في فصل جديد من مسرحية تحويل الجامعات الأردنية إلى شركات استثمارية، لزيادة إيراداتها وأرباحها، تُقرّ الجامعة الأردنية (عمّان)، أقدم وأعرق الجامعات الرسمية الأردنية، بندًا في غاية الغرابة والاستهجان، ينم عن عقلية تجارية بحتة، وفق تعليق ناشطين، لا يلتفت كما ظهر، إلى معالجة الاختلالات في المخرجات، بقدر ما يدر على رواتب العاملين مزيدًا من الأموال.
فقد قررت الجامعة الأردنية، السماح للطلبة فيها بدراسة تخصصين في آن واحد، عقب تعديل التعليمات الخاصة بالجامعة، لتسمح بدراسة تخصصي "بكالوريوس" معًا، بعد أن كانت التعليمات تمنع هذا الأمر، وفق رئيس الجامعة عزمي محافظة.
محافظة أوضح، في تصريحات صحافية السبت 08/تموز يونيو، لوسائل إعلام محلية، "أن هذا القرار سيطبق ابتداء من العام الدراسي المقبل، حيث يمكن للطالب الذي تم قبوله في أحد التخصصات بشكل مباشر، أو عن طريق التعليم العالي، أن يسجل في تخصص آخر"، مشيرا إلى أن "هذا النظام معمول به في الجامعات العالمية إذ يدرس الطالب أكثر من تخصص إذا كانت لديه الرغبة".
وبرر الرئيس هذا الإجراء، بالقول "إن ذلك من شأنه، أن يوفر على الطالب من الناحية المادية، خاصة، أن هنالك مواد مشتركة في التخصصات، تحسب ضمن الساعات، فتصبح المدة للـ(بكالوريوس) في التخصص الواحد، أقل"، وفق تعبيره.
ولفت محافظة، وهنا بيت القصيد، إلى "أن هذا الأمر يعود على الجامعة بالفائدة المادية، عدا عن تحقيق حلمه بدراسة أكثر من تخصص ضمن سنوات محددة، بدلا من الانتهاء من تخصص، والبدء بعدها بدراسة تخصص آخر".
وما كان يعنيه محافظة حقيقة، وفق نشطاء، أن الجامعة تعاني عجزا ماليا غير مسبوق، يهدد "رواتب الموظفين" فيها بشكل خاص، وهو ما كشفه الرئيس نفسه أيضا، وعبر تصريحات صحافية في اليوم التالي لاتخاذ هذه الخطوة، الأحد 09/تموز يونيو، من أن "نسبة كبيرة من حصة إيرادات الجامعة، تذهب للموظفين، سواء من الأكاديميين أو الإداريين والعاملين".
موضحا أن "نحو 85 مليون دينار أردني من إيرادات الجامعة، والبالغة نحو 110 ملايين دينار، تغطي مصاريف الموظفين من رواتب ومكافآت نهاية خدمة وتأمين صحي، وهو ما يشكل 77 % من إيرادات الجامعة".
هذا وشن كثير من الناشطين والفاعلين على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة "الفيسبوك"، هجوما لاذعا على هذا القرار، الذي وصف من قبل كثير منهم، بالعجز الاستراتيجي، و"الصلع الفكري"، الذي يؤدي إلى تجديد سلبي، لن يخدم العملية التعليمية في الجامعات، وإنما يؤدي إلى مزيد من الانحدار والتخبط.
وسخر آخرون من القرار بالقول، إن "الجامعة الأردنية حين تسمح بدراسة تخصصين في نفس الوقت، إنما يدل على حرصها أن توفر للشاب عند تخرجه، فرصتين في التعيين، لا فرصة واحدة".
"يعني بدل ما تكون مش لاقي شغل واحد، بتكون مش لاقي شغلين"، تلك الجملة، التي انتشرت بشكل واسع جدا، على موقع "الفيسبوك"، وتفاعل معها رواد الموقع من الشبان والشابات الأردنيين، مستهزئين بالقرار.
"قرار مضحك للجامعة الأردنية.. بعد أن صرح رئيس الجامعة الأردنية (...) أنه سيسمح للطلبة بدراسة تخصصين بدرجة البكالوريوس في آن واحد"، وفق تعبير الكاتب والصحافي محمد الزيود، الذي ناشد إدارة الجامعة ابتداء، بتطوير مخرجاتهم، كنوعية الخريجين، "بدل هاي القرارات الفضائية"، وفق تعبيره.
ولم يغفل المعلقون الهدف الأساس من هذه الخطوة، حين أشاروا ساخرين، أن هذا القرار "الجريء"، سيدر أموالا إضافية لدخل الجامعة الأردنية، وبالتالي، ستتحسن رواتب العاملين فيها، خاصة هيئة التدريس، ما سينعكس إيجابا على عطائهم في محاضراتهم للطلبة".
ورأى كثر إلى قرار السماح بدراسة تخصصين دفعة واحدة، أنه "قرار للجباية فقط، لا أكثر ولا أقل، ولن يكون بمقدور الطالب الإبداع في تخصصين".
عموما، تبدع الدولة الأردنية، باستمرار في صناعة الخيبة لدى آلاف الشباب، وهي صاحبة الخبرة المتراكمة في ذلك، بفضل الإسناد من جانب المؤسسات المنضوية تحت جناحها، التي وعلى ما يبدو، تجمعها بها تفاهمات، تؤدي في نهاية المطاف، إلى تحقيق المكاسب، سواء الصغيرة الآنية، أو حتى الكبيرة والمستمرة، والحديث هنا، عن سوء مخرجات التعليم العالي "البالي"، التي تحولت مصانعها "الجامعات"، إلى مجرد شركات استثمار، بغض النظر عن قيمة "البضاعة" وجودتها.
فليس سرا يجهله رجل الشارع البسيط اليوم، أن رجال الحكومة يدركون مقدار "تراجع فرص العمل في الأسواق الخليجية مثلا، أمام عشرات الآلاف من الشباب الخريجين، لأسباب تتعلق بطبيعة الحال، بالانهيارات المتوالية في جودة التعليم في الأردن، خلال السنوات العشر الماضية، وضعف القدرة التنافسية للجامعات الأردنية"، وفق اعترافات أدلى بها لـ"جيل"، مصدر في وزارة التعليم العالي الأردنية.
تلك الحقائق المؤلمة، تترجم في مشهد مرعب، يتجسد عبر تحطيم الآمال لشاب ينتظر دوره على قوائم "ديوان الخدمة المدنية"، فيجزم هذا المسكين كغيره من مئات الآلاف من الشباب، أن هذا ليس المكان الصحيح والمناسب، ليجد وظيفة، فـ"الصراع على النفوذ والمصالح بين المؤسستين التشريعية، والتنفيذية"، يوضح هذا المسؤول، "يقنن الفساد، فلا مساحة ممكنة للحركة، خارج هذا القانون".