"الحُديدة" تجوع... قلب اليمن الاقتصادي يتوقف عن النبض

15 فبراير 2020
تعد الحديدة بوابة المساعدات الإغاثية لليمن (فرانس برس)
+ الخط -
لم يكن ينقص مدينة الحديدة الساحلية، غرب اليمن، سوى استمرار الاشتباكات بعد حرب طاحنة كانت قد شهدتها مناطق الساحل الغربي لليمن وقتلتها ببطء، مع تلاشي الحياة وغياب الخدمات وتهجير رؤوس الأموال الوطنية منها. وتوقفت الأعمال في المدينة التي كانت مركزاً اقتصادياً أساسياً في اليمن، وسط انتشار سوء التغذية بين المواطنين وتوقف الحركة الملاحية في أحد أهم موانئ اليمن في الاستيراد والتصدير.

يضاف إلى هذه الأزمات انعدام الدخل لدى غالبية السكان وتأثر أهم مورد اقتصادي تعتمد عليه نسبة كبيرة منهم والمتمثل بنشاط الصيد البحري نتيجة القصف الذي نال من الكثير من الصيادين واستهدف لقمة عيش الآلاف منهم. 

وتعتبر الحديدة مركزاً أساسياً لصيد السمك وتصديره، وكانت صادرات اليمن من السمك قبل الحرب تحتل المرتبة الثانية بعد صادراتها النفطية، حيث تصدر اليمن الأسماك إلى 50 دولة آسيوية وأفريقية وأوروبية، منها 12 دولة عربية، بنسبة 58% من الصادرات.

ووقعت الحكومة اليمنية ومليشيات الحوثيين في العام 2018 اتفاقاً برعاية الأمم المتحدة يقضي بوقف إطلاق النار وإعادة الانتشار في الموانئ ومدينة الحُديدة، خلال 21 يوماً من بدء وقف إطلاق النار، إلا أن هذا الاتفاق يتعرض إلى خروقات، على الرغم من نشر الأمم المتحدة خمس نقاط مراقبة لوقف إطلاق النار في الحديدة.

أزمات متواصلة
ويلوح البؤس من كل زقاق في مدينة الحديدة في شمال غرب اليمن، خصوصاً مناطقها الريفية، مثل الدريهمي وباجل وغيرهما، والتي يعاني أهلها من شظف العيش وتعصف بها أزمة إنسانية طاحنة، إلى حد أن الأمم المتحدة صنفتها أخيراً "منطقة منكوبة".

ويُعد ميناء الحديدة مركزاً أساسياً لاستقبال المساعدات الإغاثية القادمة من أنحاء العالم، كما كان يعد نبض الاقتصاد اليمني، كونه ثاني أكبر الموانئ التجارية في اليمن، الذي تتركز فيه عمليات الاستيراد والتصدير. ويعد ميناء الحديدة من مراكز التجارة التاريخية على الساحل اليمني، نظراً لقربه من الخطوط الملاحية العالمية. إلا أنه بعد سيطرة الحوثيين عليه في العام 2014، أصبح مسرحاً للصراعات. والجمعة، أعلن مسؤول أممي أن المتمردين الحوثيين تخلوا عن التهديد بفرض "ضريبة" على المساعدات الإنسانية.

وقال المسؤول المتمركز في صنعاء، وفق وكالة "فرانس برس"، إن إدارة الحوثيين "قررت في اجتماعها في 12 من شباط/ فبراير إلغاء نسبة 2% التي كان المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية والتعاون الدولي التابع للمتمردين الحوثيين يعتزم فرضها.

وتعاني بعض أحياء هذه المدينة الساحلية وضعاً مأسوياً للغاية، وتكتظ العديد من المستشفيات والمرافق الصحية بالأطفال المصابين بسوء التغذية القادمين من المديريات والمناطق النائية، إضافة إلى زيادة المعاناة المعيشية بسبب انعدام الدخل وارتفاع الأسعار وعدم قدرة السكان على توفير احتياجاتهم الغذائية والاستهلاكية.

وتعتمد نسبة كبيرة من السكان على ما يصلها من المساعدات الإغاثية رغم قلّتها، كما يؤكد المواطن جابر الأشعري، الذي يعيش في مدينة الحديدة بعدما استطاع الهروب من منطقة الدريهمي المحاصرة والمنكوبة بأزمة إنسانية شديدة منذ أكثر من عام.

