"الجهاديون" على تليغرام... داعش والقاعدة يتراجعان في الفضاء الإلكتروني

10 فبراير 2018
أعضاء داعش أكثر تفاعلاً مع التكنولوجيا من منتسبي القاعدة(Getty)
+ الخط -
يتتبع روبرت ريجز، رئيس قسم الأديان والسياسات في جامعة بريدج بورت الأميركية، تأثير العولمة والتكنولوجيا على التنظيمات المتطرفة بـ"اهتمام كبير"، إذ تطور تعامل الجيل الجديد من التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها "داعش"، مع وسائل التكنولوجيا ووسائل التواصل ضمن عملهم ومحاكاتهم لطرق التواصل والإدارة الحديثة، على عكس النسخة الأقدم والأكثر بساطة من تلك التنظيمات المتمثلة في "القاعدة"، كما يقول، متابعا "تنظيم داعش منذ نشأته اهتم بالأدوات الحديثة مثل مواقع التواصل والبرمجيات وتطبيقات المراسلة والتكنولوجيا الحديثة، التي لم تكن التنظيمات المتطرفة السابقة مهتمة بها".

لماذا اختار "داعش" تطبيق التليغرام؟

صدر تطبيق تليغرام Telegram في العام 2013 على يد الأخوين الروسيين بافل ونيكولاي دوروف، ويعد الأخير مؤسس الشبكة الاجتماعية الروسية الشهيرة VK، والتي تعد أشهر المنصات المعارضة لسياسات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وعمد داعش إلى إنشاء حسابات على تطبيق التليغرام بعد إغلاق حسابات التنظيم والمتعاطفين معه على موقعي التواصل الاجتماعي "تويتر" و"فيسبوك"، لما يوفره التطبيق من نظام تشفير أكثر تعقيدا من غيره من التطبيقات، بالإضافة إلى خدمة الحماية الفعالة الأكثر تعقيدا من كافة البرامج المنافسة، مثل تطبيق واتساب، والتي لا يمكن اختراقها من قبل الحكومات والأنظمة، الأمر الذي يتيح لمنتسبي تلك التنظيمات التواصل وتلقي التعليمات ونشر أفكارهم وأخبارهم، دون أن تتمكن الشركة مقدمة الخدمة من التوصل إلى مضمون تلك الرسائل، أو معرفة ما يكتبونه، بحسب ما أوضحه الباحث في تقنية المعلومات بمركز دعم واتخاذ القرار بمجلس الوزراء المصري محمد فؤاد، مشيرا إلى أن التليغرام توجد فيه خاصية التدمير الذاتي للرسائل بعد فترة زمنية مُحددة تصل إلى ما بين ثانيتين وحتى أسبوع، وفقا لما يحدده المستخدم.

ويوفر التليغرام ميزة أخرى، بحسب الباحث بمؤسسة حرية الفكر والتعبير محمد طاهر، والذي قال لـ"العربي الجديد": "التطبيق يستخدم برتوكول تشفير من نوع End to End، الفعّال جدا في الحماية من الاختراق، فضلاً عن توفير هذا النوع من التشفير بعض الخصائص التقنية الثانية، كالتدمير التلقائي للحسابات في حالة عدم استخدامها خلال فترة معينة".

وتتيح خدمة القنوات Channels (تشبه المجموعات "الغروب" على الواتساب)، إمكانية نشر المواد الإعلامية عبر رابط لكل قناة يمكن المستخدمين من الانضمام إليها، وهي ميزة لا تتوفر في منافسيه مثل واتساب وخدمة ماسنجر، الأمر الذي يتيح لتلك التنظيمات توسيع دائرة الدعاية الخاصة بها بين المستخدمين سواء كانوا من منتسبيه أو المستخدمين العشوائيين، وهو ما يؤكده الباحث في مجال الحريات الرقمية والأمن الرقمي والفائز بجائزة البوبز العالميّة لأفضل نشاط رقمي 2016 في فئة التكنولوجيا من أجل الصالح العام، رامي روؤف، لـ"العربي الجديد"، قائلا: "جزء من استخدام الجماعات الجهادية للتليغرام مرتبط بدعاية له باستخدام تقنيات تراعي خصوصية وسلامة المستخدم من حيث خصوصية المحتوى ومعايير التعمية، ومقدار قيام الشركة أو مقدم الخدمة بجمع معلومات شخصية عن المستخدمين".


