراً، وتشكل الغالبية العظمى من منطقة الأغوار، بنسبة 88.3 في المائة. وحتى عام 2015، أقيمت على أراضي الأغوار 31 مستوطنة إسرائيلية غالبيتها زراعية، ويسكنها 8300 مستوطن، أقدمها مستوطنات "ميخولا" و"مسواه" و"يتاف"، التي أنشئت عام 1969.