"التمييز الإيجابي" في الولايات المتحدة الأميركية

20 يوليو 2016
فيشر ضدّ جامعة تكساس (مارك ويلسون/ Getty)
+ الخط -

في عام 2011، وصلت نسبة الطلاب البيض المقبولين في الجامعات الأميركية إلى 69% في مقابل 65% من الطلاب السود. على الرغم من التحسّن، إلا أنّ النسبة ما زالت متدنية.

تصدّر موضوع "التمييز الإيجابي" في الولايات المتحدة الأميركية مجدداً عناوين الصحف ووسائل الإعلام الأميركية بعدما قضت المحكمة الدستورية هذا الشهر - بأغلبية أربعة قضاة ضدّ ثلاثة - برفض القضية التي رفعتها الأميركية أبيغيل فيشر ضدّ جامعة تكساس، والمعروفة تحت اسم "فيشر ضدّ جامعة تكساس". وتعود هذه القضية إلى عام 2008 حين تقدّمت الشابة، وهي بيضاء، بطلب الالتحاق بالجامعة ورُفِض طلبها. فأقامت فيشر، مدعومة من جهات ومؤسسات يمينية أميركية، دعوى قضائية تدّعي فيها أنّ كونها بيضاء لعب دوراً رئيسياً في عدم قبولها وفي "التمييز" ضدّها وأنّ هذا يخالف الدستور الأميركي وتحديداً البند الرابع عشر منه الذي يكفل تكافؤ الفرص للجميع.

استخدم مصطلح "التمييز الإيجابي" في الولايات المتحدة للمرّة الأولى في عهد الرئيس جون فتزجرالد كينيدي في عام 1961، عندما وقّع أمراً رئاسياً تنفيذياً يقضي باتخاذ إجراءات تمنع التمييز في التوظيف والتعليم ضدّ الأقليات على أساس العرق أو الجنس أو القومية أو لون البشرة، ويهدف إلى فرض العدالة والمساواة بين الجميع. أتت الخطوة آنذاك بدعم وضغط من "حركة الحقوق المدنية" في الولايات المتحدة التي حاولت، من ضمن أمور كثيرة أخرى، القضاء على التمييز الذي عرفته البلاد في مؤسساتها الرسمية وغير الرسمية - بما فيها الجامعات - ضد الأقليات لا سيما السود. حينها، كانت سياسة الفصل العنصري مستشرية وقد مُنع السود خصوصاً من دخول جامعات أميركية ومدارس التزمت بنظام الفصل العنصري واقتصر طلابها على البيض. وحتى عام 1965، لم تتعدّ نسبة الأمريكيين من أصول أفريقية في الجامعات الأميركية في دراسات الـبكالوريوس، خمسة في المائة، بحسب مصادر أميركية رسمية، في حين لم تتعدّ نسبتهم اثنين في المائة في كليات الطب وواحداً في المئة في كليات القانون. وقد اتخذت حزمة إضافية من الإجراءات في محاولة لضمان تكافؤ الفرص وعدم التمييز ضد الأقليات ودعمهم. وفي عام 1965، وقّع الرئيس ليندون جونسون أمراً رئاسياً يقضي باعتماد المؤسسات الحكومية وتلك المتعاقدة معها، سياسات تشجّع على رفع نسبة الأقليات في توظيفاتها.