استخدام التطبيق من قبل الجهاديين

كشفت أجهزة الأمن الفرنسية أن عادل كريمش، قاتل الكاهن جاك هامل في كنيسة في سانت إتيان دو روفريه، في شمال غرب فرنسا، استعمل التليغرام قبل فترة بسيطة من تنفيذ عمليته الإرهابية، كما تم استخدام تطبيق تليغرام من قبل منفذي هجمات باريس في نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، بالإضافة إلى حادث اقتحام شاحنة أحد أسواق عيد الميلاد ببرلين في ديسمبر/ كانون الأول 2016، وحادثة تفجير ملهى ليلي بالعاصمة التركية إسطنبول في يناير/ كانون الثاني 2017 والذي استخدم مُنفذه تطبيق "التليغرام" لتلقي التعليمات من مسؤوله بمدينة الرقة، وفق ما أعلنه النائب العام التركي، وكذلك هجوم المترو في سان بطرسبرغ في روسيا في إبريل/ نيسان 2017، الذي استخدم مُخططه تطبيق التليغرام لتنفيذ الهجوم، حسبما أعلنت لجنة التحقيق الروسية، وحادث برشلونة الإرهابي في أغسطس/ آب 2017 وفقا لما وثقه معدا التحقيق.


خريطة التنظيمات المتطرفة على تليغرام

أغلقت 4 قنوات رسمية لـ"داعش" على تليغرام و13 قناة غير رسمية مناصرة له، وفقا لرصد قام به معدا التحقيق خلال الفترة من مايو/ أيار وحتى يناير/كانون الثاني 2018، ومن هذه القنوات، بحسب ما وثقه معدا التحقيق وكالة "ناشر نيوزو" المختصة بنشر كل ما هو رسمي عن تنظيم داعش، التي تحوي 18 قناة، وكل قناة تعيد نشر المحتوى نفسه، لتجاوز سياسة الحجب، إذ تقوم بقية القنوات بإعادة نشر المحتوى ذاته، ويبلغ أعضاء هذه القنوات نحو 540 عضوا بحد أقصى و44 عضوا بحد أدنى، وتنشر وكالة أعماق التابعة لتنظيم الدولة، التي يبلغ عدد أعضائها أكثر من 870 عضوا، تقارير مرئية عن مجريات الأعمال العسكرية اليومية للتنظيم بشكل رئيسي وما تتعرض له مناطق سيطرة التنظيم من قصف، كما ينشر في قناة أخبار الخلافة التي يبلغ عدد أعضائها 400 عضو، كل ما هو رسمي عن تنظيم داعش مترجماً للإنكليزية، وقد أغلقت القناة أثناء تنفيذ هذا التحقيق.

ومن القنوات غير الرسمية المناصرة لداعش، وفقا لرصد معدي التحقيق، قناة عمر الفلاحي، وهو شخصية افتراضية تحلل الأوضاع الميدانية للحرب ضد داعش خاصة في العراق، ويبلغ عدد أعضاء القناة التي تم إغلاقها نحو 5000 عضو، وقناة سلطان التي تشبه قناة "كواسر النشر"، أي تعيد نشر المواد المرئية والمسموعة للتنظيم لكنها أوسع انتشارا، ويبلغ عدد أعضائها نحو 6000 عضو، إلى جانب قناة عبد الوهاب التميمي، وهو شخصية افتراضية كان ينقل مجريات المعارك في الموصل قبل هزيمة داعش، كما ينقل صورا حصرية للمعارك هناك، ويبلغ عدد أعضاء قناته أكثر من 6000 عضو وقد أغلقت ولم تعد مرة أخرى، ومن بين القنوات التي تغلق بشكل متكرر قناة ترجمان الأساورتي وهو شخصية افتراضية مؤيدة لتنظيم الدولة وذات شعبية واسعة بين أنصاره تنتج مواد مرئية تحت عنوان "دحض شبهات المخالفين" ويبلغ عدد أعضائها قبل آخر حجب 5000 عضو.

وتم إغلاق 660 قناة لتنظيم داعش على "تليغرام"، بحسب ما جاء في تغريدة لمؤسس تليغرام الروسي Pavel Durov على حسابه في "تويتر" في يناير/ كانون الثاني 2016.


