ليس هناك جزائري يدخل مدينة بسكرة، 400 كيلومتر إلى الجنوب من الجزائر العاصمة، من غير أن يكون مدجّجاً بحكايات ترغّبه في أن يكتشف عالم "الدّوبارة"، الذي تحتكر هذه المدينة أسراره، رغم وجود مدن أخرى تعرف بها، مثل باتنة في الشّرق وودادي سوف في الجنوب الشّرقي. علماً أن بعض المسنّين يقولون إن أصل تسمية الدّوبارة يعود إلى طبّاخ في مدينة وادي سوف، مطلع القرن العشرين، يسمّى محمّد الدبّار.
فكما أن مدينة وهران مرتبطة بأكلة الكارنتيتا الموروثة عن العهد الإسباني فيها، وتلمسان مرتبطة بالـ"حريرة" وبوسعادة مربوطة بـ"الزفيطي" وقسنطينة مربوطة بـ"حمّص دوبل زيت"، فإن بسكرة مربوطة بـ"الدّوبارة".
يقوم المطعم الجزائري على فلسفة مفادها بأن الأكلة الحقيقية هي تلك، التي يسهل حفظ مكوّناتها، ويصعب إعدادها خارج البيئة التي أنتجتها، وهذا ينطبق تماماً على "الدّوبارة". فهي مجرّد حمّص أو فول مطبوخ بشكل جيّد في الماء، ثمّ يمزج بالطّماطم المفرومة والتوابل والهريسة والفلفل الحارّ جدّاً، كما يمكن جمع الفول والحمّص معاً، ويؤكل مع الخبز، لكن لا يمكن أن تحقّق لآكلها المتعة الكاملة إلا إذا كانت اليد، التي تعدّها من مدينة بسكرة.
يقول العم عيسى المتقاعد من التعليم لـ"العربي الجديد"، إنه أمر منطقي تماماً، "فالبيتزا التي نأكلها في روما غير البيتزا التي نأكلها في بقعة ما من العالم، إذ هناك سرّ خاص يكبر مع الطهاة، في البيئة الأصلية، لا يمكن أن نجده عند نظرائهم في بيئة مغايرة، حتى وإن التزموا بالوصفة تماماً". يذهب بعيداً في التشبيه: "هل هناك قصيدة تحافظ على بلاغتها وسحرها إذا ترجمت إلى لغة أخرى مهما كان المترجم محترفاً؟".
في مدينة بسكرة، التي زارها المنظّر الشيوعي كارل ماركس للاستشفاء عام 1881، وكتب العديد من الرسائل عن نسيجها الاجتماعي والثقافي لصديقه فريدريك أنجلز، لا يكون السّؤال: أين أجد محلّاً لـ"الدّوبارة"، بل "ما هو أفضل محلّ لها؟". ذلك أنّ المحالّ الخاصّة بها ظاهرة للعيان، في قلب المدينة وأطرافها. يبقى فقط أن تستعين بخبرة أهلها في معرفة الجيّد منها.
يقول الناشط خالد شنّة: "نحن سكّان المدينة لا نجامل في هذا الباب، فنحن نعرف الدّوبارة الجيّدة من الدّوبارة المرتجلة أو المغشوشة. والمحلّ الذي لا يكون طبّاخه محترفاً، بما يحقّق رضا النّاس، سرعان ما يجد نفسه مرغماً على أن يغلق أبوابه". يضيف: "ليس هناك فترة انتقالية، لدى الأطفال البساكرة، هكذا يسمّى سكّان المدينة، بين رضاعة الحليب وأكل الدّوبارة، وهو المعطى الذي يجعلهم متعلّقين بها وأوفياء لها، بعد أن يكبروا".
عن هذا الوفاء، يقول الناشط المنحدر من مدينة بسكرة توفيق ومان: "تقلّ محالّ الدّوبارة المحترفة في الجزائر العاصمة حيث أقيم، لذلك فأنا أختلق سبباً للذهاب إلى بسكرة، فقط لأتمكّن من أكل دوبارة حقيقية". يشرح أكثر: "هناك أكلات وأطباق نكبر عليها، فتمثّل بؤرة الحنين، إذا حدث أن هاجرنا إلى بلاد بعيدة، فكلما دردشت في "فيسبوك" مع مهاجر منحدر من منطقة بسكرة كلما سألني عن آخر مرّة أكلت فيها الدّوبارة. لقد تحوّلت من مجرّد أكلة بسيطة إلى هوّية".
يشرع البساكرة في أكل الدّوبارة بعد خروجهم من صلاة الفجر في المساجد، علماً أن وجبة الإفطار السّائدة في الفضاء الجزائري ذات روح فرنسية، قهوة بالحليب مع خبز بالزبدة والمربّى أو أيّ صنف من أصناف الحلوى. يقول العم عيسى: "لا يحتاج من يأكل الدّوبارة باكراً إلى أن يأكل قبل الرّابعة عصراً، فيقضي أشغاله من غير أن يشوّش الجوع عليه. غير أن أنه يحتاج إلى كمية هائلة من السّوائل، بفعل الهريسة والفلفل الحار، وهذا أمر صحّي".
