"الثقافة الجديدة": الأعداد الكاملة بعد 35 سنة على الإغلاق

19 ديسمبر 2019
(محمد بنيس)
+ الخط -

في آذار/ مارس عام 1974، صدر العدد الأول من "الثقافة الجديدة" من مدينة المحمدية المغربية، وهي مجلة فكرية إبداعية فصلية راهنت حينها، مثل مجلات عربية عديدة ظهرت في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، على الانفتاح على الحداثة في مختلف أنماط الكتابة والفنون، والالتزام بقضايا التحرّر العربية.

وحملت الدورية اسم مديرها الشاعر محمد بنيس (1948)، وفريق التحرير المكوّن من عبد الله راجع، ومحمد البكري، ومحمد العشيري، ومصطفى السناوي (1953 - 2015) الذي كتب افتتاحية العدد متضمّنة سؤالاً مباشراً: لماذا هذه المجلّة؟

أتت الإجابة بالقول: "ليست لنا حلول جاهزة، ومع ذلك فإن مهمتنا لن تكون مساندة لخاصية التراكم الكمي المتجلية في أغلب الكتابات المغربية، مهما كانت مصادر قناعاتها الفكرية والإبداعية. هذه نقطة أولى نرى الإلحاح عليها واجباً، لأنها أساسية، وكلّ تراجع عنها نعتبره مساهمة في الأزمة الثقافية الموجودة".

وتضمّن العدد الأول مقالات لكّل من عبد الله العروي، ومصطفى الإدريسي، وعبد القادر الشاوي، ولوسيان غولدمان، ومحمد الواكرة، والطاهر بنجلون، إلى جانب المسناوي وراجع. وتجدر الملاحظة أنّ بيان "اتحاد كتاب المغرب"، الذي نشرته المجلّة، أكّد على أن "الثقافة تعبير فكري عن الصراعات الاجتماعية"، وعلى ضرورة "مواجهة القوى المتسلطة" ومجابهة ثقافتها، وتأسيس ثقافة تقدمية تكون "سلاحاً للتغيير"، والتي تتشابه مع شعارات عدد من الاتحادات العربية التي تراجعت جميعاً عنها لاحقاً.

تحتفظ الذاكرة الثقافية العربية، بذلك المقال المنشور على صفحات العدد 19 (الصادر في كانون الثاني/ يناير 1981)، بقلم بنيس تحت عنوان "بيان الكتابة" والذي كتب فيه "لم يستطع الشعر المغربي المكتوب باللغة العربية الفصحى، طوال تاريخه أن يمتلك فاعلية الإبداع، أي القدرة على تركيب نص مغاير يخترق الجاهز المغلق المستبد، إلا في حدود مغفلة إلى الآن...".

العدد الأول من مجلة "الثقافة الجديدة"أثار البيان حينها موجة من الردود في كلا الاتجاهين، خاصة أن صاحب "ما قبل الكلام" وقف عند خمسة عقود من المدونة الشعرية الحديثة في سياقها الاجتماعي والسياسي، وفق قراءة بدت جريئة ومتطرّفة إلى حد ما، حين رأى أن الشعر استمرّت وظيفته كــ"شهادة" في مرحلة التحرر الوطني، دون تكامل مع مبدأ ثانٍ هو "البحث في ماهية الشعر"، ومن هنا "كان إقصاء الشعر: إلغاؤه"، بحسب بنيس.

استمرت المغامرة منفتحة على مشهد عربي أوسع، حيث نشرت المجلة نصوصاً ومقالات لغالب هلسا، وصنع الله إبراهيم، وسركون بولص، وأدونيس، ومحمد أركون، وهادي العلوي، ومحمود أمين العالم، وحيدر حيدر، وبرهان غليون، وأمل دنقل، وناصيف نصار، وقاسم حداد، وأمين صالح، وكمال أبو ديب، وسعدي يوسف، ومنير العكش، وجمعة اللامي، وعز الدين المناصرة، والطاهر شريعة، ومحمد كامل القليوبي، وصلاح فائق، وجاد الحاج، وجليل حيدر.

وحافظة المجلّة على مبادئها الأساسية في عدم الركون للسائد الثقافي، وتمثّل المواقف الاجتماعية والسياسية القائمة على التقدّم والتحرّر والتحديث، وشكّل الاجتياح الصهيوني للبنان وحصار بيروت عام 1982 أبرز الأحداث التي توقّفت عندها "الثقافة الجديدة" بالانحياز التام للحق الفلسطيني وتقديم مساحة للدرس والتأمل والنقاش.

وبالطبع، كان الداخل المغربي بسياقاته السياسية والاجتماعية والثقافية أساس تفكير وعمل المجلة، التي أصدرت السلطلت المغربية قرار إغلاقها إثر اندلاع انتفاضة الدار البيضاء (انتفاضة الخبز) عام 1984، على خلفية مواقف هيئة تحريرها، بعد أن صدر منها ثلاثون عدداً.

عقب مرور أكثر من خمسة وثلاثين عاماً على الإغلاق، لا تزال "الثقافة الجديدة" التي صدرت أعدادها الكاملة حديثاً في كتاب عن "دار توبقال للنشر" بالتعاون مع جمعية "أًصدقاء الثقافة الجديدة"، ودعم من "مؤسسة أجيال لحماية حقوق الإنسان"، شاهداً على مرحلة مهمة اشتبكت معها بالسؤال والتحليل والنقد، وقدّمت مقاربات تستحق اليوم إعادة قراءة ومراجعة حقيقة لها.

وتنظّم "مؤسسة أونا دار الفنون" في الرباط عند السادسة من مساء غدٍ الجمعة، حفل إطلاق الكتاب الصادر في ثمانية مجلدات، مع ملحق يضم تعريفاً ودراسات إلى جانب فهرس عام، وهي تشمل 31 عدداً، بما فيها العدد الذي نشرته مجلة "الكرمل" في قبرص، على إثر منع المجلة في المغرب.

دلالات
المساهمون