تستمر مليشيات "الحشد الشعبي" في العراق، بمنع سكان محافظة صلاح الدين من العودة إلى مناطقهم المحرّرة للشهر الخامس على التوالي، سعياً لإحداث تغيير ديموغرافي فيها على أسس طائفية وسط عجز حكومي عن حل الموضوع الذي بدا مشكلة سياسية ذات دوافع طائفية أكثر من كونه موضوعاً إنسانياً أو حتى أمنياً.
وتُحمّل تلك المليشيات الأهالي وعشائر المحافظة الشمالية مسؤولية قتل عناصرها على يد تنظيم "الدولة الإسلاميّة"، (داعش) وتصر على دفعهم ديّة عشائرية.
وأوضح عضو مجلس عشائر صلاح الدين، الشيخ عبد الخالق الجبوري، لـ"العربي الجديد"، أنّ "النازحين في أغلب مناطق محافظة صلاح الدين مُنعوا من العودة إلى مناطقهم من قبل مليشيات الحشد الشعبي"، مشيراً إلى أنّ "المليشيات وبعض العشائر المتعاونة معها على أساس طائفي سيطروا على أغلب مناطق المحافظة منذ نحو سبعة شهور، وسيطروا على ممتلكاتها ومحاصيلها الزراعية وهم يجنونها ويأخذون ريعها لهم".
ولفت إلى أنّ "الحشد كان قد أبلغ النازحين في بداية الأمر أنّهم سيرفعون الألغام من تلك المناطق خلال مدّة شهرين لتسهيل عودة النازحين، وبعد الشهرين قالوا إنّ هناك خلافات عسكرية تحول دون عودتهم، ومن ثم قالوا الخلافات العشائرية تعطّل العودة، وأنّ العشائر التي تضرّرت من قبل (داعش) تبحث عن قاتلي أبنائها من (التنظيم) وهم من ضمن العشائر النازحة".
وأكد الجبوري أنّ "المليشيات والعشائر التي تسيطر على بلدة يثرب في صلاح الدين، طلبت ديّة عشائرية من العشائر النازحة من المنطقة عن قتل تنظيم (داعش) لأبنائها"، مضيفاً أنّنا "أبلغنا الحكومة المحلية والحشد أن العشائر النازحة هم من ضحايا (داعش) الذي قتل أبناءهم وهجّهم من منازلهم، وأنّ كافة العشائر الذين ينتمي بعض من أبنائهم للتنظيم تبرأت منهم علناً وأمام الجميع، ومن غير المعقول أن يدفعوا ديّة بدلاً عن التنظيم".
وتابع "لم نستطع تلافي الموقف، وخشينا من تحركات عشائرية بدعم من المليشيات قد تتسبب بمشاكل بين العشائر على أسس طائفية، وقرّرنا دفع الديّة لهم، واشترطنا على العشائر والحشد أن يعود النازحون في حال دفعوا الدية، ووافقوا على تلك الشروط".
وأوضح الجبوري أن "الدية بلغت 4 مليارات دينار عراقي، وهو مبلغ كبير جداً تحمّلته العشائر النازحة من بلدة يثرب على أمل العودة"، مؤكداً أن "الحشد والعشائر الموالية له، استمروا بمنع النازحين من العودة رغم استلامهم الديّة".
بدوره، قال عضو مجلس محافظة صلاح الدين، محمد ناظم، إنّ "الحكومة المركزية غير جادة في عودة النازحين، وهي داعمة لمليشيا الحشد بكل تصرفاته".
وأشار ناظم في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى إنّ "الأموال المتحصلة من البساتين والمحاصيل الزراعية في مناطق النزوح تبلغ مليارات الدنانير، وقد أصبحت تحت سيطرة الحشد والعشائر المتعاونة معه، وهم يسوّقونها داخل المحافظة وخارجها"، لافتاً إلى أنّ "مجلس المحافظة حاول التدخل لمنع هذه السرقة وبحث حل لأزمة منه عودة النازحين، لكنّه قوبل برفض من قبل الحشد والذي منع رئيس المجلس وأعضاءه حتى من دخول مناطق النزوح".
وشدد على أنّ "قضية الديّة العشائرية وتحميل العشائر النازحة مسؤولية دفعها بالنيابة عن تنظيم (داعش)، كون النازحين من الطائفة السنية، أمر خارج عن القانون وعن الأعراف العشائرية وحتى الدينية".
واعتبر أنّ "هذه الأزمة وما يفعله الحشد من انتهاكات في المحافظة كلها بسبب سكوت الحكومة عنه، وعدم محاسبته قانونياً"، مناشداً الجهات الدولية ومنظمات حقوق الإنسان بـ"التدخل العاجل لحل أزمات النزوح في المحافظة، ورصد انتهاكات الحشد الشعبي فيها".
من جهته، رأى عضو تحالف "القوى العراقيّة" عن محافظة صلاح الدين، سلمان عبد الرزاق، أنّ "الحشد الشعبي يحارب السلم الأهلي في المحافظة".
وقال عبد الرزاق لـ"العربي الجديد"، إنّ "إجبار العشائر النازحة على دفع الديّة للعشائر التي عادت إلى مناطقها هو دق إسفين فتنة طائفية، وتحميل تلك العشائر مسؤولية جرائم (داعش)، الأمر الذي سيقضي على التعايش السلمي في المحافظة".
وأكد أن "على الحكومة أن تعي خطورة ذلك، وأن تتدخل لمنع الحشد من تأجيج الفتنة الطائفية في المحافظة، والتي اعتادت على التعايش السلمي بين مكوناتها منذ قرون".
اقرأ أيضاً: العثور على 19 جثة في نهر بديالى اعتقلتهم مليشيا