"الخرطوم للكتاب".. عقبة الرقم 13

27 أكتوبر 2017
(من المعرض)
+ الخط -
مثلما كان للرقم "13" خصوصيته عند علماء الأرقام، كان للدورة الـ13 من "معرض الخرطوم الدولي للكتاب" المنعقد في "أرض المعارض ببري" في العاصمة، والذي افتتح الثلاثاء قبل الماضي في 17 أكتوبر/ تشرين الأول، وينهي فعالياته بعد غد الأحد، خصوصيتها عند كل المرتبطين بالمعرض؛ ناشرين ومثقفين وزواراً ومسؤولين.

تكمن خصوصية هذه الدورة أيضاً، في أنها تأتي تزامناً مع الاحتفال بمدينة "سنار" (300 كلم جنوب الخرطوم)عاصمة للثقافة الإسلامية لعام 2017 من قبل "المنظمة اﻹسلامية للتربية والعلوم و الثقافة – إيسيسكو". وسنار كانت عاصمة لـ"الدولة السنارية" (1505-1821)، إحدى أكبر الدويلات العربية الإسلامية في تلك الفترة، وتكونت من تحالف "مشيخة العبدلاب" و"سلطنة الفونج"، واستمرت في الحكم لمدة ثلاثمائة عام، وتعتبر اليوم بداية لتشكّل ملامح الدولة السودانية الحديثة.

وفيما يخصّ التنظيم، استطاع الناشرون وعلى عكس ما كان يحدث في الدورات السابقة؛ خصوصاً في ما يتعلق بتأخر شحن الكتب ومحاولة فكّها وترتيبها يومي الافتتاح واليوم التالي له، تجاوز هذه العقبات اللوجيستية، الأمر الذي يبدو معه أن دورة هذا العام شهدت تخطيطاً أجود من الدورات الفائتة. يقول مصطفى البهراوي من "مجموعة النيل المصرية" في حديثه لـ"العربي الجديد" إن هذا العام هو الأفضل من ناحية التخطيط، مقارنة بالأعوام السابقة، مؤكداً أنهم استطاعوا أن يفرزوا كتبهم باكراً، كما أن الشحن وصل في وقت معقول. ومن جهة أخرى عزا البهراوي قلة الإقبال - في أيام المعرض الأولى - لا لغلاء الأسعار، بل لتعوّد السودانيين على اقتناء ما يريدونه من الكتب، في الأيام القليلة قبيل انتهاء المعرض.

في نفس السياق، كان قرّاء السودان ومثقّفوه وطلابه يبنون آمالاً عريضة على إمكانية انخفاض أسعار الكتب، ويخطّط بعضهم لاقتناء كتب كثيرة، بعد أن تم رفع الحصار الاقتصادي، الذي فرضته الولايات المتحدة الأميركية على السودان منذ عام 1997، وأثر على المواطن السوداني في كافة المناحي الحياتية، وبالخصوص على قطاع الكتب التي صارت ترفاً لا يقدر عليه الجميع، ولا يبدو أن الوضع قد تغيّر الآن، إن لم نقل إنه زاد غلاءً.

غلاء الأسعار إذن، هو السمة البارزة في هذا المعرض الذي تشارك فيه أكثر من 300 دار نشر محلية وإقليمية. أسعار الكتب زادت عما كانت عليه في مكتبات البلاد، الأمر الذي عزته الناشرة سناء أبو قصيصة، صاحبة "دار مدارك للنشر" إلى ارتفاع إيجار مساحات العرض، خصوصاً لمن اختار من الناشرين موقعاً مميزاً قرب البوابات مثلاً، وتقول في حديثها لـ"العربي الجديد": "أنا مثلاً أؤجر مساحة من ثلاثة أمتار مربّعة، وأدفع ما يعادل 418 دولاراً لمدة عشرة أيام فقط، هذه القيمة تتطلب مني أن أبيع بمبلغ ألف جنيه سوداني يومياً، وهذا ما لا يحدث مطلقاً؛ لذلك نضطر لرفع أسعار الكتب".