اقــرأ أيضاً
فكما أن مدينة وهران مرتبطة بأكلة الكارنتيتا الموروثة عن العهد الإسباني فيها، وتلمسان مرتبطة بالـ"حريرة" وبوسعادة مربوطة بـ"الزفيطي" وقسنطينة مربوطة بـ"حمّص دوبل زيت"، فإن بسكرة مربوطة بـ"الدّوبارة".
يقوم المطعم الجزائري على فلسفة مفادها بأن الأكلة الحقيقية هي تلك، التي يسهل حفظ مكوّناتها، ويصعب إعدادها خارج البيئة التي أنتجتها، وهذا ينطبق تماماً على "الدّوبارة". فهي مجرّد حمّص أو فول مطبوخ بشكل جيّد في الماء، ثمّ يمزج بالطّماطم المفرومة والتوابل والهريسة والفلفل الحارّ جدّاً، كما يمكن جمع الفول والحمّص معاً، ويؤكل مع الخبز، لكن لا يمكن أن تحقّق لآكلها المتعة الكاملة إلا إذا كانت اليد، التي تعدّها من مدينة بسكرة.
يقول العم عيسى المتقاعد من التعليم لـ"العربي الجديد"، إنه أمر منطقي تماماً، "فالبيتزا التي نأكلها في روما غير البيتزا التي نأكلها في بقعة ما من العالم، إذ هناك سرّ خاص يكبر مع الطهاة، في البيئة الأصلية، لا يمكن أن نجده عند نظرائهم في بيئة مغايرة، حتى وإن التزموا بالوصفة تماماً". يذهب بعيداً في التشبيه: "هل هناك قصيدة تحافظ على بلاغتها وسحرها إذا ترجمت إلى لغة أخرى مهما كان المترجم محترفاً؟".
في مدينة بسكرة، التي زارها المنظّر الشيوعي كارل ماركس للاستشفاء عام 1881، وكتب العديد من الرسائل عن نسيجها الاجتماعي والثقافي لصديقه فريدريك أنجلز، لا يكون السّؤال: أين أجد محلّاً لـ"الدّوبارة"، بل "ما هو أفضل محلّ لها؟". ذلك أنّ المحالّ الخاصّة بها ظاهرة للعيان، في قلب المدينة وأطرافها. يبقى فقط أن تستعين بخبرة أهلها في معرفة الجيّد منها.
يقول الناشط خالد شنّة: "نحن سكّان المدينة لا نجامل في هذا الباب، فنحن نعرف الدّوبارة الجيّدة من الدّوبارة المرتجلة أو المغشوشة. والمحلّ الذي لا يكون طبّاخه محترفاً، بما يحقّق رضا النّاس، سرعان ما يجد نفسه مرغماً على أن يغلق أبوابه". يضيف: "ليس هناك فترة انتقالية، لدى الأطفال البساكرة، هكذا يسمّى سكّان المدينة، بين رضاعة الحليب وأكل الدّوبارة، وهو المعطى الذي يجعلهم متعلّقين بها وأوفياء لها، بعد أن يكبروا".
عن هذا الوفاء، يقول الناشط المنحدر من مدينة بسكرة توفيق ومان: "تقلّ محالّ الدّوبارة المحترفة في الجزائر العاصمة حيث أقيم، لذلك فأنا أختلق سبباً للذهاب إلى بسكرة، فقط لأتمكّن من أكل دوبارة حقيقية". يشرح أكثر: "هناك أكلات وأطباق نكبر عليها، فتمثّل بؤرة الحنين، إذا حدث أن هاجرنا إلى بلاد بعيدة، فكلما دردشت في "فيسبوك" مع مهاجر منحدر من منطقة بسكرة كلما سألني عن آخر مرّة أكلت فيها الدّوبارة. لقد تحوّلت من مجرّد أكلة بسيطة إلى هوّية".
يشرع البساكرة في أكل الدّوبارة بعد خروجهم من صلاة الفجر في المساجد، علماً أن وجبة الإفطار السّائدة في الفضاء الجزائري ذات روح فرنسية، قهوة بالحليب مع خبز بالزبدة والمربّى أو أيّ صنف من أصناف الحلوى. يقول العم عيسى: "لا يحتاج من يأكل الدّوبارة باكراً إلى أن يأكل قبل الرّابعة عصراً، فيقضي أشغاله من غير أن يشوّش الجوع عليه. غير أن أنه يحتاج إلى كمية هائلة من السّوائل، بفعل الهريسة والفلفل الحار، وهذا أمر صحّي".