"التّقَهّي" قرب الوطن

05 نوفمبر 2014
نادراً ما تقصد مقهى في إسطنبول ولا تسمع العربية(أ.ف.ب)
+ الخط -

كثيرة هي المقاهي الشعبية في مدينة إسطنبول، أفنية رحبة في الفضاء الخارجي، تتوسطها طاولات خشبية مربعة، وكراسٍ قشيّة صغيرة، تصحبها طاولات الزهر حيناً، ولعبة الورق أحياناً، والحاضر دائماً هو "كاس" الشاي، أما الرواد فهم من الشباب غالباً. وما أن تقترب الشمس من موعد المغيب، مُشعرةً إياهم بانتهاء يوم طويل في الجامعة أو أماكن العمل، حتى يبدأ الشباب بالتوافد إلى المقاهي الشعبية، ومع الساعات الأولى من المساء، تعج المقاهي بروادها المخلصين.

غزت المقاهي الشعبية تركيا في القرن الخامس عشر، وتحوّل معها ارتياد المقاهي إلى عادة عثمانية توارثها الأتراك عن أجدادهم. واليوم أصبحت المقاهي الشعبية ملاذاً للشباب التركي.

ويُقبل الشباب التركي على المقاهي الشعبية لتبادل أطراف الحديث حول المستجدات السياسية، وذلك على أنغام الأغاني الشعبية. وتعتبر هذه المقاهي محفّزاً للنشاط السياسي والحزبي، حيث تعقد الاجتماعات فيها بشكل دوري، كما تعقد فيها بعض الندوات وورش العمل.

أما الشباب العربي الذي يرتاد المقاهي الشعبية في تركيا، إسطنبول تحديداً، وخاصة اللاجئين السوريين، فتلك حكاية أخرى. فمن النادر أن تقصد مقهى في إسطنبول دون أن تسمع حديثاً يعبئ إحدى الزوايا باللغة العربية، وخاصة اللهجة السورية. ومع تدفّق اللاجئين السوريين إلى اسطنبول، عملت هذه المقاهي على مواكبة متطلبات روادها الجدد، بتحضير ما يروق ذائقتهم من أطعمة خفيفة ألفوها في بلادهم، وأيضاً، أقدم العديد منها على توظيف الأتراك أو الأكراد الذين يتحدثون اللغة العربية.

وعن هذا، يقول أنس الأحمد: "في هذه المقاهي، تمكنتُ من الالتقاء بالشباب التركي من مختلف الأطياف السياسية، وهذا ما كنا نفتقده في سورية. ففي تركيا هناك مساحة أكبر من الحرية السياسية".

وأضحت المقاهي الشعبية جزءاً لا يتجزأ من الحياة الثقافية والاجتماعية والسياسية للاجئين السوريين في تركيا. وبالنسبة لهؤلاء الشبان، تعيد هذه المقاهي إليهم، في بلد النزوح الذي هم فيه، بعضاً من رائحة الوطن، بشبهها المقارب لأخواتها المنتشرة في الحارات الدمشقية. هذه المقاهي باتت تحتجز مواقعَ خاصة على الخريطة اليومية للشباب السوري في إسطنبول.

يشدّ الحنين للوطن هؤلاء الشبان إلى تلك المقاهي، يلتقون فيها للبحث عن المستقبل واسترجاع الماضي، فلكلٍ منهم قصة يرويها. يتحدثون عن سورية وثورتها، وعن معاناة اللجوء التي يعيشونها في بلد لا يتقن معظمهم لغته، ينتظرون اللقاء بلاجئين آخرين وصلوا حديثاً من سورية، علّهم يسمعون منهم أخباراً جديدة عن أوضاع البلاد وأحوالها، يروون من خلالها عطش الشوق إلى أرض الوطن.

المساهمون