بعد أكثر من 20 عاماً على حظر حزب "الرفاه"، الذي أسسه الزعيم التركي الراحل نجم الدين أربكان، من قبل العسكر الانقلابي، يعود نجله فاتح أربكان للإعلان اليوم عن تأسيس حزب "الرفاه من جديد"، في ظل أوضاع سياسية تركية مختلفة، مع أفول نجم قوة الجيش.
ففي عام 1998، أجبر العسكر رئيس الوزراء الأسبق، والزعيم الإسلامي نجم الدين أربكان، على الاستقالة من حكومته، وإغلاق حزبه لاحقاً، ومنع من مزاولة العمل السياسي، وهي مسيرة تعرض فيها للاعتقال، ليؤسس أحزاباً أخرى، ولكن بقيت تلك القوى تتربص به وتلاحقه إلى حين تولى حزب العدالة والتنمية الحكم في عام 2002، واستطاع الأخير تقليم أظافر الجيش.
وبعد صلاة الجمعة اليوم، أعلن فاتح أربكان أنه قدم طلبه بشكل رسمي إلى وزارة الداخلية التركية من أجل تأسيس الحزب الجديد، مبينا في تصريحات صحافية أن "الوقت اكتمل ليأتي وقتهم، وبعد حسرة سنوات، وبفرحة أزف لكم البشرى بتأسيس الحزب، الذي سيكون وفق ما يرغب فيه الشعب التركي، بعيداً عن التجاذبات أو أي انتقام".
وأضاف "نحن قادمون من أجل الشكر لكل أعمال الخير، ومباركة من فعلها، وتقديرها، ومع هذا سنعمل من أجل إكمال النواقص، وتصحيح الأخطاء، وهذه الخطوة تاريخية للأمة الإسلامية وللشعب التركي، وأن هذه الخطوة هي نقطة تحول في تاريخ الشعب".
ومن اللافت أن هذا الحزب يشترك فيه حفيد السلطان عبد الحميد الثاني، المدعو عبد الحميد كايهان عثمان أوغلو، حيث انتشرت صورهما وهما يوقعان الطلب أمس، على وسائل التواصل الاجتماعي، كما أن فاتح أربكان أعلن ذلك في كلمته.
ولعل وجود هذا الحزب ذي التوجه الإسلامي، يعد بديلاً مناسباً للناخبين المحافظين، عن حزب العدالة والتنمية الحاكم، وفي حال لم يحقق الحزب بداية جيدة كما حصل مع أربكان الأب، فإن المضي قدماً بخطى ثابتة ربما يؤثر في الحياة السياسية التركية، ويستقطب تيارات وقادة إسلاميين له، ممن لا يتوافقون مع توجهات حزب العدالة والتنمية.
ونقلت وسائل الإعلام التركية عن تمل قره موللا أوغلو، رئيس حزب السعادة الذي أسسه أربكان الأب، أن مكان فاتح أربكان هو الحزب الذي أسسه والده، أي حزب السعادة، معتبرا تشكيل الحزب "عملية خاطئة".
ويرى مراقبون أن هذه العودة ربما سيكون لها وقع في الشارع التركي، خاصة مع انخفاض شعبية حزب العدالة والتنمية الحاكم، واضطراره للتحالف مع حزب الحركة القومية اليميني المتطرف، وتصريحات فاتح أربكان تشير إلى أنه قادم بقوة ليستكمل مسيرة العدالة والتنمية، التي أزاحت حكم العسكر، وغيرت نظام حكم البلاد، وزال خطر الانقلابات، مع الحفاظ على علمانية الدولة.
ونجم الدين أربكان من أبرز زعماء تيار الإسلام السياسي في تركيا، وقد بدأ حياته السياسية بعد تخرجه من كلية الهندسة، وأصبح رئيساً لاتحاد النقابات التجارية ثم انتخب عضواً في مجلس النواب عن مدينة قونية، لكنه منع من المشاركة في الحكومات المختلفة بسبب نشاطه المعادي للعلمانية، وتولّى رئاسة وزراء تركيا في الفترة بين عامي 1996 و1997، أيام كان رئيساً لحزب الرفاه، قبل تنحيه بفعل تدخل الجيش وحظر حزب الرفاه وأحيل أربكان إلى القضاء بتهم مختلفة، منها انتهاك مواثيق علمانية الدولة، ومنع من مزاولة النشاط السياسي لخمس سنوات، لكن أربكان لم يغادر الساحة السياسية فلجأ إلى المخرج التركي التقليدي ليؤسس حزباً جديداً باسم الفضيلة بزعامة أحد معاونيه وبدأ يديره من خلف الكواليس.
وتمّ حظر هذا الحزب في عام 2000. ومن جديد عاد أربكان ليؤسس بعد انتهاء مدة الحظر في عام 2003 حزب السعادة، لكن خصومه من العلمانيين، تربصوا به ليجرى اعتقاله ومحاكمته في نفس العام بتهمة اختلاس أموال من حزب الرفاه المنحل، وحكم عليه بالسجن عامين وكان يبلغ من العمر وقتها 77 عاماً.
وخلال وجوده في إحدى حكومات بولنت أجاويد، حاول أربكان فرض بعض قناعاته على القرار السياسي التركي، وأسهم في تطوير العلاقات مع العالم العربي، وأظهر أكثر من موقف مؤيد صراحة للشعب الفلسطيني ومعاد لإسرائيل.