قنوات القاعدة

واجه "الجهاديون" كل أنواع حجب المحتوى على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات المراسلة، ومن بينها تليغرام، الذي بدأت فيه سياسة الحجب والمنع منذ فترة ليست بالقليلة وتركيزها أكثر على قنوات تنظيم الدولة والمناصرين له، وبدرجة أقل بكثير على قنوات القاعدة والجماعات التابعة والمقربة منها والتي وصلت، وفق رصد معدي التحقيق، خلال الفترة من مايو/أيار حتى نوفمبر/تشرين الثاني 2017، إلى 20 قناة للقاعدة والجماعات والشخصيات المقربة منها، منها على سبيل المثال قناة مؤسسة السحاب التابعة للقيادة العامة للقاعدة والتي يبلغ عدد أعضائها نحو 4700 عضو وقناة "أخبار المجاهدين في جزيرة العرب" التي تنشر كل ما يخص القاعدة في اليمن من بيانات وأخبار ومواد مرئية ومسموعة والتي يبلغ عدد أعضائها نحو ألف عضو وقناة وكالة إباء الإخبارية التابعة لجماعة هيئة تحرير الشام المنفصلة عن القاعدة ويبلغ عدد أعضائها أكثر من 40 ألف مشترك وقناة "إمارة أفغانستان الإسلامية" التابعة لحركة طالبان والتي يبلغ عدد أعضائها 4600 عضو وكذلك الأمر لمعظم فروع القاعدة والجماعات المقربة منها ومن اللافت للنظر أن أعضاء القنوات التابعة والمقربة من القاعدة أكثر بكثير من قنوات داعش والمناصرين لها وهذا لا يعود لزيادة شعبية الأولى عن الثانية بل لسياسة الحجب والمنع في تليغرام التي تتشدد كثيرا مع داعش أكثر من القاعدة التي تتعرض للحجب أيضا لكن بدرجة أقل.

ورصد معدا التحقيق 10 قنوات للشخصيات المناصرة للقاعدة، من بينها قناة أبو قتادة الفلسطيني المعروف غربيا بشيخ القاعدة ويبلغ عدد أعضاء قناته 11000 عضو وقناة أبو محمد المقدسي وهو منظر للسلفية الجهادية ويعد حاليا غير محسوب على القاعدة وداعش إذ لديه خصومات مع الطرفين، ويبلغ عدد أعضاء قناته 9400 عضو وقناة السعودي عبد الله المحيسني القيادي سابقاً في هيئة تحرير الشام ويبلغ عدد أعضاء قناته 31 ألف عضو، وساهمت سياسة تليغرام غير المتشددة كثيرا مع الجهاديين القاعديين في ظهور الخلافات بينهم إلى العلن، بعد أن كانت خفية في السابق، ويرى الباحث المتخصص في دراسة طرق استخدام التنظيمات المُسلحة للتواصل، ووسائل التواصل الاجتماعي بمؤسسة راند الأميركية، تود هلموس، أن داعش أكثر خبرة وحداثة في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي من تنظيم القاعدة، مشيرا إلى أن عناصر القاعدة يستخدمون الرسائل الصوتية المسجلة، بينما يستخدم داعش تطبيقات الرسائل المُشفرة، غير أن خسارة داعش لجل أماكن سيطرته في سورية والعراق ظهر في قلة قنوات المناصرة والتي كانت متوفرة ويسهل الوصول إليها، وذلك يعود لسببين، أولهما تكثيف حملات الحجب والمراقبة من قبل إدارة تليغرام، والسبب الآخر وجود حالة من الإحباط بعد خسارة التنظيم جلّ حواضنه.​

وأدت سياسة تطبيق التليغرام بغلق قنوات داعش والمناصرين له، إلى لجوئهم لتغيير خصوصية القناة بجعلها خاصة وغير متاحة إلا للمشتركين، والاشتراك لا يكون إلا عبر رابط مؤقت، ولا يعلن عنه في نطاق واسع حتى لا تتوصل له إدارة التليغرام وتغلقه، وبذلك صارت أعداد مشتركي قنوات داعش الرسمية بضع مئات كحد أقصى، وفقا لرصد معدي التحقيق، وهو ما يوافقهما فيه الباحث تود هلموس، مضيفا "حتى عند حذف قنواتهم فإنهم يؤسسون أخرى، الأمر يحتاج إلى مواجهة فعالة مع تلك الأفكار المتطرفة تكنولوجيّا وفكريا".