"الروضة" المصرية تبكي شهداء المسجد

26 نوفمبر 2017
المستشفى الوحيد لم يستوعب أعداد الجرحى (العربي الجديد)
+ الخط -
أينما أدرت وجهك في قرية الروضة، شمال شرق سيناء، في مصر، تجد عزاء لأحد ضحايا استهداف مسجدها في صلاة الجمعة، أول من أمس. إرهاب حصد أرواح أكثر من 300 مواطن، من بينهم أطفال وشيوخ

في قرية الروضة في بئر العبد الواقعة في العريش، شمال شرق سيناء المصرية، عشرات العائلات وجدت نفسها بلا معيل. تيتّم كثير من أطفال القرية وترمّلت نساء، بل إنّ بعض العائلات فقدت الجد والأبناء وعدداً من الأحفاد في جريمة التفجير الذي استهدف مسجدها يوم الجمعة الماضي.

يكشف مصدر طبي في مستشفى بئر العبد المركزي لـ"العربي الجديد" عن أرقام صادمة نجمت عن الاستهداف، إذ يقول إنّ من بين الشهداء ثلاثين طفلاً دون العاشرة من العمر، وما لا يقل عن 140 شيخاً فوق الستين عاماً، وإنّ رجال عشر عائلات قتلوا بالكامل.

يتابع أنّهم لم يجدوا مرافقين لبعض المصابين الذين جرى تحويلهم إلى مستشفيات الإسماعيلية والعريش، بعد مقتل أشقائهم وأقاربهم خلال الاستهداف، فيما استقبل المستشفى في نصف ساعة أكثر من 180 إصابة، توفي عدد منهم أثناء محاولة إسعافهم في غرف عمليات المستشفى.

في كلّ ركن من مستشفى المدينة تتردد حكاية ألم، فالمصاب في الهجوم سليمان شميط تعرض لرصاصات عدة، ليكتشف بعد وقت قصير من مكوثه في المستشفى أنّ ما تعرض له جسده هو جزء يسير من المصيبة التي حلت بعائلته، إذ أبلغوه بمقتل ابنه الوحيد محمد، ومقتل شقيقه الأكبر.


في حكاية ألم أخرى، لم يفرح أبناء محمد عبد الحليم، مدير مدرسة المزار، بالإفراج عنه من جهاز الأمن الوطني، حتى أزهقت روحه على يد الإرهابيين أثناء أداء الصلاة، بينما أصيب أحد أبنائه بجروح خطيرة. يقول أحد أقارب عبد الحليم لـ"العربي الجديد" إنّ جهاز الأمن الوطني، سيئ السمعة، اعتقل الأستاذ محمد لأيام عدة من دون توجيه أي تهمة أو سبب اعتقال، وجرى الإفراج عنه قبل يومين، وبالرغم من أنّه نجا من الاعتقال فإنه لم يستطع الهرب من رصاص المجرمين، كما يقول القريب.

من جهته، يقول منصور عيد حمدان، الذي فقد والده عيد، وأبناء عمه محمد وياسين وعبد الخالق مصطفى حمدان، لـ"العربي الجديد": "دخلت إلى المسجد بعدما هرب المسلحون، وبدأت في النظر إلى القتلى على أرضه، فأول من وجدت كان ابن عمي، وإلى جواره شقيقاه، وبعد دقائق كانت الصدمة حين وجدت والدي المسن قد غرق في دمائه ولفظ آخر أنفاسه".

مئات المواطنين هرعوا إلى المسجد من كلّ المناطق المجاورة لقرية الروضة بعدما سمعوا بخبر المجزرة، وذلك بهدف التبرع بدمائهم لإنقاذ حياة مئات المصابين، الذين كانوا مرميين في كلّ أنحاء المستشفى وأرضياتها وغرفها. يقول يوسف أبو زيد، وهو من أول الأفواج التي وصلت المستشفى: "في كلّ دقيقة كانت تصل إصابات وجثث قتلى، وكأنّ زلزالاً ضرب القرية، سيارات الإسعاف لم تكفِ لإيصال الجرحى والجثث، فاستخدمت عربات التوك توك والسيارات الخاصة التي وصلت إلى المسجد بعدما أحرق المسلحون سيارات المصلين".



