لليوم الثاني على التوالي، نظم المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ومعهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية ندوة بعنوان "الدين في المجتمع: دراسات في التغير المجتمعي بعد الحراك العربي" في مركز المعهد في الجامعة الأميركية في العاصمة اللبنانية بيروت. وشكلت الندوة التي افتتحت أمس وأنهت أعمالها اليوم الخميس، مناسبة للباحثين من مختلف الدول العربية لتبادل الآراء والنظريات بخصوص واقع التدين وظواهره الحديثة.
وألقى مدير المركز العربي للأبحاث في بيروت، الدكتور خالد زيادة، كلمة افتتاحية اعتبر فيها أن العودة إلى دراسة الدين من خلال المجتمع "ضرورة ملحة"، داعياً الباحثين في علم الاجتماع إلى بذل المزيد من الاهتمام بقضايا الدين اليومية.
وتابع: "في العقود الأخيرة تم التركيز على الحركات الدينية والجهادية وحجب الاهتمام عن دراسة المجتمع الحيّ، وكأن كل المسلمين منضوون تحت هذه الحركات. وكان المسلمون قليلي الاهتمام بتاريخهم حتى لفت نظرهم اهتمام الغرب بالمجتمع الإسلامي. واستمرت الاتجاهات الدراسية حتى سبعينات القرن الماضي كأن لا شيء يصدر عن المجتمع الإسلامي سوى الحركات الجهادية".
وفي حديث إلى "العربي الجديد"، أوضح زيادة إن الهدف من المؤتمر هو تسليط الضوء على جوانب تتعلق بنظريات علم الاجتماع من الظاهرة الدينية بوصفها ظاهرة اجتماعية. وتابع: "الهدف بحث هذا النوع من الدراسات على مستويات علمية. فهدف المؤتمر ليس مباشراً ولا لتقرير سياسات، وإنما توسعة دائرة فهم الظواهر، خصوصاً أن الظاهرة الدينية هي ظاهرة متغيرة ومنتشرة".
ولفت مدير المركز العربي للأبحاث في بيروت إلى "العودة للدين بطرق جديدة وظواهر جديدة، ولذلك تفيد الدراسات وعينا لما يجري". وأضاف زيادة: "نستنتج بأن هناك تغيرات تبدل الفهم الشائع لما يجري في عالمنا لأن هناك رأياً ساد لفترة بأن كل مظهر ديني هو مظهر سياسي، وهذا غير صحيح لأن هناك الكثير من الاتجاهات الفردية وغير الفردية التي لا تصب ضمن أهداف سياسية".
وعرض رئيس الجمعية الدولية لعلم الاجتماع، الدكتور ساري حنفي، دراسة عن علم الاجتماع الديني في مجتمع ما بعد العلمنة. واعتبر حنفي أن هناك سوء فهم بين العلوم الاجتماعية والعلوم الدينية، فلجأ لمقاربة تظهر كيف تنظر العلوم الاجتماعية إلى العلوم الدينية وكيفية "فك الاشتباك بين الطرح الدياني والطرح العلماني". وتوصل إلى أن العلمنة ما زالت تمثل مساراً هاماً للديمقراطية والحداثة، كما خلص إلى أن "لا إمكانية لفك الاشتباك بين الديانية والعلمانية دون الاعتراف بالآخر ودون عقل علمي غير استبدادي".
ضعف الثقة بالمؤسسات الدينية
طرحت في الجلسة الأولى مسألة بروز ظاهرة التدين الفردي السني والشيعي والمسيحي. وعن التدين السني تحدث الدكتور رشيد جرموني، وعرض دراسة أجراها على عينة من الأشخاص في المغرب. وقال: "هذه الظاهرة تعني أن الإنسان سيحافظ على معتقداته وإيمانه دون الارتباط بمؤسساته الدينية بل يصبح مرجعاً لنفسه. أما العوامل التي أدت لبروز هذه الظاهرة فهي: ضعف الثقة بالمؤسسات الدينية والتحولات التي طاولت الحركات الإسلامية، والثورة التربوية وتداعياتها والتحولات التي شهدها الإعلام الديني".