ويشرح الأشعري لـ"العربي الجديد"، أنه على جميع الأطراف والأمم المتحدة والمجتمع الدولي النظر بجدية إلى معاناة الناس في جميع مناطق الحديدة، التي تحتاج إلى إعلان حالة الطوارئ لإغاثة الناس بدلاً من المسكنات التي لا تسمن ولا تغني من جوع.

انتشار الفقر
من جانبه، يشرح كمال الفقيه، وهو من سكان الحديدة، معاناة المواطنين من صعوبة الحصول على الاحتياجات الغذائية اليومية وانعدام الدخل وانتشار الجوع، وذلك مع وجود موجة نزوح متواصلة من مناطق الساحل الغربي إلى المناطق المستقرة نسبياً في اليمن منذ اشتداد المعارك قبل أكثر من عام إلى اليوم.

ويرى الفقيه في حديث لـ"العربي الجديد"، ضرورة العمل على تخفيف معاناة الناس ومساعدتهم في العودة لممارسة حياتهم بصورة طبيعية، وإعادة الحياة لمدينة الحديدة من خلال فتح الطرقات ورفع الأضرار التي لحقت بها. إذ تواجه المدينة وريفها دماراً واسعاً بسبب الحرب الشرسة التي دارت فيها إضافة للقصف الجوي لطيران التحالف، ونتج عن ذلك شلل تام في كافة نواحي الحياة وسط مشاهد الطرقات المقطوعة والممتلكات المدمرة، في حين لا يزال التوتر يسود حتى اليوم نتيجة تقطيع أوصال المناطق في نزاعات بين طرفي الحرب في البلاد، الحكومة اليمنية والحوثيين.

وتقول أم عادل (33 سنة)، إنها تعيش وأسرتها أوضاعاً معيشية مزرية، بعدما عملت جاهده على بيع بعض الممتلكات لنقل ابنها من منطقة باجل، شمال المحافظة، إلى المستشفى بمدينة الحديدة للحصول على علاج من سوء التغذية. وتضيف "ابني يفقد وزنه كل يوم بسبب نقص الغذاء" الذي تعاني منه هي أيضاً نتيجة للأوضاع المعيشية الصعبة.

ويواجه اليمن اليوم أزمات مركبة على مختلف الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية، ومنها أزمة الخدمات الاجتماعية الأساسية في الصحة والمياه والتعليم وانهيار الأمن الغذائي.

آثار الحرب
ومن دون حشد المزيد من الدعم، فإن ملايين اليمنيين، خصوصاً في المناطق المنكوبة مثل الحديدة، سيعانون من الجوع، حسب محمد الفلاحي، المسؤول في مجموعة شركاء التغذية (منظمة محلية متخصصة بالمساعدات الإغاثية).

ويقول الفلاحي لـ"العربي الجديد"، إن "الجوع وباء قاتل ينتشر في الحديدة ومختلف مناطق الساحل الغربي لليمن، وهناك صعوبة في تغطية احتياجات جميع المناطق بالمساعدات الإغاثية. إضافة إلى سوء التغذية الذي يعتبر أخطر مشكلة يواجهها اليمن وليس فقط الحديدة بالفترة الراهنة، وهناك صعوبة بالغة في التعامل معها من قبل المؤسسات والجهات الرسمية والمنظمات الدولية".

وتنتشر في الحديدة ومختلف مناطق الساحل الغربي لليمن جيوب انعدام أمن غذائي حاد وسوء تغذية ومجاعة وآثار كارثية أحدثتها الحرب والصراع الدائر والحصار الإنساني في هذه المناطق.

ويعود ذلك، حسب خبراء وتقارير اقتصادية، إلى عدة أسباب، منها توقف إعانات صندوق الرعاية الاجتماعية منذ 2015 والتي تغطي 144.143 حالة بمبلغ 2.1 مليار ريال، وتعطل مصدر الدخل الرئيسي لسكان المديريات الساحلية المعتمدين على صيد السمك، فضلاً عن نفاد المدخرات وانتشار الفقر.

وحسب مسؤول محلي في محافظة الحديدة، فقد ألحقت الحرب، وخصوصاً القصف الجوي، أضرارا بالغة في لقمة عيش الناس في الحديدة، وتوقفت موارد الدخل لغالبية سكان المدينة ومناطقها الريفية.
المساهمون