"الدعاوى الكيدية" تدفع آلاف العراقيين إلى التخفّي خارج مدنهم

18 يوليو 2019
لا يستطيعون العودة إلى مدنهم (Getty)
+ الخط -

على الرغم من التحسّن الملحوظ في الملف الأمني في عموم محافظات العراق بشكل نسبيٍّ، إلّا أنّ معاناة العراقيين ما زالت مستمرة بسبب تركة ثقيلة لملفات قد تكون السلطة القضائية عجزت عن حسمها أو تركتها للزمن، لكن ذلك لا يعني أنّ المشمولين بها يستطيعون العيش بمأمن وفي ظل حياة هادئة.

وعلى مدى سنوات تلت عام 2003 وحتى يومنا هذا، سجّلت المؤسسات القضائية العراقية آلاف الدعاوى التي وصفت بـ"الكيدية" أقامها أشخاص بدوافع مختلفة منها العداء والبغض والمشاكل العائلية والعشائرية وغيرها، لتندرج ضمن قضايا الإرهاب الأكثر شيوعاً في العراق.

وعلى وقع تلك الدعاوى، وخوفاً من يد السلطة القضائية، أجبر آلاف المطلوبين بتلك التهم، على الهجرة من مدنهم إلى مدن أخرى، في رحلة اصطلح عليها البعض "رحلة التخفّي" ليبتعدوا عن مناطقهم التي لا يستطيعون العيش أو العمل فيها.

وبحسب أبو عبد الله، وهو شاب في الـ29 من العمر، فإنّ "الرحلة محفوفة بالمخاطر والمصاعب، كما أنّ التكيّف مع الحياة الجديدة صعب للغاية"، ويقول لـ"العربي الجديد"، إنّه "رحل قبل 7 سنوات من منطقته بمحافظة ديالى (شمال شرقي بغداد) بسبب دعوى كيدية رفعها ضده مجهول اتهمه بتقديم الدعم والارتباط بتنظيم داعش".

وأضاف: "لم أعرف تحديداً الشخص الذي أقام الدعوى ضدّي، لكنّني حصرتها داخل عائلة في منطقتنا، وهي لا تخرج من أحد أفرادها، فتلك العائلة بيننا وبينهم مشاكل عائلية قديمة، وهم يتحينون الفرص للإيقاع بي أو بأبي، وإلّا فالمنطقة كلها تعلم أنني لا أنتمي لشيء وكافر بالسلاح وحَمَلته وأي فكر ديني متطرف، لكنّ تلك العائلة وجدت الفرصة سانحة للتخلص مني بهذه الطريقة".

وتابع: "دهمت القوات الأمنية منزلنا ولم أكن فيه ساعتها وعلمت بالتهمة. لم يكن لدي خيار سوى الرحيل، فمن يقع بيد القضاء سيقضي سنوات طوالاً في السجن لا يعلمها إلّا الله قبل أن ينجح في إثبات براءته أو يجمع أموالاً لدفعها لضابط التحقيق حتى يفك سجنه".

وأشار إلى أنه "اليوم أعيش في محافظة بعيدة جدّا عن محافظتي، ولا أحد يعرفني فيها، وأعمل سائق سيارة أجرة اشتريتها"، وتابع: "أواجه صعوبة كبيرة في الحياة، أعيش غريباً مع زوجتي وطفلي، والقضاء لا يحرك ساكناً لحسم قضيتي، رغم أني وكّلت محامياً لذلك حتى أعود لأعيش حياتي كالآخرين".

وأكد محامون أوكلوا من قبل بعض المطلوبين بتلك القضايا، أنّ أغلب الدعاوى الكيدية صعبة الحسم في القضاء، خاصة أنّها مرتبطة بقضايا الإرهاب.

وقال المحامي، أزهر العزاوي، لـ"العربي الجديد": "أتابع ثلاث قضايا لمطلوبين بقضايا كيدية، وكلها بتهم الإرهاب"، مبينا أنّ "الاتهامات وإن لم تستند إلى دليل سوى الاتهام، إلّا أنّها صعبة للغاية، فقضية الإرهاب والانتماء للتنظيمات المسلحة صعبة الحسم".

وأضاف: "أحاول إثبات أنّ القضايا كيدية من خلال بعض الثغرات فيها، إلّا أنّ القضاة يريدون إحضار المتهمين وتسليمهم للخضوع للمحاكمات، وهذا بحد ذاته شيء خطير، وقد لا يحصل المتهم على براءته، ومن ثمَّ يبقى في السجن"، مشيراً إلى أنّ "الموضوع برمته يحتاج إلى قرار حكومي لحسمه، فلا يمكن بقاء هذه الحال على مدى سنوات من دون حسم".

وتقول سعدة جاسم (69 عاما) إنها لم ترَ ابنها منذ خمس سنوات وتخاف أن تموت ولا تكحل عينها برؤيته، ولذا قررت السفر له إلى أربيل حيث يعيش.

وتضيف لـ"العربي الجديد": "ابني مدرس هرب إلى الإقليم عام 2014 فقد اتهموه بتهمة باطلة وهي العمل مع "داعش"، بلّغ عنه مخبر سري بيننا وبينه خلاف قديم، ورغم تقديمه كل ما يثبت براءته لم يشفع له ذلك وحاليا يعيش في إقليم كردستان ولا يستطيع العودة ولو كانت ثقة بالقضاء العراقي لقلنا له عد وواجه، لكن سيعتقلونه ويعذبونه وينسونه في السجن".


وتؤكد السلطة القضائية من جهتها، أنّها ملزمة بتطبيق القانون على أي مطلوب، مع أنّها متيقنة من أنّ عشرات الآلاف من القضايا هي كيدية وغير حقيقية. ويقول قاض في إحدى المحاكم العراقية، لـ"العربي الجديد": "السلطة القضائية تتعامل وفق قوانين محددة. لا يمكن أن تحسم قضية من دون حضور المتهم وتسليم نفسه أو القبض عليه".

ويتابع: "نعلم أنّ عشرات الآلاف من القضايا هي كيدية، لكن مع ذلك لا نستطيع أن نبت في ذلك من دون أدلة وقرائن قانونية، والمتهم في حال رغب في تسليم نفسه ستكون عليه مواجهة سجن توقيفي قد يصل إلى عدة أشهر قبل أن تحسم قضيته قضائيا ويفرج عنه أو يدان، لذلك فإن المواطن المتهم يختار رحلة الهرب خارج العراق أو بمناطق أخرى منه لا يعرفه أحد فيها".