بدت ساحة حاجز قلنديا العسكري، ليلة السبت، كأنها ساحة حرب؛ غزارة الحجارة التي ألقيت على جنود الحاجز لا تزال شاهداً على عنف المعركة، التي باغت فيها نحو مئتي شاب فلسطيني من أبناء المخيم جنود الاحتلال على الحاجز وهاجموهم، فلم يكن أمام الجنود سوى الفرار.
وتحوّل برج المراقبة العسكري إلى كتلة إسمنت سوداء، بفعل قوة النيران المنبعثة من عشرات الزجاجات الحارقة، ولا تزال بقايا الإطارات المشتعلة تملأ الشارع الممتد من المخيم حتى الحاجز.
يقول أحد النشطاء الميدانيين في المخيم: "لم يحدث مثل هذا الهجوم في السابق. رفاقي أمطروا الجنود بالحجارة، ولم يتمكنوا من استخدام أسلحتهم، وانهمكت مجموعة أخرى بقذف البرج بالزجاجات الحارقة، والتي بدت تتطاير كالمنجنيق".
الجنود الفارون عادوا إلى مواقعهم بعد نحو نصف ساعة، بصحبة قوة كبيرة من جيش الاحتلال، اشتبكت مع الشبان لساعات، أطلقت خلالها الرصاص الحي والمطاطي وقنابل الغاز، ما أوقع نحو 30 إصابة، أربعة منهما بالرصاص الحي، و26 إصابة بالرصاص المطاطي.
يقول ناشط آخر: "لقّنّاهم درساً. لا يمكننا السكوت على جرائمهم في غزة بعد اليوم. لقد تركنا السياسة لأهلها، نحن نعبّر عن أنفسنا". ويتابع: "للسياسيين أن يتصرفوا على هواهم، لكن الأمر بالنسبة لنا قد انتهى، لم تجلب المفاوضات لشعبنا إلا الكوارث، والمزيد من جرائم الاحتلال".
وبدا المشهد يكرر نفسه على حاجز مخيم شعفاط، شمالي القدس المحتلة، وهو المخيم الوحيد الواقع داخل حدود دولة الاحتلال.
أكثر من مئة شاب تجمعوا بعد صلاة التراويح، وشنوا هجومهم الكاسح على منشآت الاحتلال، ورشقوا الجنود بالحجارة، وألقوا "الحارقات" على البرج العسكري. وأطلق الجنود النار عشوائياً، ما أدى إلى وقوع العديد من الإصابات، كما قال المتحدث باسم حركة "فتح" في المخيم، ثائر عبد ربه، لـ"العربي الجديد".
وأشار عبد ربه إلى حالة من الغضب في نفوس الشباب، عقب ما يشاهدونه من جرائم قتل وترويع في قطاع غزة.
النيران أضاءت بلدتي حزما وعناتا، القريبتين من مخيم شعفاط، بفعل "الحارقات" التي أطلقها شبان غاضبون على دوريات الاحتلال ومركبات مستوطنيه، بينما كانت المواجهات في العيسوية هي الأعنف، إذ أصيب أكثر من عشرين شاباً بالرصاص المطاطي، وفق ما صرح به عضو لجنة المتابعة في البلدة، محمد أبو الحمص.
وامتدّ عنف المواجهات في العيسوية إلى البلدة القديمة، إذ انتفض شبان مقدسيون في حي باب حطة، وهاجموا مركزاً لشرطة الاحتلال في منطقة باب الأسباط. وحطموا جميع كاميرات المراقبة التي نصبتها الشرطة لرصد ومتابعة تحركات شباب القدس القديمة، وكذلك المصلين الوافدين للصلاة في الأقصى.
الناشطون المقدسيون أرادوها ليلة مضاءة بنار "الحارقات"، تعبيراً عن شدة غضبهم ممّا يحدث في غزة، وما حدث في عملية قتل الفتى محمد أبو خضير، ولعلها رسالة تصل الاحتلال، ربما قد يستوعبها.