الصدمة كانت في عدم توافر أكياس التبرع بالدم ونفادها من المستشفى، ما أوجد حالة من الغضب في أوساط المواطنين الذين كانوا يبحثون عن بدائل لوضع الدم الذي يتبرعون به وإيصاله إلى المصابين في غرف العمليات بالمستشفى. عن ذلك، يقول أحد ممرضي المستشفى لـ"العربي الجديد": "للأسف المستشفى لم يكن جاهزاً لاستقبال نصف عدد الجرحى الذين وصلوا، وكثيراً ما طالبنا بإيجاد مستلزمات طبية في مستودعات المستشفى، نظراً إلى عملنا في منطقة ساخنة بشمال سيناء، إلّا أنّ طلباتنا تجاهلتها الوزارة". يتابع أنّ عدد المتبرعين بالدم كان كبيراً، فغالبية المواطنين الذين كانوا في محيط المستشفى استعدوا لتقديم وحدات دم للمصابين، إلّا أنّنا لم نستطع سحب الدم إلّا من عدد قليل منهم، لعدم توافر الأكياس الطبية المخصصة لوضع وحدات الدم، ما دفعنا لتحويل عدد كبير من الإصابات الخطيرة إلى مستشفيات الإسماعيلية والعريش".

في ساعات المساء، تجمّع من تبقى من رجال القرية وسكان المناطق المجاورة لدفن جزء من القتلى الذين لم يجدوا ثلاجة تضمهم إلى حين وصول تصريحات الدفن من النيابة. ولكثرة عدد القتلى، عمد المشاركون في الدفن إلى حفر قبور جماعية باستخدام الجرافات الضخمة. على أضواء الهواتف المحمولة، بدأ المواطنون في دفن ضحايا الهجوم، فوضعت كلّ عائلة أقاربها القتلى في حفرة واحدة بعضهم إلى جوار بعض كما كانوا في صف واحد بالمسجد المستهدف.

يقول علي سليمان، أحد المشاركين في دفن القتلى في مقابر الروضة: "للحظة تشعر أنك في العراق أو سورية. على مدار حياتنا لم نرَ مثل هذا المشهد في سيناء ومصر كلّها؛ مشهد وضع 20 شهيداً في حفرة واحدة بعضهم إلى جوار بعض". يضيف أنّ بعض القتلى لم يجدوا رجالاً يحملون نعوشهم من عائلتهم، ما اضطر رجال القرية والمشاركين من القرى المجاورة لإيصالهم إلى المقبرة بسياراتهم الخاصة، كما أنّ بعض القتلى لم يلقوا توديعاً معتاداً من عائلاتهم لضيق الوقت وعدم المقدرة على نقل كلّ جثة على حدة صوب المقابر.



لرجال الإسعاف نصيبٌ من الجريمة التي حلّت بالقرية، إذ تقول مصادر طبية لـ"العربي الجديد" إنّ الإرهابيين استهدفوا سيارات الإسعاف التي حاولت الوصول إلى المسجد بعد وقوع المجزرة مباشرةً، بإطلاق النار صوب سياراتهم. توضح المصادر أنّ استهداف سيارات الإسعاف أدى إلى مقتل اثنين من المسعفين وهما سليمان محمد جمال، السائق في وحدة إسعاف الجدي وسط سيناء، والعربي إبراهيم خطاب من وحدة إسعاف الروضة.

لم يقتصر فقدان قرية الروضة على رجالها، فالقرية ستفتقد أيضاً صوت مؤذن مسجدها الذي اعتادت عليه عند كلّ صلاة، فرصاص المهاجمين للمسجد خطف روح وصوت الشيخ فتحي الطناني وشقيقه. يقول أحد رواد المسجد لـ"العربي الجديد": "نسمّي الشيخ الطناني مساعد عابري السبيل، فهو لا يدخر جهداً في مساعدة كلّ المسافرين على الطريق الدولي الرابط بين العريش وبئر العبد، فمن كان يزور المسجد خلال مروره على الطريق الدولي يجد ابتسامة الشيخ الطناني، وخدمته له من دون أي سابق معرفة".

بالرغم من أنّ الجريمة هزّت العالم العربي والإسلامي بأكمله فإنّ تبعاتها الإنسانية ستبقى محيطة بأهالي قرية الروضة لعشرات السنين، بعدما فقدت جزءاً كبيراً من رجالها، وسيبقى 24 نوفمبر/ تشرين الثاني يوماً قاتماً في تاريخ القرية وسيناء بأكملها.