وعن تنظيم المعرض، أضافت سناء أنه جيد، إلا أنها أشارت إلى عدم وجود عناوين جديدة لدى الناشرين الأجانب، مضيفة أنها لاحظت غلبة الكتب الدينية وكتب التراث على الكتب الأخرى خصوصاً الفكرية منها. وأنهت سناء حديثها مؤكدة أنه لا يمكن اعتبار معرض الخرطوم دولياً، بل هو أشبه بمعرض سوداني مصري، وحتى على مستوى مصر، لم تشارك دور النشر الكبرى، وعوّضتها بعض من "المكتبات الصغيرة". ودعت سناء القائمين على أمر المعرض إلى معرفة ما يريده القراء السودانيون من كتب، ومشاركتها مع الناشرين، منبّهة إلى ضرورة وضع خريطة كبرى في مكان بارز بالمعرض، توضّح مواقع دور النشر وأرقامها، حتى لا يتعب الباحثون في الوصول إليها.

وأكد عماد أبو مدين صاحب "دار الريم للنشر والتوزيع" على غلاء أسعار مساحات العرض، وتحسّن مستوى تنظيمه مقارنة بالأعوام السابقة، مع إقبال كثيف على الكتب السودانية، ونادى بضرورة تكثيف الترويج للمعرض قبل وخلال انعقاده، مع توفير وسائل النقل لطلاب المدارس.

من جهة أخرى، جاءت شخصية هذه الدورة، متوافقة مع كون "سنار" عاصمة للثقافة الإسلامية، وذلك باختيار الشاعر الراحل محمد عبد الحي صاحب "العودة إلى سنار" اسماً شرفياً للدورة. كما ستكرم "وزارة الثقافة" السودانية، عدداً من المثقفين الراحلين من قبيل الشاعر التجاني يوسف بشير (1912-1937)، وفي مجال القصة والرواية ملكة الدار محمد عبد الله (1920-1969)، وفي التشكيل محمد أحمد شبرين (1931-2017)، وأحمد الطيب زين العابدين (1937 -1998) وهو أحد منظري "السودانوية" بعد رائد التيار نور الدين ساتي، ومن المسرحيين الفكي عبد الرحمن (1933-2011). وفي صفوف الأحياء كُرّم كل من القاص نبيل غالي، والمسرحيان يحيى شريف والرشيد مهدي، ومن شيوخ الطرق الصوفية كرم الشيخ محمد حاج حمد الجعلي، ومن علماء الآثار علي عثمان محمد صالح، ومن دور النشر سيتم تكريم أسرة "دار جامعة الخرطوم للنشر".

وضمن البرنامج المصاحب للمعرض، تم تنظيم عدد من جلسات توقيع الكتب الجديدة، مثل رواية "حاملات القرابين" للروائية زينب بليل، وكتاب "نهضة الأمة كيف تكون؟" لطارق الهادي، وكتاب "المدينة في الشعر السوداني" لأسامة خليل، ومجموعة أسامة سليمان الشعرية "قهوة الحرب"، وغيرها.

وبنظرة عامة حول الكتب المقتناة بكثرة من طرف الزوار، يمكن ملاحظة تنوع وجدّة تمتاز عن النسخ السابقة، بالإضافة إلى زيادة الطلب على الكتب الدينية، في هذا السياق يشير الناقد عز الدين ميرغني إلى أن المعرض "ضم العديد من دور النشر الجديدة، وهناك دور نشر تنشر عناوين لأول مرة، وظهور أكثر من 78 دار نشر مصرية بها مطبوعات متنوعة من الكتب العلمية والدينية، لكنني لاحظت قلة في الكتب الأدبية".

على هامش المعرض، يبقى سؤال هل استحدثت حكومة السودان "ضيف شرف الدورة"، لتكون البداية من نصيب مصر، ليطفئ "الثقافي" الحرائق التي يشعلها "السياسي"، خاصة مع احتدام الصراع الدائم في قضية منطقة "حلايب" بين الدولتين، أم أن ما علق بالقلب من "غبار الكلام" سيظل عالقاً، خاصة أن بعض المثقفين - من الدولتين - وصحافيي التحريض من مصر خصوصاً، ذهبوا نحو مناطق حرجة في الراهن والتاريخ المشترك.

المساهمون