وتحدثت الدكتورة رولا تلحوق عن التدين المسيحي، وعرضت لما توصلت إليه من خلال دراسة ميدانية أجرتها على مجتمع متدين مسيحي ومجتمع متدين شيعي متجاورين في حارة حريك وعين الرمانة. وتذكر تلحوق أنها لاحظت تصرفات مرتبطة بالسياسة والخوف على الذات والقلق، واعتماد تجييش مقصود لدى مسيحيي عين الرمانة. كما استخلصت أن الناس تلجأ إلى من يعطيها أجوبة معلبة لا إلى من يعلمها التمييز لأنها تبحث عمن تلقي عليه مسؤولية التفكير.
تعليم ديني لا يؤسس للعيش المشترك
تناولت الجلسة الثانية مسألة نشوء المؤسسة الدينية الإسلامية تاريخياً، ودور مؤسسات الإفتاء ونشوء المؤسسة الدينية الشيعية وبروز الهوية الأرثوذوكسية.
وفي كلمته تحدث الدكتور رضوان السيد عن فوضى الكليات التي تخرج رجال الدين والتي ظهرت نتيجة تقاطعات سياسية معينة.
وانتقلت الجلسة الثالثة من مسألة المؤسسات الدينية إلى مسألة مناهج التعليم الديني. وتحدث الدكتور عبد الغني عماد بالتفصيل عن بروز شراكة تربوية في المؤسسات التعليمية اللبنانية أنشأتها التيارات الإسلامية بعد الثورة الإسلامية في إيران. وقال: "ارتفع الصرف الإيراني على التربية وأنشئت شبكات المدارس التابعة لأحزاب كحزب الله. أما الخطورة ففي انتشار كليات الشريعة وقد أحصينا 42 معهداً شرعياً في طرابلس وعكار والضنيه فقط، وهناك سهولة في الانتساب إليها".
وأضاف: "أجرينا دراسة على 520 طالباً يدرسون في مدارس رسمية وخاصة وفي معهد ديني. أظهرت النتائج أن 97 في المائة من طلاب المعاهد الدينية يرون أن العمل تحت رئاسة شخص من دين مختلف أمر غير مرغوب به، مقابل 29 في المائة من طلاب المدارس الخاصة و13 في المائة من طلاب المدارس الرسمية. كما أن 85 في المائة من طلاب الجامعات الإسلامية يعتبرون أنه من غير المستحسن إرسال أولادهم إلى مدارس رسمية أو علمانية، وهو ما لن يكون لصالح العيش المشترك".
في خلاصته رأى عماد "إن هذه المؤسسات تحول الدين إلى أداة تعبئة، وتكرس البنية الأبوية وسلطتها البطركية. وتقوم بعملية تدجين اجتماعي تصنع شخصيات طيعة تتحول إلى عدوانية مفرطة تجاه الآخر".
كليات الشريعة...نظرة ناقدة
وعن تدريس الشريعة في الجامعات الأردنية تحدث الدكتور محمد الشريفين عن أهمية علم الشريعة الذي يخرج قضاة شرعيين وأشخاصاً في مواقع وظيفية مختلفة. لكنه لفت إلى أن معدلات الطلاب الذين يختارون دراسة الشريعة تلامس الصفر. وقال الشريفين: "عملنا على رفع معدلات قبول الطلاب في هذه الكليات ففوجئنا بعدم تقديم أحد للدراسة في كليات الشريعة، لتعود الوزارة وتخفض معدل قبول الطلاب في هذه الكليات".
أما تدريس الشريعة في جامعة الأزهر فقد تناوله الدكتور محمد عبد الوهاب الذي كان طالباً فيها. لكن كلامه حمل الكثير من النقد لمناهج الأزهر. فتحدث عن "استبداد الأساتذة بالطلبة والسخرية من الطلبة المخالفين" واصفاً المناخ العلمي فيها بالباهت والمستوى التعليمي بالهابط. وأضاف: "المؤسسات الدينية التقليدية لن تسعى بذاتها للإصلاح والتجديد ما لم يطلب منها ذلك". وأعطى العديد من الأمثلة عن شيوخ علم في الأزهر وطالبوا بالإصلاح فيه فتعرضوا لحملات ضدهم.