في السنوات التي تلت، بدأت الجامعات الأميركية تتخذ خطوات مشابهة لتلك التي أمر بها جونسون، من بينها العمل على رفع نسبة الأقليات في صفوف طلابها. ويقضي جزء من هذه الإجراءات بمحاولة تصحيح الظلم التاريخي الذي وقع على عاتق أقليات مختلفة في البلاد، تحديداً السود وكذلك النساء والسكان الأصليين. وعند النظر بقبولهم، أخذت الجامعات بعين الاعتبار من ضمن سياسات مختلفة ومعقدة، مسألة العرق أو لون البشرة، من دون أن تكون تلك الإجراءات الوحيدة لأنّ ذلك يتنافى مع مبدأ خلق فرص متساوية للجميع. وقد ابتُكر برامج تستهدف الأقليات في دعايتها الجامعية وتشجعهم على الالتحاق بها، كذلك أخذ العرق أو الجنس أو الدين بعين الاعتبار، كواحد من مكوّنات كثيرة مختلفة من دون أن يشكّل ذلك سبباً رئيسياً في قبول هذا الشخص أو ذاك، لكنّه يمنحه نوعاً من الأفضلية عند توفّر كل الشروط. وبحسب "المركز القومي للإحصاءات حول التعليم" في الولايات المتحدة لعام 2007، فإنّ 70 في المائة من الطلاب البيض خرّيجي المدارس الثانوية يُقبلون في الجامعات الأميركية في مقابل 56 في المائة من السود. وفي عام 2011، وصلت تلك النسبة إلى 69 في المائة لصالح الطلاب البيض في مقابل 65 في المائة من الطلاب السود. وعلى الرغم من التحسّن الملحوظ بالمقارنة مع ستينيات القرن الماضي، إلا أنّ النسبة ما زالت متدنية ولا تعكس التحسين المطلوب ولا ترقى إلى "التعويض" عن الظلم التاريخي الذي حلّ بالأقليات عموماً والسود على وجه التحديد.

تشير إحصاءات مختلفة إلى تراجع شديد في نسبة دخول الطلاب من الأقليات إلى بعض الجامعات الأميركية التي توقفت عن دعم سياسات "التمييز الإيجابي" وما توفّره من منح خاصة بالأقليات وبرامج خاصة لدعمهم أثناء دراستهم في الجامعة من أجل نيل تحصيل أكاديمي أفضل. ويعطي داعمو سياسة "التمييز الإيجابي" أمثلة عديدة لولايات أميركية توقفت عن توفير برامج الدعم للأقليات وأدّت سياستها تلك إلى انخفاض ملحوظ في نسبة الطلاب السود والأقليات في تلك الجامعات، من بينها ولاية كاليفورنيا وتكساس. هناك، انخفضت نسبة الطلاب السود في جامعات بيركلي ولوس أنجلس في ولاية كاليفورنيا. والأمر ذاته ينطبق على جامعة رايس في تكساس، بعدما علّقت الولاية برامج الدعم المذكورة أعلاه، لتنخفض نسبة السود في الجامعة 46 في المائة بالمقارنة مع ما كانت عليه. ويدّعي المعارضون لتلك السياسة أنّها أصبحت قديمة وأنّ القبول في الجامعات يجب أن يكون على أساس التحصيل العلمي لا غير، كذلك يدّعي هؤلاء أنّ هذه السياسة تؤدّي إلى وصم الأقليات بأنّهم يقبلون إلى الجامعات بسبب التمييز الإيجابي وانتماءاتهم العرقية أو الدينية أو الجنسية. أيضاً، يرى هؤلاء أنّ هذه السياسات تخدم طبقات الأقليات المتوسطة والغنيّة عوضاً عن خدمة الفقراء. ومن اللافت أنّ معارضين كثيرين لتلك السياسة ينتمون إلى التيارات المحافظة واليمينية للبيض، ضاربين بعرض الحائط مئات السنين من الظلم التاريخي والعبودية وسياسات التمييز العنصري التي عانى منها الأميركيون من أصول أفريقية كما النساء والسكان الأصليون وغيرهم. ما زالت تبعات ذلك محسوسة حتى اليوم ولا يمكن تعويضها من خلال عشرات السنين من سياسات التمييز الإيجابي والمنح وبرامج الدعم لهؤلاء. وقضية فيشر ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، إذ ثمّة قضايا أخرى مشابهة مرفوعة أمام المحاكم الأميركية تنتظر البتّ فيها.